المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

59- ولكن الذين ظلموا خالفوا أمر ربهم ، فقالوا غير ما أمرهم بقوله ، استهزاء وتمردا ، فكان الجزاء أن أنزل الله على الظالمين عذاباً من فوقهم جزاء فسقهم وخروجهم على أوامر ربهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } منهم ، ولم يقل فبدلوا لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا { قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } فقالوا بدل حطة : حبة في حنطة ، استهانة بأمر الله ، واستهزاء وإذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب أولى وأحرى ، ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم ، ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم ، قال : { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } منهم { رِجْزًا } أي : عذابا { مِنَ السَّمَاءِ } بسبب فسقهم وبغيهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

ولكن ، ماذا كان من بني إسرائيل بعد أن أتم الله لهم نعمة الفتح ؟

إنهم لم يفعلوا ما أمروا بفعله ، ولم يقولوا ما كلفوا بقوله ، بل خالفوا ما أمروا به من قول وفعل ، ولذا قال تعالى : { فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ } .

أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " قيل لبني إسرائيل : ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة فبدلوا ودخلوا يزحفون على أستاهم ، وقالوا : حبة في شعيرة " .

قال الإِمام ابن كثير : ( وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق ، أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل ، فأمروا أن يدخلوا الباب سجداً ، فدخلوا يزحفون على أستاهم رافعين رؤسهم ، وأمروا أن يقولوا : حطة ، أي احطط عنا ذنوبنا وخطايانا فاستهزءوا وقالوا : حنطة في شعيرة ، وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ، ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وخروجهم عن طاعته ) .

فقوله تعالى : { فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ } بيان للسبب الذي من أجله نزل عليهم العذاب ، وتوبيخ لهم على مخالفتهم أوامر الله - تعالى - ، لأن تبديل الشيء معناه تغييره وإزالته عما كان عليه بإعطائه صورة تخالف التي كان عليها .

والفعل ( بدل ) يقتضي بدلا ومبدلا منه ، إلا أن مقام الإِيجاز في الآية استدعى الاكتفاء بذكر البدل - وهو القول الذي لم يقل لهم - دون ذكر المبدل منه - وهو القول الذي قيل لهم - والتقدير : فاختار الذين ظلموا بالقول الذي أمرهم الله به ، قولا آخر اخترعوه من عند أنفسهم على وجه المخالفة والعصيان .

قال صاحب الكشاف : { فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ } أي : وضعوا مكان { حِطَّةٌ } قولا غيرها ، يعني أنهم أمروا بقول معناه التوبة والاستغفار فخالفوه إلى قول ليس معناه معنى ما أمروا به ، ولم يمتثلوا أمر الله ، وليس الغرض أنهم أمروا بلفظ بعينه . وهو لفظ الحطة فجاءوا بلفظ آخر ، لأنهم لو جاءوا بلفظ آخر مستقل ، بمعنى ما أمروا به لم يؤاخذوا به كما لو قالوا مكان حطة : نستغفرك ونتوب إليك . أو اللهم أعف عنا وما أشبه ذلك " .

والعبرة التي تؤخذ من هذه الجملة الكريمة ، أن من أمره الله - تعالى - بقول أو بفعل ، فتركه وأتى بآخر لم يأذن به الله ، دخل في زمرة الظالمين ، وعرض نفسه لسوء المصير .

وقوله تعالى : { فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السمآء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } تصريح بأن ما أصابهم من عذاب كان نتيجة عصيانهم وتمردهم وجحودهم لنعم الله - تعالى - والرجز في لغة العرب : هو العذاب سواء أكان بالأمراض المختلفة أو بغيرها .

وفي النص على أن الرجز قد أتاهم من جهة السماء إشعار بأنه عذاب لم يمكن دفعه وأنه لم يكن له سبب أرضي من عدوى أو نحوها ، بل رمتهم به الملائكة من جهة السماء . فأصيب به الذين ظلموا دون غيرهم ، ولم يقل القرآن { فَأَنزَلْنَا عَلَى } بالإِضمار ، وإنما قال { فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ } بالإِظهار ، تأكيداً لوصفهم بأقبح النعوت وهو الظلم ، وإشعاراً بأن ما نزل عليهم كان سبيه بغيهم وظلمهم .

/خ59

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

40

( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ) . .

ويخص الذين ظلموا بالذكر . إما لأنهم كانوا فريقا منهم هو الذي بدل وظلم . وإما لتقرير وصف الظلم لهم جميعا ، إذا كان قد وقع منهم جميعا .

( فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ) . .

والرجز : العذاب . والفسوق : المخالفة والخروج . . وكانت هذه واحدة من أفاعيل بني إسرائيل !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

قوله عز وجل( {[652]} ) :

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ( 59 )

روي أنه لما جاؤوا الباب دخلوا من قبل أدبارهم القهقرى ، وفي الحديث( {[653]} ) أنهم دخلوا يزحفون على أستاههم ، وبدلوا فقالوا حبة في شعرة ، وقيل قالوا حنطة حبة حمراء فيها شعرة وقيل شعيرة .

وحكى الطبري أنهم قالوا حطي شمقاثا أزبة( {[654]} ) ، وتفسيره ما تقدم .

والرجز العذاب ، وقال ابن زيد ومقاتل وغيرهما : «إن الله تعالى بعث على الذين بدلوا ودخلوا على غير ما أمروا الطاعون فأذهب منهم سبعين ألفاً » ، وقال ابن عباس : «أمات الله منهم في ساعة واحدة نيفاً على عشرين ألفاً » .

وقرأ ابن محيصن «رُجزاً » بضم الراء ، وهي لغة في العذاب ، والرجر أيضاً اسم صنم مشهور .

والباء في قوله { بما } متعلقة ب { أنزلنا } ، وهي باء السبب .

و { يفسقون } معناه يخرجون عن طاعة الله ، وقرأ النخعي وابن وثاب «يفسِقون » بكسر السين ، يقال فسق يفسُق ويفسِق بضم السين وكسرها .


[652]:- استدل العلماء بهذه الآية الكريمة على أن تبديل الأقوال المنصوص عليها في الشريعة لا يخلو أن يقع التعبد بلفظها أو بمعناها، فإن كان التعبد وقع بلفظها فلا يجوز تبديلها لذم الله تعالى من يدل ما أمره به، وإن وقع بمعناها جاز تبديلها بما يؤدي إلى ذلك المعنى، ولا يجوز تبديلها بما يخرج عنه. وربما يدخل فيها مسألة نقل الحديث بالمعنى، والمراد أن الظالمين بدلوا قولا غير الذي قيل لهم- قولوا حطة فقالوا حنطة، وقيل لهم: ادخلوا الباب سجدا فدخلوا على أستاههم، فلقوا من البلاء ما لقوا.
[653]:- روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة يغفر لكم خطاياكم فبدلوا فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا حبة في شعرة"، وأخرج البخاري وقال: "فبدلوا وقالوا حطة حبة في شعرة". وفي غير الصحيحين: "حنطة في شعر".
[654]:- هي كلمة عبرانية، وتفسيرها ما تقدم أي "حنطة حمراء".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

قوله : { فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم } أي بدل العشرة القول الذي أمر موسى بإعلانه في القوم وهو الترغيب في دخول القرية وتهوين العدو عليهم فقالوا لهم : لا تستطيعون قتالهم وثبطوهم ولذلك عوقبوا فأنزل عليهم رجز من السماء وهو الطاعون . وإنما جعل من السماء لأنه لم يكن له سبب أرضي من عدوَى أو نحوها فعلم أنه رمتهم به الملائكة من السماء بأن ألقيت عناصره وجراثيمه عليهم فأصيبوا به دون غيرهم . ولأجل هذا خص التبديل بفريق معروف عندهم فعبر عنه بطريق الموصولية لعلم المخاطبين به وبتلك الصلة فدل على أن التبديل ليس من فعل جميع القوم أو معظمهم لأن الآية تذكير لليهود بما هو معلوم لهم من حوادثهم .

وإنما جاء بالظاهر في موضع المضمر في قوله : { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً } ولم يقل عليهم لئلا يتوهم أن الرجز عم جميع بني إسرائيل وبذلك تنطبق الآية على ما ذكرته التوراة تمام الانطباق .

وتبديل القول تبديل جميع ما قاله الله لهم وما حدثهم الناس عن حال القرية ، وللإشارة إلى جميع هذا بني فعل { قيل } إلى المجهول إيجازاً . فقولاً مفعول أول لبدَّل ، و { غير الذي قيل } مفعول ثان لأن ( بدل ) يتعدى إلى مفعولين من باب كسى أي مما دل على عكس معنى كسى مثل سلَبه ثوبه . قال أبو الشيص :

بُدِّلْتُ من بُرْد الشباب ملاءة *** خَلَقاً وبئس مثوبة المقتاض

وفائدة إظهار لفظ القول دون أن يقال فبدلوه لدفع توهم أنهم بدلوا لفظ حطة خاصة وامتثلوا ما عدا ذلك لأنه لو كان كذلك لكان الأمر هيناً . وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة أن القول الذي بدَّلوا به أنهم قالوا : حبة في شَعَرة أو في شعيرة ، والظاهر أن المراد به أن العشرة استهزؤا بالكلام الذي أعلنه موسى عليه السلام في الترغيب في فتح الأرض وكنوا عن ذلك بأن محاولتهم فتح الأرض كمحاولة ربط حبة بشَعَرة أي في التعذر ، أو هو كأكل حبة مع شَعَرة تخنق آكلها ، أو حَبَّة من بُرّ مع شعيرة .

وقوله : { فبدل الذين ظلموا } وقوله : { فأنزلنا على الذين ظلموا } اعتنى فيهما بالإظهار في موضع الإضمار ليعلم أن الرجز خص الذين بدَّلوا القول وهم العشرة الذين أشاعوا مذمة الأرض لأنهم كانوا السبب في شقاء أمة كاملة . وفي هذا موعظة وذكرى لكل من ينصب نفسه لإرشاد قوم ليكون على بصيرة بما يأتي ويذر وعلم بعواقب الأمور فمن البر ما يكون عقوقاً ، وفي المثل « على أهلها تجني براقش » وهي اسم كلبة قوم كانت تحرسهم بالليل فدل نبحها أعداءهم عليهم فاستأصلوهم فضربت مثلاً .