{ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا } أي : تعالت عظمته وتقدست أسماؤه ، { مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا } فعلموا من جد الله وعظمته ، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا ، لأن له العظمة والكمال{[1244]} في كل صفة كمال ، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك ، لأنه يضاد كمال الغنى .
قد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات روايات منها ما أخرجه الشيخان والترمذى ، عن ابن عباس أنه قال : " انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طائفة من أصحابه ، عامدين إلى سوق عكاظ بنخلة ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : مالكم ؟ قالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب ، قالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب ، قالوا : ما ذاك إلا لشئ حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فانظروا ما هذا الذى حال بيننا وبين خبر السماء ؟ فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربهما ، فمر النفر - من الجن - الذى أخذوا نحو تهامة ، عامدين إلى سوق عكاظ ، فوجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم بنخلة يصلى بأصحابه صلاة الصبح ، فلما سمعوا القرآن ، استمعوا إليه وقالوا : هذا الذى حال بيننا وبين خبر السماء " .
فرجعوا إلى قومهم فقالوا : يا قومنا ، إنا سمعنا قرآنا عجبا ، يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا آحدا ، وأنزل الله - تعالى - على نبيه { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن } .
وروى أبو داود عن علقمة عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أتانى داعى الجن ، فذهبت معهم ، فقرأت عليهم القرآن . . "
وهناك رواية ثالثة لابن إسحاق ملخصها : أنه لما مات أبو طالب ، خرج النبى صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمس النصرة من أهلها ويدعوهم إلى الإِيمان . . فأغروا به سفهاءهم ، يسبونه ويستهزئون به . .
فانصرف صلى الله عليه وسلم عنهم ، حتى إذا كان ببطن نخلة - هو موضع بين مكة والطائف - قام يصلى من الليل ، فمر به نفر من جن نصيبين - وهو موضع قرب الشام - فاستمعوا إليه ، فلما فرغ من صلاته ، ولوا إلى قومهم منذرين ، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا ، فقص الله - تعالى - خبرهم عليه . .
وهناك روايات أخرى فى عدد هؤلاء الجن ، وفى الأماكن التى التقوا فيها مع النبى صلى الله عليه وسلم وفيما قرأه الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم ، وفيمن كان معه من الصحابة خلال التقائه بهم . .
ويبدو لنا من مجموع الروايات ، أن لقاء النبى صلى الله عليه وسلم بالجن قد تعدد ، وأنهم تارة استمعوا إليه صلى الله عليه وسلم دون أن يراهم ، وتارة التقى بهم وقرأ عليهم القرآن .
قال الآلوسى : وقد دلت الأحاديث على أن وفادة الجن كانت ست مرات ، ويجمع بذلك بين اختلاف الروايات فى عددهم وفى غير ذلك . وذكر ابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : صرفت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين .
قال القرطبى : واختلف أهل العلم فى أصل الجن . فعن الحسن البصرى : أن الجن ولد إبليس ، والإِنس ولد آدم ، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون ، وهم شركاء فى الثواب والعقاب ، فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولى الله ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان .
وعن ابن عباس : أن الجن هم ولد الجان وليسوا بشياطين ومنهم المؤمن والكافر ، والشياطين هم ولد إبليس ، لا يموتون إلا مع إبليس . .
وقال بعض العلماء : عالم الجن من العوالم الكونية ، كعالم الملائكة وقد أخبر الله - تعالى - أنه خلقه من مارج من نار ، أى : أن عنصر النار فيه هو الغالب ، وأنه يرى الأناسى وهم لا يرونه ، أى : بصورته الجبلية ، وإن كان يرى حين يتشكل بأشكال أخرى ، كما رئى جبريل حين تشكل بشكل آدمى .
وأخبر - سبحانه - بأن الجن قادرون على الأعمال الشاقة . وأن الله سخر الشياطين لسليمان يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل . .
وأخبر بأن من الجن مؤمنين ، وأن منهم شياطين متمردين ، ومن هؤلاء إبليس اللعين .
ولم يختلف أهل الملل فى وجودهم ، بل اعترفوا به كالمسلمين ، وإن اختلفوا فى حقيقتهم ، ولا تلازم بين الوجود والعلم بالحقائق ، ولا بينه وبين الرؤية بالحواس ، فكثير من الأشياء الموجودة لا تزال حقائقها مجهولة ، وأسرارها محجوبة ، وكثير منها لا يرى بالحواس . ألا ترى الروح - وهى مما لا شك فى وجودها فى الإِنسان والحيوان - لم يدرك كنهها أحد ولم يرها أحد ، وغاية ما علم من أمرها بعض صفاتها وآثارها . .
وقد بعث النبى صلى الله عليه وسلم إلى الجن ، كما بعث إلى الإِنس ، فدعاهم إلى التوحيد ، وأنذرهم وبلغهم القرآن ، وسيحاسبون على الأعمال يوم الحساب كما يحاسب الناس ، فمؤمنهم كمؤمنهم ، وكافرهم ككافرهم وكل ذلك جاء صريحا فى القرآن والسنة . .
وقد افتتح - سبحانه - السورة الكريمة بأمر النبى صلى الله عليه وسلم بأن يقول الناس ما حدث من الجن عند سماعهم للقرآن . فقال : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن } .
وفى هذا الأمر دلالة على أن المأمور به شئ هام ، يستدعى من السامعين التيقظ والانتباه ، والامتثال للمأمور به ، وتصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به .
والنفر : الجماعة من واحد إلى عشرة ، وأصله فى اللغة الجماعة من الإِنس فأطلق على الجماعة من الجن وعلى وجه التشبيه .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - للناس ، إن الله - تعالى - قد أخبرك عن طريق أمين وحيه جبريل : أن جماعة من الجن قد استمعوا إليك وأنت تقرأ القرآن . .
فقالوا - على سبيل الفرح والإِعجاب لما سمعوا - : { إِنَّا سَمِعْنَا } من الرسول صلى الله عليه وسلم { قُرْآناً عَجَباً } أى : إنا سمعنا قرآنا جليل الشأن ، بديع الأسلوب ، عظيم القدر .
هذا القرآن { يهدي إِلَى الرشد } أى : إلى الخير والصواب والهدى { فَآمَنَّا بِهِ } إيمانا حقا ، لا يخالطه شك أو ريب { وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } أى : فآمنا بما اشتمل عليه هذا الكتاب من دعوة إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، ولن نشرك معه فى العبادة أحدا كائنا من كان هذا الحد .
والمقصود من أمره صلى الله عليه وسلم بذلك ، دعوة مشركى قريش إلى الإِيمان بالحق الذى جاء به صلى الله عليه وسلم كما آمن جماعة من الجن به ، وإعلامهم بأن رسالته صلى الله عليه وسلم تشمل الجن والإِنس .
وضمير " أنه " للشأن ، وخبر " أن " جملة { استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن } ، وتأكيد هذا الخبر بأن ، للاهتمام به لغرابته . ومفعول " استمع " محذوف لدلالة قوله : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } عليه .
ووصفهم للقرآن بكونه { قُرْآناً عَجَباً . يهدي إِلَى الرشد } يدل على تأثرهم به تأثرا شديدا ، وعلى إعجابهم العظيم بنظمه المتقن ، وأسلوبه الحكيم ، ومعانيه البديعة . . ولذا أعلنوا إيمانهم به بدون تردد ، كما يشعر بذلك التعبير بالفاء فى قوله : { فَآمَنَّا بِهِ . . . } .
والتعبير بقوله - تعالى - : { فقالوا إِنَّا سَمِعْنَا . . } يحتمل أنهم قالوا ذلك فيما بينهم ، أو لإِخوانهم الذين رجعوا إليهم ، كما فى قوله - تعالى - فى سورة الأحقاف : { قَالُواْ ياقومنآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يهدي إِلَى الحق وإلى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } ويحتمل أنهم قالوا ذلك فى أنفسهم على سبيل الإِعجاب ، كما فى قوله - تعالى - : { وَيَقُولُونَ في أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ } بل إننا نرجح أن قولهم هذا قد شمل كل ذلك ، لأن هذا هو الذى يتناسب مع إعجابهم بالقرآن الكريم ، ومع حرصهم على إيمان أكبر عدد منهم به .
ثم حكى - سبحانه - أن هذا النفر من الجن بعد استماعهم إلى القرآن وإيمانهم به ، أخذوا فى الثناء على الخالق - عز وجل - فقال حكاية عنهم : { وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتخذ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدا } .
ولفظ " وأن " قد تكرر فى هذه السورة الكريمة أكثر من عشرمرات ، تارة بالإِضافة إلى ضمير الشأن ، وتارة بالإِضافة إلى ضمير المتكلم .
ومن القراء السبعة من قرأة بفتح الهمزة ، ومنهم من قرأه بكسرها ، فمن قرأ { وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا . . . } بالفتح فعلى أنه معطوف على محل الجار والمجرور فى قوله { فَآمَنَّا بِهِ . . . } فكأنه قيل : فصدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا . . ومن قرأ بالكسر فعلى أنه معطوف على المحكى بعد القول ، أى : قالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا ، وقالوا : إنه تعالى جد ربنا . .
قال الجمل فى حاشيته ما ملخصه : قوله - تعالى - : { وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا . . . } قرأه حمزة والكسائى وأبو عامر وحفص بفتح " أنّ " وقرأه الباقون بالكسر .
وتلخيص هذا أن " أنّ " المشددة فى هذه السورة على ثلاثة أقسام : قسم ليس معه واو العطف ، فهذا لا لخلاف بين القراء فى فتحه أو كسره ، على حسب ما جاءت به التلاوة واقتضته العربية ، كقوله { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع . . . } لا خلاف فى فتحه لوقوعه موقع المصدر ، وكقوله : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } لا خلاف فى كسره لأنه محكى بالقول .
القسم الثانى أن يقترن بالواو ، وهو أربع عشرة كلمة ، إحداها : لا خلاف فى فتحها ، وهى قوله : { وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ . . . } وهذا هو القسم الثالث . والثانية وهى قوله : { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله . . . } كسرها ابن عامر وأبو بكر وفتحها الباقون .
والاثنتا عشرة الباقية ، فتحها بعضهم ، وكسرها بعضهم وهى قوله : - تعالى - : { وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا . . . } وقوله : { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ . . . . } { وَأَنَّا ظَنَنَّآ . . . } { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ . . . } { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ . . . } { وَأَنَّا لَمَسْنَا . . . } { وَأَنَّا كُنَّا . . . } { وَأَنَّا لاَ ندري . . . . } { وَأَنَّا مِنَّا الصالحون . . . } { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهدى . . . } { وَأَنَّا مِنَّا المسلمون } .
وقوله : { تعالى } من التعالى وهو شدة العلو . و { جَدُّ رَبِّنَا } الجد - بفتح الجيم - العظمة والجلال .
قال القرطبى : الجد فى اللغة : العظمة والجلال ، ومنه قول أنس : كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جد فى عيوننا . أى : عظم . فمعنى جد ربنا : عظمته وجلاله .
وقيل معنى " جد ربنا . . " غناه ، ومنه قيل للحظ جد ، ورجل مجدود ، أى : محظوظ . وفى الحديث : " ولا ينفع ذا الجد منك الجد " أى : ولا ينفع ذا الغنى منك غناه ، وإنما تنفعه الطاعة . .
وجملة { مَا اتخذ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدا } بيان وتفسير لما قبله .
أى : آمنا به - سبحانه - إيمانا حقا ، وصدقنا نبيه فيما جاءنا به من عنده ، وصدقنا - أيضا - أن الحال والشأن تعالى وتعاظم جلال ربنا ، وتنزه فى ذاته وصفاته ، عن أن يكون له شريك فى ملكه . أو أن تكون له صاحبة أو أن يكون له ولد ، كما زعم الزاعمون من الكافرين الجاهلين .
وفى هذا القول من هذا النفر من الجن ، رد على أولئك المشركين الذين كانوا يزعمون أن الملائكة بنات الله - تعالى - ، وأنهم - أى الملائكة - جاءوا عن طريق مصاهرته - سبحانه - للجن ، كما حكى عنهم - سبحانه - ذلك فى قوله : { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ . سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ }
( وأنه تعالى جد ربنا ، ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) . .
والجد : الحظ والنصيب . وهو القدر والمقام . وهو العظمة والسلطان . . وكلها إشعاعات من اللفظ تناسب المقام . والمعنى الإجمالي منها في الآية هو التعبير عن الشعور باستعلاء الله - سبحانه - وبعظمته وجلاله عن أن يتخذ صاحبة - أي زوجة - وولدا بنين أو بنات !
وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات الله ، جاءته من صهر مع الجن ! فجاءت الجن تكذب هذه الخرافة الأسطورية في تسبيح لله وتنزيه ، واستنكاف من هذا التصور أن يكون ! وكانت الجن حرية أن تفخر بهذا الصهر الخرافي الأسطوري لو كان يشبه أن يكون ! فهي قذيفة ضخمة تطلق على ذلك الزعم الواهي في تصورات المشركين ! وكل تصور يشبه هذه التصورات ، ممن زعموا أن لله ولدا سبحانه في أية صورة وفي أي تصوير !
وقرأ عيسى «إلى الرُّشد » ومن كسر الألف من قوله «وإنه تعالى »فعلى القطع ويعطف الجملة على قوله { إنا سمعنا } ، ومن فتح الألف من قوله «وأنه تعالى » اختلفوا في تأويل ذلك ، فقال بعضهم هي عطف على { إنه استمع } ، فيجيء على هذا قوله { تعالى } مما أمر أن يقول إنه أوحي إليه وليس يكون من كلام الجن ، وفي هذا قلق .
وقال بعضهم بل هي عطف على الضمير في { به } فكأنه يقول فآمنا به وبأنه تعالى . وهذا القول ليس في المعنى ، لكن فيه من جهة النحو العطف على الضمير المخفوض دون إعادة الخافض وذلك لا يحسن . وقرأ جمهور الناس «جدُّ ربنا » بفتح الجيم وضم الدال وإضافته إلى الرب ، وقال جمهور المفسرين معناه عظمته .
وروي عن أنس أنه قال : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران ، جد في أعيننا أي عظم . وقال أنس بن مالك والحسن : { جد ربنا } معناه ، فهذا هو من الجد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : «ولا ينفع ذا الجد منك الجد »{[11359]} ، وقال مجاهد : ذكره كله متجه لأن الجد هو حظ المجدود من الخيرات والأوصاف الجميلة ، فجد الله تعالى هو الحظ الأكمل من السلطان الباهر والصفات العلية والعظمة ، ومن هذا قول اليهودي حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة : «يا بني قيلة هذا جدكم الذي تنتظرون »{[11360]} أي حظكم من الخيرات وبختكم . وقال علي بن الحسين رضي الله عنه وأبو جعفر الباقر وابنه جعفر والربيع بن أنس ليس لله جد ، وهذه مقالة قوم جهلة من الجن ، جعلوا الله جداً أبا أب . قال كثير من المفسرين هذا قول ضعيف . وقوله : { ولن نشرك بربنا أحداً } يدفعه ، وكونهم فيما روي على شريعة متقدمة وفهمهم للقرآن . وقرأ محمد بن السميفع اليماني «جِد ربنا » وهو من الجد والنفع . وقرأ عكرمة «جَدٌّ ربُّنا » بفتح الجيم وضم الدال وتنوينه ورفع الرب كأنه يقول تعالى عظيم هو ربنا ف «ربنا » بدل والجد العظيم في اللغة . وقرأ حميد بن قيس{[11361]} «جُد ربنا » بضم الجيم . ومعناه ربنا العظيم حكاه سيبويه وبإضافته إلى الرب فكأنه قال عظيم ، وهذه إضافة تجديد يوقع النحاة هذا الاسم إذا أضيفت الصفة إلى الموصوف ، كما تقول جاءني كريم زيد تريد زيداً الكريم ويجري مجرى هذا عند بعضهم .
عظيم الملك في المقل{[11362]}*** أراد الملك العظيم قال بعض النحاة ، وهذا المثال يعترض بأنه أضاف إلى جنس فيه العظيم والحقير ، وقرأ عكرمة أيضاً «جَداً ربُّنا » بفتح الجيم والدال وتنوينها ورفع الرب ونصب «جداً » على التمييز كما تقول تفقأت شحماً{[11363]} وتصببت عرقاً ، وقرأ قتادة «جِداً ربُّنا » بكسر الجيم ورفع الباء وشد الدال ، فنصب جداً على الحال ومعناه تعالى حقيقة ومتمكناً .
وهذا معنى غير الأول ، وقرأ أبو الدرداء «تعالى ذكر ربنا » ، وروي عنه «تعالى جلال ربنا » .