السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَنَّهُۥ تَعَٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَٰحِبَةٗ وَلَا وَلَدٗا} (3)

ثم عطفوا على قولهم إنا سمعنا { وأنه } أي : الشأن العظيم قال الجنّ { تعالى } أي : انتهى في العلوّ إلى حدّ لا يستطاع { جدّ } أي : عظمة وسلطان وكمال غنى { ربنا } يقال : جدّ الرجل إذا عظم ومنه قول أنس كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا أي عظم قدره . وقال السدي : جدّ ربنا أي أمر ربنا . وقال الحسن : غني ربنا . ومنه قيل : الحظ جدّ ، ورجل مجدود ، أي : محظوظ . وفي الحديث : «ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ » . قال أبو عبيد والخليل : أي ذا الغنى منك الغنى إنما تنفعه الطاعة . وقال ابن عباس : قدرة ربنا . وقال الضحاك : فعله . وقال القرطبي : آلاؤه ونعماؤه على خلقه . وقال الأخفش : علا ملكُ ربنا ، والأولى جميع هذه المعاني ، وقرأ { وأنه تعالى جدّ ربنا } وما بعده إلى قوله تعالى : { وأنا منا المسلمون } وهي اثنا عشر موضعاً ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بفتح الهمزة في الجميع والباقون بالكسر .

ولما وصفوه بهذا التعالي الأعظم المستلزم للغنى المطلق والتنزه عن كل شائبة نقص بينوه بنفي ما ينافيه من قولهم إبطالاً للباطل { ما اتخذ صاحبة } أي : زوجة ؛ لأن الصاحبة لا بدّ وأن تكون من نوع صاحبها ، ومن له نوع فهو مركب تركيباً عقلياً من صفة مشتركة وصفة مميزة { ولا ولداً } لأنّ الولد لا بدّ وأن يكون جزءاً منفصلاً عن والده ومن له أجزاء فهو مركب تركيباً حسياً ، ومن المقطوع به أنّ ذلك لا يكون إلا لمحتاج وأن الله تعالى متعال عن ذلك من تركيب حسي أو عقلي . قال القشيري : ويجوز إطلاق لفظ الجدّ في حق الله تعالى إذ لو لم يجز لما ذكر في القرآن ، غير أنه لفظ موهم فتجنبه أولى . أي : لأنه قيل إنهم عنوا بذلك الجدّ الذي هو أبو الأب ويكون ذلك من قول الجنّ . قال ابن جعفر الصادق : ليس لله تعالى جدّ وإنما قاله الجنّ للجهالة فلم يؤاخذوا به . وقال القرطبي : معنى الآية { وأنه تعالى جدّ ربنا } أن يتخذ ولداً أو صاحبة للاستئناس بهما أو الحاجة إليهما ، والرب تعالى عن ذلك كما تعالى عن الأنداد والنظراء .