الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَأَنَّهُۥ تَعَٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَٰحِبَةٗ وَلَا وَلَدٗا} (3)

1

وقرأ العامَّةُ : { جَدُّ رَبِّنَا } بالفتح مضافاً ل " رَبِّنا " ، والمرادُ به هنا العظمةُ . وقيل : قُدْرتُه وأمرُه . وقيل : ذِكْرُه . والجَدُّ أيضاً : الحَظُّ ، ومنه قولُه عليه السلام : " ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ " والجَدُّ أيضاً : أبو الأبِ ، والجِدُّ بالكسرِ ضِدُّ التَّواني في الأمر .

وقرأ عكرمةُ بضمِّ باءِ " رَبُّنا " وتنوينِ " جَدٌّ " على أَنْ يكون " ربُّنا " بدلاً مِنْ " جَدٌّ " ، والجَدُّ : العظيم . كأنه قيل : وأنَّه تعالى عظيمٌ ربُّنا ، فأبدل المعرفة من النكرةِ ، وعنه أيضاً " جَدَّاً " منصوباً منوَّناً ، " رَبُّنا " مرفوعٌ . ووجْهُ ذلك أَنْ ينتصِبَ " جَدَّاً " على التمييز ، و " ورَبُّنا " فاعلٌ ب " تعالى " وهو المنقولُ مِنْ الفاعليةِ ، إذ التقديرُ : تعالى جَدُّ رَبِّنا ، ثم صار تعالى ربُّنا جَدَّاً ، أي : عَظَمةً نحو : تَصَبَّبَ زيدٌ عَرَقاً ، أي : عَرَقُ زيدٍ . وعنه أيضاً وعن قتادةَ كذلك ، إلاَّ أنَّه بكسرِ الجيم ، وفيه وجهان ، أحدُهما : أنَّه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ ، و " رَبُّنا " فاعلٌ ب " تعالى " والتقدير : تعالى ربُّنا تعالِياً جدَّاً ، أي : حقاً لا باطلاً . والثاني : أنَّه مصنوبٌ على الحالِ ، أي : تعالى ربُّنا حقيقةً ومتمكِّناً قاله ابنُ عطية .

وقرأ حميد بن قيس " جُدُّ ربِّنا " بضم الجيم مضافاً ل " ربِّنا " وهو بمعنى العظيم ، حكاه سيبويه ، وهو في الأصل من إضافةِ الصفةِ لموصوفِها ؛ إذ الأصلُ : ربُّنا العظيمُ نحو : " جَرْدُ قَطِيفة " الأصل قطيفة جَرْدٌ ، وهو مُؤَول عند البَصْريين وقرأ ابن السَّمَيْفَع " جَدَى رَبِّنا " بألفٍ بعد الدال مضافاً ل " ربِّنا " . والجَدى والجَدْوى : النَّفْعُ والعَطاء ، أي : تعالى عَطاءُ ربِّنا ونَفْعُه .

والهاءُ في " أنَّه استمعَ " " وأنَّه تعالى " وما بعد ذلك ضميرُ الأمرِ والشأنِ ، وما بعده خبرُ " أنَّ " وقوله { مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً } مستأنَفٌ فيه تقريرٌ لتعالِي جَدِّه .