فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَنَّهُۥ تَعَٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَٰحِبَةٗ وَلَا وَلَدٗا} (3)

{ وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ( 3 ) وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ( 4 ) وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ( 5 ) وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ( 6 ) وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ( 7 ) }

{ وأنه تعالى جد ربنا } قرئ بفتح أن وكذا فيما بعدها وذلك أحد عشر موضعا إلى قوله { وأنه لما قام عبد الله } وقرئ بالكسر في هذه المواضع كلها إلا في قوله { وأن المساجد لله } فإنهم اتفقوا على الفتح ، أما من قرأ بالفتح في هذه المواضع فعلى العطف على محل الجار والمجرور في { فآمنا به } كأنه قيل فصدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا الخ .

وأما من قرأ بالكسر في هذه المواضع فعلى العطف على { إنا سمعنا } أي { فقالوا إنا سمعنا قرآنا } وقالوا { إنه تعالى جد ربنا } الخ : واختار أبو حاتم وأبو عبيدة قراءة الكسر لأنه كله من كلام الجن . ومما هو محكي عنهم بقوله { فقالوا إنا سمعنا }

وقرئ بالفتح في ثلاثة مواضع وهي { وأنه تعالى جد ربنا ، وأنه كان يقول سفيهنا ، وأنه كان رجال من الإنس } لأنه من الوحي وكسر ما بقي لأنه من كلام الجن ، وقرأ الجمهور { وأنه لما قام عبد الله } بالفتح لأنه معطوف على قوله أنه استمع . وقرئ بالكسر في هذا الموضع عطفا على { فآمنا به } بذلك التقدير السابق .

واتفقوا على الفتح في { أنه استمع } كما اتفقوا على الفتح في { أن المساجد } وفي { وأن لو استقاموا } واتفقوا على الكسر في { فقالوا إنا سمعنا } وقال إنما أدعو ربي وقل إن أدري وقل إني لا أملك لكم .

والجد عن أهل اللغة العظمة والجلال ، يقال جد في عيني أي أعظم ، فالمعنى ارتفع عظمة ربنا وجلاله ، وبه قال عكرمة ومجاهد وقال الحسن : المراد تعالى غناؤه ومنه قيل للحظ جد ورجل مجدود أي محفوظ ، وفي الحديث " ولا ينفع ذا الجد منك الجد " قال أبو عبيد والخليل أنه لا ينفع ذا الغنى منك الغنى ، أي وإنما ينفعه الطاعة ، وقال القرطبي والضحاك : جده آلاؤه وعظمته وأمره وقدرته ، وقال أبو عبيدة والأخفش : ملكه وسلطانه وقال السدي : أمره وقال سعيد بن جبير .

{ وأنه تعالى جد ربنا } أي تعالى ربنا وقيل جده قدرته ، وقال محمد بن علي بن الحسن وابنه جعفر الصادق والربيع بن أنس : ليس لله جد ، وإنما قالته الجن للجهالة ، والجد أيضا أبو الأب قرأ الجمهور جد بفتح الجيم وقرئ بكسرها وهو ضد الهزل . وقرئ جدي ربنا أي جدواه ومنفعته وقرئ بتنوين جد رفع ربنا على أنه بدل من جد .

{ ما اتخذ صاحبة ولا ولدا } هذا بيان لتعالى جده سبحانه قال الزجاج : تعالى جلال ربنا وعظمته عن أن يتخذ صاحبة أو ولدا لأن الصاحبة تتخذ للحاجة والولد للاسئناس به ، والله تعالى منزه عن كل نقص ، وكأن الجن نبهوا بهذا على خطأ الكفار الذين ينسبون إلى الله الصاحبة والولد ، ونزهوا الله سبحانه عنهما .