المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

كثيراً ما أهلكنا قبلهم من أمة مكذبة ، فاستغاثوا حين جاءهم العذاب ، وليس الوقت وقت خلاص منه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

فتوعدهم بإهلاك القرون الماضية المكذبة بالرسل ، وأنهم حين جاءهم الهلاك ، نادوا واستغاثوا في صرف العذاب عنهم ولكن { وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ } أى : وليس الوقت ، وقت خلاص مما وقعوا فيه ، ولا فرج لما أصابهم ، فَلْيَحْذَرْ هؤلاء أن يدوموا على عزتهم وشقاقهم ، فيصيبهم ما أصابهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

ثم خوفهم - سبحانه - بما أصاب الأمم من قبلهم ، وحذرهم من أن يكون مصيرهم كمصير المكذبين السابقين فقال : { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } .

و { كم } هنا خبرية . ومعناها : الإِخبار عن عدد كثير . وهى فى محل نصب على أنها مفعول به لأهلكنا .

وصيغة الجمع فى أهلكنا للتعظيم و " من " فى قوله { مِن قَبْلِهِم } لابتداء الغاية ، وفى قوله : { مِّن قَرْنٍ } مميزة لِكَمْ . والقرن : يطلق على الزمان الذى يعيش فيه جيل من الناس ، ومدته - على الراجح - مائة سنة والمراد به هنا أهل الزمان .

والمراد بالنداء فى قوله - تعالى - : { فنادوا } الاستغاثة والضراعة إلى الله أن يكشف عنهم العذاب .

و { لات } هى لا المشبهة بليس - وهذا رأى سيبويه - فهى حرف نفى زيدت فبيه التاء لتأكيد هذا النفى .

وأشهر أقوال النحويين فيها أنها تعمل عمل ليس ، وأنها لا تعمل إلى فى الحين خاصة ، أو فى لفظ الحين ونحوه من الأزمنة ، كالساعة والأوان ، وأنها لابد أن يحذف اسمها أو خبرها ، والأكثر حذف المرفوع منهما وإثبات المنصوب .

والحين : ظرف مبهم يتخصص بالإِضافة .

وقوله : { مناص } مصدر ميميى بمعنى الفرار والخلاص . يقال : ناص فلان من عدوه - من باب قال - فهو ينوص نوصا ومناصا ، إذا فر منه ، وهرب من لقائه . أو بمعنى النجاة والفوت . يقال : ناصه ينوصه إذا فاته ونجا منه .

والمراد بقوله - تعالى - : { أَهْلَكْنَا } الشروع فى الإِهلاك بدليل قوله - تعالى - بعد ذلك { فَنَادَواْ } إذ من المعروف أن من هلك بالفعل لا يستغيث ولا ينادى . والمعنى : إن هؤلاء الكافرين المستكبرين عن طاعتنا وعبادتنا ، قد علموا أننا أهلكنا كثيرا من السابقين أمثالهم ، وأن هؤلاء السابقين عندما رأوا أمارات العذاب ومقدماته ، جأروا إلينا بالدعاء أن نكشفه عنهم ، واستغاثوا جاءت فى غير وقتها ، ولقد قلنا لهم عندما استغاثوا بنا عند فوات الأوان : { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } . أى : ليس الوقت الذى استغثتم بنا فيه وقت نجاة وفرار من العقاب ، بل هو وقت تنفيذ العقوبة فيكم ، بعد أن تماديتم فى كفركم ، وأعرضتم عن دعوة الحق بدون إنابة أو ندم .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قالوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا . . } وقوله - سبحانه - { حتى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بالعذاب إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ . لاَ تَجْأَرُواْ اليوم إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

وعقب على الاستكبار والمشاقة ، بصفحة الهلاك والدمار لمن كان قبلهم ، ممن كذبوا مثلهم ، واستكبروا استكبارهم ، وشاقوا مشاقتهم . ومشهدهم وهم يستغيثون فلا يغاثون ، وقد تخلى عنهم الاستكبار وأدركتهم الذلة ، وتخلوا عن الشقاق ولجأوا إلى الاستعطاف . ولكن بعد فوات الأوان :

( كم أهلكنا من قبلهم من قرن ، فنادوا ، ولات حين مناص ) !

فلعلهم حين يتملون هذه الصفحة أن يطامنوا من كبريائهم ؛ وأن يرجعوا عن شقاقهم . وأن يتمثلوا أنفسهم في موقف أولئك القرون . ينادون ويستغيثون . وفي الوقت أمامهم فسحة ، قبل أن ينادوا ويستغيثوا ، ولات حين مناص . ولا موضع حينذاك للغوث ولا للخلاص !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

ثم خوفهم ما أهلك به الأمم المكذبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل وتكذيبهم الكتب المنزلة من

السماء فقال : { كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ } أي : من أمة مكذبة ، { فَنَادَوْا } أي : حين جاءهم العذاب استغاثوا وجأروا إلى الله . وليس ذلك بمجد عنهم شيئا . كما قال تعالى : { فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ } ] الأنبياء : 12 [ أي : يهربون ، { لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } ] الأنبياء : 13[

قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن التميمي قال : سألت ابن عباس عن قول الله : { فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ } قال : ليس بحين نداء ، ولا نزو ولا فرار . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ليس بحين مغاث . وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس : نادوا النداء حين لا ينفعهم وأنشد :

تَذَكَّر ليلى لاتَ حين تذَكّر . . . . . .

وقال محمد بن كعب في قوله : { فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ } يقول : نادوا بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم ، واستناصوا للتوبة حين تولت الدنيا عنهم . وقال قتادة : لما رأوا العذاب أرادوا التوبة في غير حين النداء .

وقال مجاهد : { فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ } ليس بحين فرار ولا إجابة . وقد روي نحو هذا عن عكرمة ، وسعيد بن جبير وأبي مالك والضحاك وزيد بن أسلم والحسن وقتادة . وعن مالك ، عن زيد بن أسلم : { وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ } ولا نداء في غير حين النداء .

وهذه الكلمة وهي " لات " هي " لا " التي للنفي ، زيدت معها " التاء " كما تزاد في " ثم " فيقولون : " ثمت " ، و " رب " فيقولون : " ربت " . وهي مفصولة والوقف عليها . ومنهم من حكى عن المصحف الإمام فيما ذكره ابن جرير أنها متصلة بحين : " ولا تحين مناص " . والمشهور الأول . ثم قرأ الجمهور بنصب " حين " تقديره : وليس الحين حين مناص . ومنهم من جوز النصب بها ، وأنشد :

تَذَكَّر حُب ليلى لاتَ حينا *** وأَضْحَى الشَّيْبُ قد قَطَع القَرينا

ومنهم من جوز الجر بها ، وأنشد :

طَلَبُوا صُلْحَنَا ولاتَ أوانٍ *** فأجَبْنَا أن ليس حينُ بقاءِ

وأنشد بعضهم أيضا :

ولاتَ سَاعةَ مَنْدَم

بخفض الساعة ، وأهل اللغة يقولون : النوص : التأخر ، والبوص : التقدم . ولهذا قال تعالى : { وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ } أي : ليس الحين حين فرار ولا ذهاب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

{ كم أهلكنا من قبلهم من قرن } وعيد لهم على كفرهم به استكبارا وشقاقا . { فنادوا } استغاثة أو توبة أو استغفار . { ولات حين مناص } أي ليس الحين حين مناص ، ولا هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب ، وثم خصت بلزوم الأحيان وحذف أحد المعمولين ، وقيل هي النافية للجنس أي ولا حين مناص لهم ، وقيل للفعل والنصب بإضماره أي ولا أرى حين مناص ، وقرئ بالرفع على أنه اسم لا أو مبتدأ محذوف الخبر أي ليس حين مناص حاصلا لهم ، أو لا حين مناص كائن لهم وبالكسر كقوله :

طلبوا صلحنا ولات أوان *** فأجبنا أن لات حين بقاء

إما لأن لات تجر الأحيان كما أن لولا تجر الضمائر في قوله : لولاك هذا العام لم أحجج .

أو لأن أوان شبه بإذ لأنه مقطوع عن الإضافة إذ أصله أوان صلح ، ثم حمل عليه { مناص } تنزيلا لما أضيف إليه الظرف منزلته لما بينهما من الاتحاد ، إذ أصله يحن مناصهم ثم بني الحين لإضافته إلى غير متمكن { ولات } بالكسر كجير ، وتقف الكوفية عليها بالهاء كالأسماء والبصرية بالتاء كالأفعال . وقيل إن التاء مزيدة على حين لاتصالها به في الإمام ولا يرد عليه أن خط المصحف خارج عن القياس إذ مثله لم يعهد فيه ، والأصل اعتباره إلا فيما خصه الدليل ولقوله :

العاطفون تحين لا من عاطف *** والمطعمون زمان ما من مطعم

والمناص المنجا من ناصه ينوصه إذا فاته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

و : { كم } للتكثير ، وهي خبر فيه مثال ووعيد ، وهي في موضع نصب ب { أهلكنا } . والقرن الأمة من الناس يجمعها زمن احد ، وقد تقدم تحريره مراراً .

وقوله : { فنادوا } معناه : مستغيثين ، والمعنى أنهم فعلوا ذلك بعد المعاينة فلم ينفع ذلك ، ولم يكن في وقت نفع . { ولات } بمعنى : ليس ، واسمها مقدر عند سيبويه ، تقديره ولات الحين حين مناص ، وهي : لا ( لحقتها : تاء ، كما تقول ) ربت وثمت . قال الزجاج : وهي كتاء جلست وقامت ، تاء الحروف كتاء لأفعال دخلت على ما لا يعرب في الوجهين ، ولا تستعمل «لا » مع التاء إلا في الحين والزمان والوقت ونحوه ، فمن ذلك قول الشاعر محمد بن عيسى بن طلحة : [ الكامل ]

ولات ساعة مندم . . .

وقال الآخر : [ الوافر ]

تذكر حب ليلى لات حينا***وأضحى الشيب قد قطع القرينا

وأنشد بعضهم في هذا المعنى : [ الخفيف ]

طلبوا صلحنا ولات أوان***فأجبنا أن ليس حين بقاء

وأنشد الزجاج بكسر التاء ، وهذا كثير ، قراءة الجمهور : فتح التاء من : «لاتَ » والنون من : «حينَ » وروي عن عيسى كسر التاء من : «لاتِ » ونصب النون . وروي عنه أيضاً : «حينِ » بكسر النون ، واختلفوا في الوقف على : { لات } فذكر الزجاج أن الوقف بالتاء ، ووقف الكسائي بالهاء ، ووقف قوم واختاره أبو عبيد على «لا » ، وجعلوا التاء موصولة ب { حين } ، فقالوا «لا تحين » ، وذكر أبو عبيد أنها كذلك في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ويحتج لهذا بقول أبي وجزة : [ الكامل ]

العاطفون تحين ما من عاطف*** والمطعمون زمان ما من مطعم

يمدح آل الزبير . وقرأ بعض الناس : «لات حينُ » برفع النون من : { حين } على إضمار الخبر . والمناص : المفر ، ناص ينوص ، إذا فات وفرّ ، قال ابن عباس : المعنى ليس بحين نزو ولا فرار ضبط القوم .