المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

75- ما كان ينبغي لكم أيها المؤمنون أن تطمعوا في أن يُؤمن اليهود بدينكم وينقادوا لكم وقد اجتمعت في مختلف فرقهم أشتات الرذائل التي تباعد بينهم وبين الإيمان بالحق ، فقد كان فريقا منهم - وهم الأحبار - يسمعون كلام الله في التوراة ويفهمونه حق الفهم ثم يتعمدون تحريفه وهم يعلمون أنه الحق ، وأن كتب الله المنزلة لا يجوز تغييرها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

{ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ }

هذا قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب ، أي : فلا تطمعوا في إيمانهم وحالتهم{[91]}  لا تقتضي الطمع فيهم ، فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه ، فيضعون له معاني ما أرادها الله ، ليوهموا الناس أنها من عند الله ، وما هي من عند الله ، فإذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم يصدون به الناس عن سبيل الله ، فكيف يرجى منهم إيمان لكم ؟ ! فهذا من أبعد الأشياء .


[91]:- في ب: وأخلاقهم.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

ثم ساق القرآن بعد ذلك لوناً آخر من ألوان رذائلهم . ويتمثل هذا اللون في تحريفهم للكلم عن مواضعه ، واشترائهم بآيات الله ثمناً قليلاً ، وذلك لقسوة قلوبهم ، وانطماس بصيرتهم ، وبيعهم الدين بالقليل من حطام الدنيا ، قال - تعالى : { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ . . . }

الآيات الكريمة التي معنا قد افتتحت بتيئيس المؤمنين من دخول اليهود في الإِسلام ولكن هذا التيئيس قد سبق بما يدعمه ويؤيده ، فقد بينت الآيات السابقة عليها " موقف اليهود الجحودي من نعم الله - عز وجل - كما بينت تنطعهم في الدين ، وسوء إدراكهم لمقاصد الشريعة ، وقساوة قلوبهم من بعد أن رأوا من الآيات البينات ما رأوا .

وبعد هذا البيان الموحي بالقنوط من استجابتهم للحق ، خاطب الله المؤمنين بقوله :

{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } .

ومعنى الآية الكريمة : أفتطمعون - أيها المؤمنون - بعد أن وصفت لكم من حال اليهود ما وصفت من جحود ونكران ، أن يدخلوا في الإِسلام . والحال أنه كان فريق من علمائهم وأحبارهم يسمعون كلام الله ثم يميلونه عن وجهه الصحيح من بعد ما فهموه ، وهم يعلمون أنهم كاذبون بهذا التحريف على الله تعالى ، أو يعلمون ما يستحقه محرفه من الخزي والعذاب الأليم .

فالخطاب في الآية الكريمة للمؤمنين ، والاستفهام يقصد به الإِنكار عليهم ، إذ طمعوا في استجابة اليهود لدعوة الحق ، بعد أن علموا سوء أحوالهم ، وفساد نفوسهم . والنهي عن الطمع في إيمانهم لا يقتضي عدم دعوتهم إلى الإِيمان ، فالمؤمنون مأمورون بدعوتهم إليه ، لإِقامة الحجة عليهم في الدنيا عند إجراء أحكام الكفر عليهم ، ولقطع عذرهم في الآخرة . وقد تصادف الدعوة إلى الإِسلام نفوساً منصفة تستجيب لدعوة الحق ، وتهتدي إلى الطريق المستقيم ، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم هو وأصحابه من بعده . ولكن اليهود صموا آذانهم عن الحق بعد ما عرفوه فأصبحت دعوتهم إلى الإِسلام غير مجدية ، وهنا يأتي النهي عن الطمع في إيمانهم بهذه الآية وأمثالها .

وجملة { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله } حالية ، مشتملة على بيان أحد الأسباب الداعية إلى القنوط من إيمانهم ، وبذلك يكون التقنيط من إيمانهم قد علل بعلتين :

إحداهما : ما سبق هذه الآية من تصوير لأحوالهم السيئة .

والثانية : ما تضمنته هذه الجملة الكريمة من تحريفهم لكلام الله عن علم وتعمد .

والمراد بالفريق في قوله تعالى : { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } أحبارهم وعلماؤهم الذين عاصروا الرسل الكرام ، فسمعوا منهم ، أو الذين أتوا بعدهم فنقلوا عنهم .

والتحريف أصله انحراف الشيء عن جهته وميله عنها إلى غيرها . والمراد به هنا : إخراج الوحي والشريعة عما جاءت به ، بالتغيير والتبديل في الألفاظ ، أو بالكتمان والتأويل الفاسد ، والتفسير الباطل .

وقوله تعالى : { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } زيادة تشنيع عليهم ، حيث إنهم حرفوا كلام الله بعد فهمهم له عن تعمد وسوء نية ، وارتكبوا هذا الفعل الشنيع ، رغم علمهم بما يستحقه مرتكبه من عقوبة دنيوية وأخروية .

ففي هذين القيدين من النعي عليهم ما لا مزيد عليه ، حيث أبطل بهما عذر الجهل والنسيان ، وسجل عليهم تعمد الفسوق والعصيان .

وإنما كان قيام الفريق من أحبار اليهود بتحريف الكتاب سبباً في اليأس من إيمان عامتهم ، لأن هؤلاء العامة المقلدين ، قد تلقوا دينهم عن قوم فاسقين ، دون أن يلتفتوا إلى الحق ، أو يتجهوا إلى النظر في الأدلة الموصلة إليه ، وأمثال هؤلاء الذين شبوا على عماية التقليد ، وغواية الشيطان ، لا يرجى منهم الوصول إلى نور الحق ، وجلال الصدق ، ولأن أمة بلغ الحال بعلمائها - وهم مظهر محامدهم - أن يجرؤوا على كلام الله فيحرفوه لا تنتظر من دهمائها أن يكونوا خيراً منهم حالا أو أسعد مآلا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

وبهذا يختم هذا الشطر من الجولة مع بني إسرائيل في تاريخهم الحافل بالكفر والتكذيب ، والالتواء واللجاجة ، والكيد والدس ، والقسوة والجدب ، والتمرد والفسوق . .

75

( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ، وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ؟ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ؟ أفلا تعقلون ؟ أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ؟ ) . .

كانت صورة الجفاف والقسوة والجدب هي التي صور الله بها قلوب بني إسرائيل في نهاية الدرس الماضي . صورة الحجارة الصلدة التي لا تنض منها قطرة ، ولا يلين لها ممس ، ولا تنبض فيها حياة . . وهي صورة توحي باليأس من هذه الطبيعة الجاسية الجامدة الخاوية . . وفي ظل هذا التصوير ، وظل هذا الإيحاء ، يلتفت السياق إلى المؤمنين ، الذين يطمعون في هداية بني إسرائيل ، ويحاولون أن يبثوا في قلوبهم الإيمان ، وأن يفيضوا عليها النور . . يلتفت إلى أولئك المؤمنين بسؤال يوحي باليأس من المحاولة ، وبالقنوط من الطمع :

( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ؟ وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ؟ ) . .

إلا أنه لا مطمع ولا رجاء في أن يؤمن أمثال هؤلاء . فللإيمان طبيعة أخرى ، واستعداد آخر . إن الطبيعة المؤمنة سمحة هينة لينة ، مفتحة المنافذ للأضواء ، مستعدة للاتصال بالنبع الأزلي الخالد بما فيها من نداوة ولين وصفاء . وبما فيها من حساسية وتحرج وتقوى . هذه التقوى التي تمنعها أن تسمع كلام الله ثم تحرفه من بعد تعقله . تحرفه عن علم وإصرار . فالطبيعة المؤمنة طبيعة مستقيمة ، تتحرج من هذا التحريف والالتواء .

والفريق المشار إليه هنا هو أعلم اليهود وأعرفهم بالحقيقة المنزلة عليهم في كتابهم هم الأحبار والربانيون ، الذين يسمعون كلام الله المنزل على نبيهم موسى في التوراة ثم يحرفونه عن مواضعه ، ويؤولونه التأويلات البعيدة التي تخرج به عن دائرته . لا عن جهل بحقيقة مواضعه ، ولكن عن تعمد للتحريف ، وعلم بهذا التحريف . يدفعهم الهوى ، وتقودهم المصلحة ، ويحدوهم الغرض المريض ! فمن باب أولى ينحرفون عن الحق الذي جاء به محمد [ ص ] وقد انحرفوا عن الحق الذي جاء به نبيهم موسى - عليه السلام - ومن باب أولى - وهذا خراب ذممهم ، وهذا إصرارهم على الباطل وهم يعلمون بطلانه - أن يعارضوا دعوة الإسلام ، ويروغوا منها ويختلقوا عليها الأكاذيب !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

يقول تعالى : { أَفَتَطْمَعُونَ } أيها المؤمنون { أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ } أي : ينقاد{[2023]} لكم بالطاعة ، هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود ، الذين شاهد آباؤهم{[2024]} من الآيات البينات ما شاهدوه{[2025]} ثم قست قلوبهم من بعد ذلك { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } أي : يتأولونه على غير تأويله { مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ } أي : فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله ؟ وهذا المقام شبيه بقوله تعالى : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } [ المائدة : 13 ]{[2026]} .

قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : ثم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ } وليس قوله : { يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ } يسمعون التوراة . كلهم قد سمعها . ولكن الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها .

قال محمد بن إسحاق : فيما حدثني بعض أهل العلم أنهم قالوا لموسى : يا موسى ، قد حيل بيننا وبين رؤية الله تعالى ، فأسمعنا كلامه حين يكلمك . فطلب ذلك موسى إلى ربه تعالى فقال : نعم ، مُرْهم فليتطهروا ، وليطهروا ثيابهم ويصوموا ففعلوا ، ثم خرج بهم حتى أتوا الطور ، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى أن يسجدوا ، فوقعوا سجودًا ، وكلمه ربه تعالى ، فسمعوا{[2027]} كلامه يأمرهم وينهاهم ، حتى عقلوا عنه ما سمعوا . ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل ، فلما جاءوهم حَرَّف فريق منهم ما أمرهم به ، وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل : إن الله قد أمركم بكذا وكذا . قال ذلك الفريق الذين ذكرهم الله : إنما قال كذا وكذا خلافًا لما قال الله عز وجل لهم ، فهم الذين عنى الله لرسوله صلى الله عليه وسلم .

وقال السدي : { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } قال : هي التوراة ، حرفوها .

وهذا الذي ذكره السدي أعم مما ذكره ابن عباس وابن إسحاق ، وإن كان قد اختاره ابن جرير لظاهر السياق . فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون منه{[2028]} كما سمعه الكليم موسى بن

عمران ، عليه الصلاة والسلام{[2029]} ، وقد قال الله تعالى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ } [ التوبة : 6 ] ، أي : مبلَّغًا إليه ؛ ولهذا قال قتادة في قوله : { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } قال : هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه .

وقال مجاهد : الذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم .

وقال أبو العالية : عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم ، من نعت {[2030]} محمد صلى الله عليه وسلم ، فحرفوه عن مواضعه .

وقال السدي : { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي أنهم أذنبوا . وقال ابن وهب : قال ابن زيد في قوله : { يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } قال : التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها يجعلون الحلال فيها حرامًا ، والحرام فيها حلالا والحق فيها باطلا والباطل فيها حقًا ؛ إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله ، وإذا جاءهم المبطل{[2031]} برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب ، فهو فيه محق ، وإن جاءهم أحد يسألهم شيئًا ليس فيه حق ، ولا رشوة ، ولا شيء ، أمروه بالحق ، فقال الله لهم : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ } [ البقرة : 44 ] .


[2023]:في جـ، ط: "ينقادوا".
[2024]:في جـ: "ما آتاهم".
[2025]:في ط: "مما شاهدوه".
[2026]:في أ: "من بعد" وهو خطأ.
[2027]:في جـ، ط، ب: "فلما سمعوا".
[2028]:في جـ: "لمن يكون منه"، وفي ط: "لمن تكون منه".
[2029]:في جـ: "كما سمعه الكليم عليه السلام"، وفي ط: "كما سمعه الكليم موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام".
[2030]:في جـ، ط: "من نص"
[2031]:في جـ: "الباطل".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

{ أفتطمعون } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين { أن يؤمنوا لكم } أن يصدقوكم ، أو يؤمنوا لأجل دعوتكم . يعني اليهود . { وقد كان فريق منهم } طائفة من أسلافهم { يسمعون كلام الله } يعني التوراة . { ثم يحرفونه } كنعت محمد صلى الله عليه وسلم ، وآية الرجم . أو تأويله فيفسرونه بما يشتهون . وقيل هؤلاء من السبعين المختارين سمعوا كلام الله تعالى حين كلم موسى عليه السلام بالطور ، ثم قالوا سمعنا الله تعالى يقول في آخره : إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا . { من بعد ما عقلوه } أي فهموه بعقولهم ولم يبق لهم فيه ريبة . { وهم يعلمون } أنهم مفترون مبطلون ، ومعنى الآية : أن أحبار هؤلاء ومقدميهم كانوا على هذه الحالة ، فما ظنك بسفلتهم وجهالهم ، وأنهم إن كفروا وحرفوا فلهم سابقة في ذلك .