فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

قوله : { أَفَتَطْمَعُونَ } هذا الاستفهام فيه معنى الإنكار ، كأنه آيسهم من إيمان هذه الفرقة من اليهود . والخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو له ولهم . و { يُؤْمِنُوا لَكُمْ } أي : لأجلكم ، أو على تضمين آمن معنى استجاب ، أي : أتطمعون أن يستجيبوا لكم . والفريق : اسم جمع لا واحد له من لفظه . و { كَلاَمَ الله } أي : التوراة . وقيل : إنهم سمعوا خطاب الله لموسى حين كلمه ، وعلى هذا فيكون الفريق هم : السبعون الذين اختارهم موسى ، وقرأ الأعمش : { كلم الله } . والمراد من التحريف : أنهم عمدوا إلى ما سمعوه من التوراة ، فجعلوا حلاله حراماً ، أو نحو ذلك مما فيه موافقة لأهوائهم كتحريفهم صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإسقاط الحدود عن أشرافهم ، أو سمعوا كلام الله لموسى فزادوا فيه ، ونقصوا ، وهذا إخبار عن إصرارهم على الكفر ، وإنكار على من طمع في إيمانهم ، وحالهم هذه الحال : أي : ولهم سلف حرفوا كلام الله ، وغيروا شرائعه ، وهم مقتدون بهم ، متبعون سبيلهم . ومعنى قوله : { مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ } أي : من بعد ما فهموه بعقولهم مع كونهم يعلمون أن ذلك الذي فعلوه تحريف مخالف لما أمرهم الله به من بليغ شرائعه كما هي ، فهم وقعوا في المعصية عالمين بها ، وذلك أشد لعقوبتهم ، وأبين لضلالهم .

/خ77