تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

{ أفتطمعون } أي النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، { أن يؤمنوا لكم } ، أن يصدقوا قولك يا محمد ، يعني :يهود المدينة ، { وقد كان فريق منهم } على عهد موسى ، عليه السلام ، { يسمعون كلام الله } ، وذلك أن السبعين الذين اختارهم موسى حين قالوا : { أرنا الله جهرة } فعاقبهم الله عز وجل وأماتهم عقوبة ، وبقي موسى وحده يبكي ، فلما أحياهم الله سبحانه قالوا : قد علمنا الآن أنك لم تر ربك ، ولكن سمعت صوته ، فأسمعنا صوته ، قال موسى : أما هذا فعسى ، قال موسى : يا رب ، إن عبادك هؤلاء بني إسرائيل يحبون أن يسمعوا كلامك ، فقال : من أحب منهم أن يسمع كلامي فليعتزل النساء ثلاثة أيام ، وليغتسل يوم الثالث ، وليلبس ثيابا جددا ، ثم ليأتي الجبل فأسمعه كلامي .

ففعلوا ذلك ، ثم انطلقوا مع موسى إلى الجبل ، فقال لهم موسى : إذا رأيتم السحابة قد غشيت ، ورأيتم فيها نورا ، وسمعتم فيها صوتا ، فاسجدوا لربكم ، وانظروا ما يأمركم به فافعلوا ، قالوا : نعم ، فصعد موسى عليه السلام الجبل ، فجاءت الغمامة فحالت بينهم وبين موسى ، ورأوا النور ، وسمعوا صوتا كصوت الصور ، وهو البوق ، فسجدوا ، وسمعوه وهو يقول : إني أنا ربكم ، لا إله إلا أنا الحي القيوم ، وأنا الذي أخرجتكم من أرض مصر بيد رقيقة وذراع شديد ، فلا تعبدوا إلها غيري ، ولا تشركوا بي شيئا ، ولا تجعلوا لي شبها ، فإنكم لن تروني ، ولكن تسمعون كلامي ، فلما أن سمعوا الكلام ، ذهبت أرواحهم من هول ما سمعوا ، ثم أفاقوا وهم سجود ، فقالوا لموسى عليه السلام : إنا لا نطيق أن نسمع كلام ربنا ، فكن بيننا وبين ربنا ، فليقل لك وقل أنت لنا ، قال موسى : يا رب ، إن بني إسرائيل لم يطيقوا أن يسمعوا كلامك ، فقل لي وأقل لهم ، قال الله عز وجل : نعم ما رأوا .

فجعل الله عز وجل يأمر موسى ، ثم يخبرهم موسى ، ويقولون : سمعنا ربنا وأطعنا ، فلما فرغ من أمره ونهيه ، ارتفعت السحابة ، وذهب الصوت ، فرفع القوم رءوسهم ، ورجعوا إلى قومهم ، قيل لهم : ماذا أمركم به ربكم ونهاكم عنه ؟ فقال بعضهم : أمرنا بكذا وكذا ، ونهانا عن كذا وكذا ، وقال آخرون : واتبع في آخر قوله : إن لم تستطيعوا ترك ما نهاكم عنه ، فافعلوا ما تستطيعون ، فذلك قوله سبحانه : { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم } ، يعني طائفة من بني إسرائيل ، { يسمعون كلام الله } { ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه } وفهموه ، { وهم يعلمون } أنهم حرفوا الكلام .