فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

{ يؤمنوا لكم } ينقادون لكم ويطيعون .

{ يحرفونه } يتأولونه على غير تأويله .

{ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم } عن الربيع يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم { أن يؤمنوا لكم } يقول : أفتطمعون أن يؤمن لكم اليهود ، وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار الذي كان بينهم وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة . عن ابن عباس أي لا تحزن على تكذيبهم إياك وأخبره أنهم من أهل السوء الذين مضوا { وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله من بعدما عقلوه } قال أبو العالية : عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابه من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فحرفوه عن مواضيعه وقال ابن وهب التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها ، يجعلون الحلال فيها حراما والحرام فيها حلالا والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا ولعل المراد بفريق منهم وطائفة علماء اليهود – كما قال مجاهد والسدي- لكن أبا جعفر ارتضى تأويلا آخر نقله عن الربيع بن أنس وحكاه بن إسحاق عن بعض أهل العلم{[314]} . { من بعد ما عقلوه } فهموه ووعوه { وهم يعلمون } الحق ويعرفون أنهم يتأولون الوحي على غير وجهه .


[314]:يقول: الله تعالى ذكره إنما عنى بذلك من سمع كلامه من بني إسرائيل سماع موسى إياه منه ثم حرف ذلك ويقول من بعد سماعه وعلمه به وفهمه إياه وذلك أن الله جل ثناؤه إنما أخبر أن التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله تعالى استعظاما من الله لما كانوا يأتون من البهتان بعد توكيد الحجة عليهم والبرهان وإيذانا منه تعالى ذكره عباد المؤمنين وقطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما آتاهم به محمدا من الحق والنور والهدى فقال لهم: كيف تطمعون في تصديق هؤلاء اليهود إياكم وإنما تخبرون من الأنباء عن الله عز وجل عن غيب لم يشاهدوه ولم يعاينوه وقد كان بعضهم يسمع من الله كلامه من أمره ونهيه ثم يبدله ويحرفه ويجحده؟ فهؤلاء الذين بين أظهرهم من بقايا نسلهم أحرى أن يجحدوا ما أتيتموهم به من الحق وهم لا يسمعون من الله وإنما يسمعونه منكم وأقرب إلى أن يحرفوا ما في كتبهم من صفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ويبدلوه وهم به عالمون فيجحدوه ويكذبوا من أوائلهم الذين باشروا كلام الله من الله جل ثناؤه ثم حرفوه من بعدما عقلوه وعلموه يتعمدون التحريف...اه. أقول ويمكن أن يفهم من آية كريمة أخرى غير ما ذهب له أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه جامع البيان في تفسير القرآن وذلك قول الحق جل وعز {قال موسى إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي...} فهي تشير إلى أن الكلام شيء خص به موسى من بين جميع ولد آدم ولم يسم به أحدا (كليم الله) إلا موسى عليه الصلاة والسلام وبهذا نطق كتاب الله: {..وكلم الله موسى تكليما..}.