146- فهذا ما حرمناه عليكم . ولقد حرمنا على اليهود أكل اللحم والشحم وغيرهما من كل ما له ظفر من الحيوانات كالإبل والسباع ، وحرمنا عليهم من البقر والغنم شحومهما فقط ، إلا الشحوم التي حملتها ظهورهما ، أو التي توجد على الأمعاء ، أو التي اختلطت بعظم . وهذا التحريم عقاب لهم على ظلمهم ، وفَطْمٌ لنفوسهم من اندفاعها في الشهوات ، وإنا لصادقون في جميع أخبارنا التي منها هذا الخبر .
وأما ما حرم على أهل الكتاب ، فبعضه طيب ولكنه حرم عليهم عقوبة لهم ، ولهذا قال : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } وذلك كالإبل ، وما أشبهها { وَ } حرمنا عليهم .
{ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ } بعض أجزائها ، وهو : { شُحُومَهُمَا } وليس المحرم جميع الشحوم منها ، بل شحم الألية والثرب ، ولهذا استثنى الشحم الحلال من ذلك فقال : { إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا } أي : الشحم المخالط للأمعاء { أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ }
{ ذَلِكَ } التحريم على اليهود { جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ } أي : ظلمهم وتعديهم في حقوق الله وحقوق عباده ، فحرم الله عليهم هذه الأشياء عقوبة لهم ونكالا . { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } في كل ما نقول ونفعل ونحكم به ، ومن أصدق من الله حديثا ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما حرمه الله على اليهود بسبب ظلمهم وبغيهم فقال - تعالى - { وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } .
فقوله - تعالى - { وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا } بيان لما حرمه الله - تعالى - على بنى إسرائيل جزاء ظلمهم ، وفى هذا البيان رد على اليهود ، وتكذيب لهم ، إذ زعموا أن الله لم يحرم عليهم شيئاً ، وإنما هم حرموا على أنفسهم ما حرمه إسرائيل على نفسه ، فجاءت هذه الآية الكريمة لتبين بعض ما حرمه الله عليهم من الطيبات - التى كانت حلالا لهم - بسبب فسقهم وطغيانهم .
والمراد بقوله تعالى { كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } ما ليس بمنفرج الأصابع من البهائم والطير ، كالإبل والنعام والإوز والبط ، كما روى عن ابن عباس وسعيد ابن جبير وقتادة .
قال الإمام الرازى : قوله - تعالى - : { وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } يفيد تخصيص هذه الحرمة بهم من وجهين :
الأول : أن قوله - تعالى - { وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا } كذا وكذا يفيد الحصر فى اللغة ، لتقدم المعمول على عامله .
الثانى : أنه لو كانت هذه الحرمة ثابتة فى حق الكل لم يبق لقوله { وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا } فائدة .
ثم بين - سبحانه - ما حرم عليهم من غير ذوى الظفر فقال - تعالى - : { وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايآ أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ } .
والشحم : هو المادة الدهنية التى تكون فى الحيوان وبها يكون لحمه سمينا والعرب تسمى سنام البعير ، وبياض البطن شحماً ، وغلب إطلاق الشحم على ما يكون فوق أمعاء الحيوان .
والحوايا : - كما قال ابن جرير - جمع حاوياء وحاوية ، وحوية هى ما تحوى من البطن فاجتمع واستدار ، وفسرت بالمباعر ، والمرابض التى هي مجتمع الأمعاء فى البطن .
والمعنى : كما حرمنا على اليهود كل ذى ظفر ، فقد حرمنا عليهم كذلك من البقر والغنم شحومهما الزائدة التى تنتزع بسهولة ، إلا ما استثنيناه من هذه الشحون وهو ما حملت ظهورهما او ما حملت حواياهما ، أو اختلط من هذه الشحوم بعظمهما . فقد أحللناه لهم .
ثم بين - سبحانه - أن هذا التحريم كان نتيجة لطغيانهم فقال تعالى : { ذلك جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } أى : هذا الذى حرمناه على الذين هادوا من الأنعام والطير ومن البقر والغنم ، وهذا التضييق الذى حكمنا به عليهم ، إنما ألزمناهم به ، بسبب بغيهم وظلمهم ، وتعديهم حدود الله تعالى .
قال قتادة : إنما حرم الله عليهم ما ليس بخبيث عقوبة لهم وتشديداً عليهم .
ولما كان هذا النبأ عن شريعة اليهود ، من الأنباء التى لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم وقومه يعلمون عنها شيئاً لأميتهم ، وكان تكذيب اليهود له بأن الله لم يحرم ذلك عليهم عقوبة لهم ، لما كان الأمر كذلك ، أكد الله هذا النبأ بقوله : { وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } . أى : وإنا لصادقون - يا محمد - فيما أخبرناك به ، ومن بينه ما أعلمناك عنه مما حرمناه على اليهود من الطيبات وهم الكاذبون فى زعمهم أن ذلك إنما حرمه إسرائيل على نفسه ، وأنهم إنما حرموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه .
ومع أن الشحوم جميعها باستثناء ما أحله لهم منها محرمة عليهم ، فإنهم تحايلوا على شرع الله ، وأخذوا يذيبونها ويستعملونها فى شئونهم المختلفة أو يبيعونها ويأكلون ثمنها ، ولقد لعنهم النبى صلى الله عليه وسلم بسبب هذا التحايل فى أحاديث متعددة .
من ذلك ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعداً خلف المقام ، فرفع بصره إلى السماء وقال : " لعن الله اليهود - ثلاثا - إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنهان وإن الله لم يحرم على قوم أكل شىء إلا حرم عليهم ثمنه " .
وعن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح " إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يدهن بها الجلود ، وتطلى بها السفن ويستصبح بها الناس ، فقال : " لا . هو حرام " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك " قاتل الله اليهود " ، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوها . أى : أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها " .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَعَلَى الّذِينَ هَادُواْ حَرّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَآ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنّا لَصَادِقُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وحرّمنا على اليهود كلّ ذي ظفر ، وهو من البهائم والطير ما لم يكن مشقوق الأصابع كالإبل والأنعام والأوز والبط .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، وعليّ بن داود ، قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ وهو البعير والنعامة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ قال : البعير والنعامة ونحو ذلك من الدوابّ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن عطاء ، عن سعيد : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ قال : هو ليس الذي بمنفرج الأصابع .
حدثني عليّ بن الحسين الأزديّ ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ قال : كل شيء متفرّق الأصابع ، ومنه الديك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كُلّ ذِي ظُفُرٍ : النعامة والبعير .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ فكان يقال : البعير والنعامة وأشباهه من الطير والحيتان .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : كُلّ ذِي ظُفُرٍ قال : الإبل والنعام ، ظفر يد البعير ورجله ، والنعام أيضا كذلك ، وحرّم عليهم أيضا من الطير البط وشبهه ، وكلّ شيء ليس بمشقوق الأصابع .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أما كلّ ذي ظفر : فالإبل والنعام .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا شيخ ، عن مجاهد ، في قوله : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ قل : النعامة والبعير شقّا شقّا ، قال : قلت : «ما شقّا شقّا ؟ » قال ، كل ما لم تفرّج قوائمه لم يأكله اليهود ، البعير والنعامة والدجاج والعصافير تأكلها اليهود لأنها قد فرجت .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : كُلّ ذِي ظُفُرٍ قال : النعامة والبعير شقّا شقّا ، قلت للقاسم بن أبي بزة وحدثنيه : «ما شقّا شقّا ؟ » قال : كل شيء لم يفرج من قوائم البهائم ، قال : وما انفرج أكلته اليهود ، قال : انفرجت قوائم الدجاج والعصافير ، فيهود تأكلها . قال : ولم تنفرج قائمة البعير خفه ولا خفّ النعامة ولا قائمة الوزّين ، فلا تأكل اليهود الإبل ولا النعام ولا الوزين ولا كلّ شيء لم تنفرج قائمته ، وكذلك لا تأكل حمار وحش . وكان ابن زيد يقول في ذلك بما :
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ الإبل فقط .
وأولى القولين في ذلك بالصواب ، القول الذي ذكرنا عن ابن عباس ومن قال بمثل مقالته لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أنه حرّم على اليهود كلّ ذي ظُفُر ، فغير جائز إخراج شيء من عموم هذا الخبر إلا ما أجمع أهل العلم أنه خارج منه . وإذا كان ذلك كذلك ، وكان النعام وكلّ ما لم يكن من البهائم والطير مما له ظفر غير منفرج الأصابع داخلاً في ظاهر التنزيل ، وجب أن يحكم له بأنه داخل في الخبر ، إذ لم يأت بأن بعض ذلك غير داخل في الاَية خبر عن الله ولا عن رسوله ، وكانت الأمة أكثرها مجمع على أنه فيه داخل .
القول في تأويل قوله تعالى : وَمِنَ البَقَرِ وَالغَنمِ حَرّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما .
اختلف أهل التأويل في الشحوم التي أخبر الله تعالى أنه حرّمها على اليهود من البقر والغنم ، فقال بعضهم : هي شحوم الثروب خاصة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَمِنَ البَقَرِ الغَنمِ حَرّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما الثروب . ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «قاتل الله اليهود حَرّمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ الثّرُوبَ ثُمّ أكَلُوا أثمَانَها » .
وقال آخرون : بل ذلك كان كلّ شحم لم يكن مختلطا بعظم ولا على عظم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريح ، قوله : حَرّمنْا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما قال : إنما حرّم عليهم الثّرْب ، وكلّ شحم كَدْن كذلك ليس في عظم .
وقال آخرون : بل ذلك شحم الثّرْب والكُلى . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : حَرّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما قال : الثرب وشحم الكليتين . وكانت اليهود تقول : إنما حرّمه إسرائيل فنحن نحرّمه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : حَرّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما قال : إنما حرّم عليهم الثروب والكليتين . هكذا هو في كتابي عن يونس ، وأنا أحسب أنه الكلى .
والصواب في ذلك من القول أن يقال : إن الله أخبر أنه كان حرّم على اليهود من البقر والغنم شحومهما إلا ما استثناه منها مما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ، فكلّ شحم سوى ما استثناه الله في كتابه من البقر والغنم ، فإنه كان محرّما عليهم .
وبنحو ذلك من القول ، تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك قوله : «قاتَلَ اللّهُ اليَهُودَ حُرّمَتْ عَلَيْهُمُ الشّحُومُ فجَمَلُوها ثُمّ باعُوها وأكَلُوا أثمَانها » .
وأما قوله : إلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما فإنه يعني : إلا شحوم الجنب وما علق بالظهر ، فإنها لم تحرّم عليهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : إلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما يعني : ما علق بالظهر من الشحوم .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أما ما حملت ظهورهما : فالأليات .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، قال : الألية مما حملت ظهورهما .
القول في تأويل قوله تعالى : أوِ الحَوَايا .
قال أبو جعفر : والحوايا جمع ، واحدها حاوياء وحاوية وحَوِيّة : وهي ما تحوّى من البطن فاجتمع واستدار ، وهي بنات اللبن ، وهي المباعر ، وتسمى المرابض ، وفيها الأمعاء . ومعنى الكلام : ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو ما حملت الحوايا ، فالحوايا رفع عطفا على الظهور ، و«ما » التي بعد «إلاّ » ، نصب على الاستثناء من الشحوم .
وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أوِ الحَوَايا وهي المبعر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : أوِ الحَوَايا قال : المبعر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الحوايا : المبعر والمَرْبض .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أو الحَوَايا قال : المبعر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : أوِ الحَوَايا قال : المباعر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : أوِ الحَوَايا قال : المباعر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أوِ الحَوَايا قال : المبعر .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : أوِ الحَوَايا قال : المبعر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة والمحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : المبعر .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أوِ الحَوَايا يعني : البطون غير الثروب .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : أوِ الحَوَايا هو المبعر .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أوِ الحَوَايا قال : المباعر . وقال ابن زيد في ذلك ، ما :
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوِ الحَوَايا قال : الحوايا : المرابض التي تكون فيها الأمعاء تكون وسطها ، وهي بنات اللبن ، وهي في كلام العرب تُدعى المرابض .
القول في تأويل قوله تعالى : أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ .
يقول تعالى ذكره : ومن البقر والغنم حرّمنا على الذين هادوا شحومهما سوى ما حملت ظهورهما ، أو ما حملت حواياهما ، فإنا أحللنا ذلك لهم ، وإلا ما اختلط بعظم فهو لهم أيضا حلال . فردّ قوله : أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ على قوله : إلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما ف«ما » التي في قوله : أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ في موضع نصب عطفا على «ما » التي في قوله : إلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما . وعنى بقوله : أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْم شحم الألية والجنب وما أشبه ذلك . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ قال : شحم الألية بالعُصْعُص ، فهو حلال ، وكلّ شيء في القوائم والجنب والرأس والعين قد اختلط بعظم ، فهو حلال .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ مما كان من شحم على عظم .
القول في تأويل قوله تعالى : ذلكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيهِمْ وَإنّا لَصَادِقُونَ .
يقول تعالى ذكره : فهذا الذي حرّمنا على الذين هادوا من الأنعام والطير ، ذوات الأظافير غير المنفرجة ، ومن البقر والغنم ، ما حرّمنا عليهم من شحومهما الذي ذكرنا في هذه الاَية ، حرّمناه عليهم عقوبة منا لهم ، وثوابا على أعمالهم السيئة وبغيهم على ربهم . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذلكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإنّا لَصَادِقُونَ إنما حرّم ذلك عليهم عقوبة ببغيهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ذلكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ فعلنا ذلك بهم ببغيهم .
وقوله : وَإنّا لَصَادِقُونَ يقول : وإنا لصادقون في خبرنا هذا عن هؤلاء اليهود عما حرّمنا عليهم من الشحوم ولحوم الأنعام والطير التي ذكرنا أنا حرّمنا عليهم ، وفي غير ذلك من أخبارنا ، وهم الكاذبون في زعمهم أن ذلك إنما حرّمه إسرائيل على نفسه وأنهم إنما حرّموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه .
{ وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } كل ماله أصبع الإبل والسباع والطيور . وقيل كل ذي مخلب وحافر وسمي الحافر ظفرا مجازا ولعل المسبب عن الظلم تعميم التحريم . { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما } الثروب وشحوم الكلى والإضافة لزيادة الربط . { إلا ما حملت ظهورهما } إلا ما علقت بظهورهما . { أو الحوايا } أو ما اشتمل على الأمعاء جمع حاوية ، أو حاوياء كقاصعاء وقواصع ، أو حوية كسفينة وسفائن . وقيل هو عطف على شحومهما واو بمعنى الواو . { أو ما اختلط بعظم } هو شحم الإلية لاتصالها بالعصعص . { ذلك } التحريم أو الجزاء . { جزيناهم ببغيهم } بسبب ظلمهم . { وإنا لصادقون } في الإخبار أو الوعد والوعيد .
لما ذكر الله عز وجل ما حرم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعقب ذلك بذكر ما حرم على اليهود لما في ذلك من تكذيبهم في قولهم إن الله لم يحرم علينا شيئاً وإنما حرمنا على أنفسنا ما حرمه إسرائيل على نفسه ، وقد تقدم القول في سورة البقرة في { هادوا } ومعنى تسميتهم يهوداً ، و { كل ذي ظفر } يراد به الإبل والنعام والإوز ونحوه من الحيوان الذي هو غير منفرج الأصابع وله ظفر ، وقال أبو زيد : المراد الإبل خاصة وهذا ضعيف التخصيص ، وذكر النقاش عن ثعلب أن كل ما لا يصيد فهو ذو ظفر وما يصيد فهو ذو مخلب .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا غير مطرد لأن الأسد ذو ظفر{[5137]} ، وقرأ جمهور الناس «ظُفُر » بضم الظاء والفاء ، وقرأ الحسن والأعرج «ظفْر » بسكون الفاء ، وقرأ أبو السمال قعنب «ظْفر » بكسر الظاء وسكون الفاء .
وأخبرنا الله عز وجل في هذه الآية بتحريم الشحوم على بني إسرائيل وهي الثروب{[5138]} وشحم الكلى وما كان شحماً خالصاً خارجاً عن الاستثناء الذي في الآية .
واختلف العلماء في تحريم ذلك على المسلمين من ذبائح اليهود فحكى ابن المنذر في«الأشراف »عن مالك وغيره منع أكل الشحم من ذبائح اليهود وهو ظاهر المدونة .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا على القول في قوله عز وجل : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } [ المائدة : 5 ] بأنه المطعوم من ذبائحهم وأما ما لا يحل لهم فلا تقع عليه ذكاة بل هو كالدم في ذبائح المسلمين ، وعلى هذا القول يجيء قول مالك رحمه الله في المدونة فيما ذبحه اليهودي مما لا يحل لهم كالجمل والأرنب أنه لا يؤكل .
وروي عن مالك رحمه الله كراهية الشحم من ذبائح أهل الكتاب دون تحريم ، وأباح بعض الناس الشحم من ذبائح أهل الكتاب وذبحهم ما هو عليهم حرام إذا أمرهم بذلك مسلم .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا على أن يجعل قوله { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم }{[5139]} يراد به الذبائح فمتى وقع الذبح على صفته وقعت الإباحة ، وهذا قول ضعيف لأنه جرد لفظة . { وطعام } من معنى أن تكون مطعوماً لأهل الكتاب وخلصها لمعنى الذبح وذلك حرج لا يتوجه ، وأما الطريق{[5140]} فحرمه قوم وكرهه وأباحه قوم وخففه مالك في المدونة ثم رجع إلى منعه ، وقال ابن حبيب ما كان محرماً عليهم وعلمنا ذلك من كتابنا فلا يحل لنا من ذبائحهم ، وما لم نعلم تحريمه إلا من أقوالهم فهو غير محرم علينا من ذبائحهم ، وقوله { إلا ما حملت ظهورهما } يريد ما اختلط باللحم في الظهر والأجناب ونحوه ، قال السدي وأبو صالح : الأليات{[5141]} مما حملت ظهورهما { أو الحوايا } قال هو جمع حوية على وزن فعلية ، فوزن ، «حوايا » على هذا فعائل كسفينة وسفائن ، وقيل هو جمع حاوية على وزن فاعلة ، فحوايا على هذا فواعل كضاربة وضوارب وقيل جمع حاوياء ، فوزنها على هذا أيضاً فواعل كقاصعاء وقواصع وأما «الحوايا » على الوزن الأول فأصلها حوايي فقلب الياء الأخيرة ألفاً فانفتحت لذلك الهمزة ثم بدلت ياء ، وأما على الوزنين الأخيرين فأصل «حوايا » حواوي وبدلت الوو الثانية همزة ، والحوية ما تحوى في البطن واستدار وهي المصارين والحشوة ونحوهما ، وقال مجاهد وقتادة وابن عباس والسدي وابن زيد : «الحوايا » المباعر{[5142]} وقال بعضهم : هي المرابط التي تكون فيها الأمعاء وهي بنات اللبن{[5143]} ، وقوله { أو ما اختلط بعظم } يريد في سائر الشخص ، و { الحوايا } معطوف على { ما } في قوله { إلا ما حملت } فهي في موضع نصب عطفاً على المنصوب بالاستثناء ، وقال الكسائي { الحوايا } معطوف على الظهور ، كأنه قال «إلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا » ، وقال بعض الناس { الحوايا } معطوف على الشحوم .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وعلى هذا تدخل { الحوايا } في التحريم ، وهذا قول لا يعضده اللفظ ولا المعنى بل يدفعانه{[5144]} ، وقوله تعالى : { ذلك جزيناهم ببغيهم } ، { ذلك } في موضع رفع و { جزيناهم ببغيهم } يقتضي أن هذا التحريم إنما كان عقوبة لهم على ذنوبهم وبغيهم واستعصائهم على الأنبياء ، وقوله { وإنَّا لصادقون } إخبار يتضمن التعريض بكذبهم في قولهم ما حرم الله علينا شيئاً وإنما اقتدينا بإسرائيل فيما حرم على نفسه ويتضمن إدحاض قولهم ورده عليهم .