المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا} (63)

63- فعباد الرحمن هم الذين يتواضعون في الدنيا ، إذا مَشوْا على الأرض مشوا في سكينة ووقار ، وكذلك في سائر أعمالهم ، وإذا سابَّهم السفهاء من المشركين تركوهم وشأنهم وقالوا لهم : لا شأن لنا بكم بل أمرنا سلام عليكم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا} (63)

ثم ذكر من جملة كثرة خيره منته على عباده الصالحين وتوفيقهم للأعمال الصالحات التي أكسبتهم المنازل العاليات في غرف الجنات فقال : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } إلى آخر السورة الكريمة .

العبودية لله نوعان : عبودية لربوبيته فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم ، برهم وفاجرهم ، فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } وعبودية لألوهيته وعبادته ورحمته وهي عبودية أنبيائه وأوليائه وهي المراد هنا ولهذا أضافها إلى اسمه " الرحمن " إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال بسبب رحمته ، فذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ونعوتهم أفضل النعوت ، فوصفهم بأنهم { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا } أي : ساكنين متواضعين لله والخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده . { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ } أي : خطاب جهل بدليل إضافة الفعل وإسناده لهذا الوصف ، { قَالُوا سَلَامًا } أي : خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الإثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله . وهذا مدح لهم ، بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالإحسان والعفو عن الجاهل ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا} (63)

بعد كل ذلك جاء الحديث عن عباد الرحمن ، أصحاب المناقب الحميدة ، والصفات الكريمة ، والمزايا التى جعلتهم يتشرفون بالانتساب إلى خالقهم جاء قوله - تعالى - : { وَعِبَادُ . . . } .

هؤلاء هم عباد الرحمن ، وتلك هى صفاتهم التى ميزتهم عن سواهم .

وقد افتتحت هذه الآيات بقوله - تعالى - : { وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً . . } .

وهذه الجملة الكريمة مبتدأ . والخبر قوله - تعالى - : { أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة بِمَا صَبَرُواْ . . } وما بينهما من الموصولات صفات لهم .

وإضافتهم إلى الرحمن من باب التشريف والتكريم والتفضيل .

و " هونا " مصدر بمعنى اللين والرفق . . . وهو صفة لموصوف محذوف .

أى : وعباد الرحمن الذين رضى الله عنهم وأرضاهم ، من صفاتهم أنهم يمشون على الأرض مشيا لينا رقيقا ، لا تكلف فيه ولا خيلاء ولا تصنع فيه ولا ضعف ، وإنما مشيهم تكسوه القوة والجد ، والوقار والسكينة .

قال الإمام ابن كثير : أى : يمشون بسكينة ووقار . . . كما قال - تعالى - : { وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض وَلَن تَبْلُغَ الجبال طُولاً } وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى من التصانع ، تصنعا ورياء ، فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب - أى : من موضع منحدر - وكأنما الأرض تطوى له ، وعندما رأى عمر - رضى الله عنه - شابا يمشى رويدا قال له : ما بالك ؟ أأنت مريض ؟ قال : لا فعلاه بالدرة ، وأمره أن يسير بقوة . . .

هذا هو شأنهم فى مشيهم ، أما شأنهم مع غيرهم ، فقد وصفهم - سبحانه - بقوله : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً }

أى : إذا خاطبهم الجاهلون بسفاهة وسوء أدب ، لم يقابلوهم بالمثل ، بل يقابلوهم بالقول الطيب ، كما قال - تعالى - فى آية أخرى : { وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الجاهلين }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا} (63)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَعِبَادُ الرّحْمََنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } .

يقول تعالى ذكره : وَعِبادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنا بالحلم والسكينة والوقار غير مستكبرين ، ولا متجبّرين ، ولا ساعين فيها بالفساد ومعاصي الله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، غير أنهم اختلفوا ، فقال بعضهم : عنى بقوله : يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنا أنهم يمشون عليها بالسكينة والوقار . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد الّذِينَ يَمْشُونَ عَلى الأرْض هَوْنا قال : بالوقار والسكينة .

قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد يَمْشُونَ عَلى الأرْض هَوْنا قال : بالحلم والوقار .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، قوله يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنا قال : بالوقار والسكينة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنا بالوقار والسكينة .

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد وَعبد الرحمنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنا قالا : بالسكينة والوقار .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن شريك ، عن جابر ، عن عمار ، عن عكرمة ، في قوله يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنا قال : بالوقار والسكينة .

قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أيوب ، عن عمرو الملائي يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنا قال : بالوقار والسكينة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهم يمشون عليها بالطاعة والتواضع . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله الّذِينَ يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنا بالطاعة والعفاف والتواضع .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَعِبادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَل الأرْضِ هَوْنا قال : يمشون على الأرض بالطاعة .

حدثني أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثني عمي ، عبد الله بن وهب ، قال : كتب إليّ إبراهيم بن سويد ، قال : سمعت زيد بن أسلم يقول : التمست تفسير هذه الاَية الّذِينَ يَمْشُونَ على الأرْضِ هَوْنا فلم أجدها عند أحد ، فأتيت في النوم ، فقيل لي : هم الذين لا يريدون يفسدون في الأرض .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : لا يفسدون في الأرض .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَعِبادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنا قال : لا يتكبرون على الناس ، ولا يتجبرون ، ولا يفسدون . وقرأ قول الله : تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُها للّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا في الأرْضِ وَلا فَسادا ، وَالعاقِبَةُ للْمُتّقِينَ .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهم يمشون عليها بالحلم لا يجهلون على من جهل عليهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن في : يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنا قال : حلماء ، وإن جُهِل عليهم لم يجهلوا .

حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنا قال : حلماء .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنا قال : علماء حلماء لا يجهلون .

وقوله : وَإذَا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قالُوا سَلاما يقول : وإذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول ، أجابوهم بالمعروف من القول ، والسداد من الخطاب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن وَإذَا خاطَبَهُمُ . . . الاَية ، قال : حلماء ، وإن جُهل عليهم لم يجهلوا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن يحيى بن المختار ، عن الحسن ، في قوله وَإذَا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قالُوا سَلاما قال : إن المؤمنين قوم ذُلُلٌ ، ذلّت منهم والله الأسماع والأبصار والجوارح ، حتى يحسبهم الجاهل مرضى ، وإنهم لأصحاء القلوب ، ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ، ومنعهم من الدنيا علمهم بالاَخرة ، فقالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، والله ما حزنهم حزن الدنيا ، ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنة ، أبكاهم الخوف من النار ، وإنه من لم يتعزّ بعزاء الله ، تَقطّع نفسه على الدنيا حسرات ، ومن لم ير لله عليه نعمة إلا في مطعم ومشرب ، فقد قل علمه ، وحضر عذابه .

حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَإذَا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قالُوا سَلاما قال : سدادا .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد وَإذَا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قالُوا سَلاما قال : سَدَادا من القول .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوريّ عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد وَإذَا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قَالُوا سَلاما حلماء .

قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن ، قال : حلماء لا يجهلون ، وإن جُهِل عليهم حلموا ولم يسفهوا . هذا نهارهم فكيف ليلهم ؟ خير ليل صفوا أقدامهم ، وأجْرَوا دموعهم على خدودهم يطلبون إلى الله جلّ ثناؤه في فكاك رقابهم .

قال : ثنا الحسن ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبادة ، عن الحسن ، قال : حلماء لا يجهلون وإن جهل عليهم حلموا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا} (63)

{ وعباد الرحمن } مبتدأ خبره { أولئك يجزون الغرفة } أو : { الذين يمشون على الأرض } وإضافتهم إلى { الرحمن } للتخصيص والتفضيل ، أو لأنهم الراسخون في عبادته على أن عباد جمع عابد كتاجر وتجار . { هونا } هينين أو مشيا هينا مصدر وصف به والمعنى أنهم يمشون بسكينة وتواضع { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } تسلما منكم ومتاركة لكم لا خير بيننا ولا شر ، أو سدادا من القول يسلمون فيه من الإيذاء والإثم ، ولا ينافيه آية القتال لتنسخه فإن المراد به الإغضاء عن السفهاء وترك مقابلتهم في الكلام .