الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا} (63)

ثم قال تعالى{[50336]} : { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض }[ 63 ] ، عباد رفع بالابتداء ، والخبر محذوف عند الأخفش{[50337]} .

وقال الزجاج وغيره : الخبر { أولئك يجزون الغرفة{[50338]} }[ 75 ] .

وقيل{[50339]} : الخبر { الذين يمشون{[50340]} }[ 63 ] ، { سلاما }[ 53 ] ، منصوب{[50341]} على المصدر ، وإن شئت " تعالوا " .

وقوله : { قالوا سلاما }[ 63 ] ، منسوخ{[50342]} بالأمر{[50343]} بالقتال : إنما كان هذا قبل أن يؤمروا{[50344]} بالقتال ولم يتكلم سيبويه في شيء من الناسخ والمنسوخ إلا في هذه الآية ، وهو من التسلم{[50345]} ، لا من التسليم تقول : " سلاما{[50346]} منك " أي : تسلما منك .

قال سيبويه في الآية : ولم يؤمر{[50347]} المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ، ولكنه{[50348]} على قولك لا خير بيننا{[50349]} ولا شر ، وقد ردت{[50350]} على سيبويه هذه العبارة . إنما كان حسبه أن يقول : ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يحاربوا{[50351]} المشركين . ومعنى{[50352]} قول سيبويه على الصحة ، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يُسلّموا على المشركين ، ولكن أمروا أن يَسْلموا منهم ويتبرءوا{[50353]} ثم نسخ ذلك الأمر بالحرب . ومعنى الآية : وعباد الرحمن الذين يرضاهم لنفسه عبادا : هم الذين يمشون على الأرض في سكون ، وتواضع ، وخشوع ، واستكانة . هذا هو ضد{[50354]} مشي{[50355]} المختال الفخور{[50356]} المرح الذي هو مذموم الحال .

ومعنى{[50357]} { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما }{[50358]}[ 63 ] ، أي : {[50359]} إذا خاطبهم أهل الجهل من العصاة{[50360]} والكفار بالقبيح صانوا أنفسهم عن مساواتهم في القبيح ، قالوا قولا حسنا يسلمون{[50361]} به من مساواتهم في القبيح .

وهم{[50362]} الذين{[50363]} يبيتون لربهم : يصلون ويقولون كذا وكذا ، ما حكى الله عنهم .

قال أبو هريرة : هم الذين لا يتجبرون ولا يتكبرون .

وقيل معنى : { يمشون على الأرض هونا }[ 63 ] ، أي{[50364]} بالسكينة والوقار{[50365]} ، وغير مستكبرين ، ولا متجبرين ، ولا ساعين بفساد .

قال ابن عباس : يمشون بالطاعة والعفاف والتواضع{[50366]} .

وقال مجاهد : يمشون بالسكينة والوقار والحلم{[50367]} .

وقال زيد بن أسلم{[50368]} : التمست تفسير هذه الآية فلم أجدها عند أحد ، فأتيت في النوم فقيل لي : هم{[50369]} الذين لا يريدون يفسدون في الأرض .

وقال ابن زيد{[50370]} هم الذين لا يتكبرون في الأرض ، ولا يتجبرون ولا يفسدون ، وهو قوله تعالى : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين{[50371]} لا يريدون{[50372]} علوا في الأرض ولا فسادا }{[50373]} .

وقال الحسن{[50374]} يمشون حلماء ، علماء ، لا يجهلون ، وإن جهل عليهم لم يجهلوا .

{ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما }{[50375]}[ 63 ] ، إذا{[50376]} خاطبهم الجاهلون بالله بما / يكرهون{[50377]} من القول أجابوهم بالمعروف والسداد من الخطاب ، فقالوا : تسلما{[50378]} منكم وبراءة بيننا وبينكم .

قال الحسن{[50379]} : إن المؤمنين قوم ذلل ، ذلت والله منهم الأسماع ، والأبصار ، والجوارح ، حتى يحسبهم الجاهل{[50380]} مرضى ، وما بالقوم من مرض وإنهم لأصحاب القلوب ، ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة ، فلما وصلوا إلى بغيتهم قالوا : { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن }{[50381]} ، والله ما حزنهم حزن الدنيا ، ولا تعاظم في أنفسهم بما طلبوا به الجنة : أبكاهم الخوف من النار ، وإنه من لا يتعزى بعزاء{[50382]} الله تقطع نفسه على الدنيا حسرات ومن لم ير لله عليه{[50383]} نعمة إلا في مطعم أو مشرب{[50384]} فقد قل عمله وحضر عذابه .


[50336]:"تعالى" سقطت من ز.
[50337]:انظر: معاني الأخفش2/643.
[50338]:انظر: معاني الزجاج 4/75، والبيان 2/208.
[50339]:انظر: معاني الزجاج 4/75.
[50340]:بعده في ز: "على الأرض هونا".
[50341]:انظر: المشكل 2/136، التبيان 2/990، وإملاء ما من به الرحمن2/165.
[50342]:انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص239، والناسخ والمنسوخ لابن العربي ص321، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص414-415.
[50343]:"بالأمر" سقطت من ز.
[50344]:ز: يأمر.
[50345]:انظر: تاج العروس 8/337 مادة: سلم.
[50346]:ز: سلام.
[50347]:ز:يأمر.
[50348]:ز: ولكنهم.
[50349]:ز: بين.
[50350]:ز: رددت.
[50351]:سلموا على المشركين.
[50352]:من "ومعنى قول...المشركين" ساقط من ز.
[50353]:بعده في ز: منهم.
[50354]:"ضد" ساقط من ز.
[50355]:بعده في ز: ضل.
[50356]:ز: مختال فخور المدح.
[50357]:"الواو" من "وإذا" سقطت من ز.
[50358]:ز: "سلامك ما" وهو تحريف.
[50359]:"أي" سقطت من ز.
[50360]:ز: العصات.
[50361]:ز: مسلمون.
[50362]:"وهم" سقطت من ز.
[50363]:ز: والذين.
[50364]:"أي" سقطت من ز.
[50365]:"الواو" من "وغير" سقطت من ز.
[50366]:انظر: ابن جرير 19/33، وأحكام القرآن للجصاص 3/346، والقرطبي13/69، والبحر 6/512، ومجمع البيان19/125، والدر المنثور19/271، وأبو السعود 4/148، وفتح القدير 4/87.
[50367]:انظر: ابن جرير19/33، وأحكام القرآن للجصاص 3/346، وزاد المسير6/101، والخازن5/107، والتسهيل3/175، والبحر6/512، ومجمع البيان 19/125، والدر المنثور19/272، وأبو السعود4/148، وفتح القدير 4/85، وروح المعاني 19/43.
[50368]:انظر: ابن جرير 19/34، والرازي 24/108، والقرطبي 13/68.
[50369]:في ز: "هم الذين لا يريدون في الأرض يفسدون في الأرض".
[50370]:انظر: ابن جرير19/34.
[50371]:بعده في ز: إلى "فسادا".
[50372]:من "لا يريدون...فسادا" ساقط من ز.
[50373]:القصص: 83.
[50374]:انظر: ابن جرير19/34، وأحكام القرآن للجصاص 3/346، وزاد المسير 6/101، والقرطبي 13/69، والبحر6/512، ومجمع البيان 19/125، والدر المنثور19/273.
[50375]:من "وإذا خاطبهم...سلاما" ساقط من ز.
[50376]:ز: وإذ.
[50377]:ز: ما يمكرون.
[50378]:ز: تسليما.
[50379]:انظر: ابن جرير19/34.
[50380]:بعده في ز: "بهم".
[50381]:فاطر: 34.
[50382]:ز: فعزاء.
[50383]:"عليه" سقطت من ز.
[50384]:ز: ومشرب.