إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا} (63)

{ وَعِبَادُ الرحمن } كلامٌ مستأنف مسوقٌ لبيانِ أوصافِ خلَّصِ عبادِ الرَّحمنِ وأحوالِهم الدَّنيويةِ والأخُروَّيةِ بعد بيان حال النَّافرين عن عبادتِه والسُّجودِ له . والإضافةُ للتَّشريفِ وهو مبتدأٌ خبرُه ما بعدَهُ من الموصولِ وما عُطف عليه ، وقيلَ : هو ما في آخرِ السُّورةِ الكريمةِ من الجُملةِ المصدَّرةِ باسمِ الإشارةِ . وقرئ عبادُ الرَّحمنِ أي عبادُه المقبُولونَ { الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً } أي بسكينةٍ وتواضعٍ . وهَوْناً مصدرٌ وُصف به . ونصبُه إمَّا على أنَّه حال من فاعلِ يمشُون أو على أنَّه نعتٌ لمصدرِه أي يمشُون هيِّنين ليِّنيِ الجانبِ من غيرِ فظاظةٍ أو مشياً هيِّنا . وقولُه تعالى : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون } أي السُّفهاءُ كما في قولِ من قال [ الوافر ]

أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَينا *** فَنَجْهَل فوقَ جهلِ الجَاهِلِيْنا{[598]}

{ قَالُواْ سَلاَماً } بيانٌ لحالِهم في المُعاملة مع غيرِهم إثرَ بيانِ حالِهم في أنفسِهم أي إذا خاطبُوهم بالسُّوءِ قالوا تسليماً منكمُ ومتاركةً لا خيرَ بيننا وبينَكمُ ولا شرَّ . وقيل : سَداداً من القولِ يسلمُون به من الأذيَّةِ والإثمِ ، وليسَ فيه تعرُّضٌ لمعاملتِهم مع الكَفَرةِ حتَّى يُقالَ نسختها آيةُ القتالِ كما نُقل عن أبي العاليةِ .


[598]:وهو لعمرو بن كلثوم في ديوانه ( ص 78) ولسان العرب (3 / 177) (رشد)؛ وخزانة الأدب (6 / 437)؛ وشرح ديوان امرئ القيس (ص 327)؛ وشرح القصائد السبع (ص 426)، وشرح المعلقات السبع (ص 178)، وشرح المعلقات العشر (ص 92)؛ وبلا نسبة في لسان العرب (8 / 64) (خدع) وأساس البلاغة (جهل).