الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا} (63)

{ وَعِبَادُ الرحمن } مبتدأ خبره في آخر السورة ، كأنه قيل : وعباد الرحمن الذين هذه صفاتهم أولئك يجزون الغرفة . ويجوز أن يكون خبره { الذين يَمْشُونَ } وأضافهم إلى الرحمن تخصيصاً وتفضيلاً . وقرىء : «وعباد الرحمن » وقرىء : «يمشون » { هَوْناً } حال ، أو صفة للمشي ، بمعنى : هينين . أو : مشياً هيناً ؛ إلا أنّ في وضع المصدر موضع الصفة مبالغة . والهون : الرفق واللين . ومنه الحديث : " أحبب حبيبك هوناً مّا " وقوله : " المؤمنون هينون لينون " والمثل : إذا عزّ أخوك فهن . ومعناه : إذا عاسر فياسر . والمعنى : أنهم يمشون بسكينة ووقار وتواضع ، لا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشراً وبطراً ، ولذلك كره بعض العلماء الركوب في الأسواق ، ولقوله : { وَيَمْشُونَ فِى الاسواق } [ الفرقان : 20 ] . { سَلاَماً } تسلماً منكم لانجاهلكم ، ومتاركة لا خير بيننا ولا شرّ ، أي : نتسلم منكم تسلماً ، فأقيم السلام مقام التسلم . وقيل : قالوا : سداداً من القول يسلمون فيه من الإيذاء ، والإثم . والمراد بالجهل : السفه وقلة الأدب وسوء الرعة ، من قوله :

أَلاَ يَجْهَلنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا *** فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا

وعن أبي العالية : نسختها آية القتال ، ولا حاجة إلى ذلك ، لأنّ الإغضاء عن السفهاء وترك المقابلة مستحسن في الأدب والمروءة والشريعة ، وأسلم للعرض والورع .