الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا} (63)

{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ } يعني أفاضل العباد ، وقيل هذه الإضافة على التخصيص والتفضيل ، وقرأ الحسن : وعبيد الرَّحْمن .

{ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً } أي بالسكينة والوقار والطاعة والتواضع غير أشرين ولا مرحين ولا متكبّرين ولا مفسدين .

أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا العباس بن محمد بن قوهبار قال : حدّثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى قال : حدّثنا يحيى بن يحيى قال : حدّثنا هشيم بن عباد بن راشد عن الحسن في قوله سبحانه { يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً } قال : حلماً وعلماً ، وقال محمد بن الحنفية : أصحاب وقار وعفّة لا يسفهون ، وإنْ سفه عليهم حلموا .

الضحّاك : أتقياء أعفّاء لا يجهلون قال : وهو بالسريانية . الثمالي : بالنبطيّة ، والهون في اللغة : الرفق واللين ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما " .

{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ } بما يكرهونه { قَالُواْ سَلاَماً } سداداً من القول عن مجاهد .

ابن حيان : قولاً يسلمون فيه من الإثم .

الحسن : سلّموا عليهم ، دليله قوله سبحانه

{ وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } [ القصص : 55 ] .

قال أبو العالية والكلبي : هذا قبل أن يؤمروا بالقتال ، ثم نسختها آية القتال .

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حنش المقري قال : حدّثنا محمد بن صالح ( الكيلسي )بمكة قال : حدّثنا سلمة بن شبيب قال : حدّثنا الوليد بن إسماعيل قال : حدّثنا شيبان بن مهران عن خالد أبن المغيرة بن قيس عن أبي محلز لاحق بن حميد عن أبي برزة الأسلمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" رأيت قوماً من أمتي ما خلقوا بعد ، وسيكونون فيما بعد اليوم أحبّهم ويحبّونني ، ويتناصحون ويتبادلون ، يمشون بنور الله في الناس رويداً في خفية وتقية ، يسلمون من الناس ، ويسلم الناس منهم بصبرهم وحلمهم ، قلوبهم بذكر الله يرجعون ، ومساجدهم بصلاتهم يعمرون ، يرحمون صغيرهم ويجلّون كبيرهم ويتواسون بينهم ، يعود غنيّهم على فقيرهم وقويّهم على ضعيفهم ، يعودون مرضاهم ويتبعون جنائزهم " .

فقال رجل من القوم : في ذلك يرفقون برفيقهم ؟ فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " كلاّ ، إنّهم لا رفيق لهم ، هم خدّام أنفسهم ، هم أكرم على الله من أن يوسّع عليهم لهوان الدنيا عند ربهم " ثمَّ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } " .

وروي أنّ الحسن كان إذا قرأ هاتين الآيتين قال : هذا وصف نهارهم .