171- يا أهل الكتاب لا تتجاوزوا الحق مغالين في دينكم ، ولا تفتروا على الله الكذب ، فتنكروا رسالة عيسى ، أو تجعلوه إلهاً مع الله ، فإنما المسيح رسول كسائر الرسل ، خلقه الله بقدرته وكلمته التي بُشَّر بها ، ونفخ روحه جبريل في مريم ، فهو سِرٌّ من أسرار قدرته ، فآمنوا بالله ورسله جميعاً إيماناً صحيحاً ولا تدَّعوا أن الآلهة ثلاثة ، انصرفوا عن هذا الباطل يكن خيراً لكم ، فإنما الله واحد لا شريك له ، وهو منزه عن أن يكون له ولد ، وكل ما في السماوات والأرض ملك له ، وكفى به - وحده - مدبِّراً لملكه .
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا }
ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو في الدين وهو مجاوزة الحد والقدر المشروع إلى ما ليس بمشروع . وذلك كقول النصارى في غلوهم بعيسى عليه السلام ، ورفعه عن مقام النبوة والرسالة إلى مقام الربوبية الذي لا يليق بغير الله ، فكما أن التقصير والتفريط من المنهيات ، فالغلو كذلك ، ولهذا قال : { وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ } وهذا الكلام يتضمن ثلاثة أشياء :
أمرين منهي عنهما ، وهما قول الكذب على الله ، والقول بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه ورسله ، والثالث : مأمور به وهو قول الحق في هذه الأمور .
ولما كانت هذه قاعدة عامة كلية ، وكان السياق في شأن عيسى عليه السلام نصَّ على قول الحق فيه ، المخالف لطريقة اليهودية والنصرانية فقال : { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ } أي : غاية المسيح عليه السلام ومنتهى ما يصل إليه من مراتب الكمال أعلى حالة تكون للمخلوقين ، وهي درجة الرسالة التي هي أعلى الدرجات وأجلّ المثوبات .
وأنه { كَلِمَتُهُ } التي { أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ } أي : كلمة تكلم الله بها فكان بها عيسى ، ولم يكن تلك الكلمة ، وإنما كان بها ، وهذا من باب إضافة التشريف والتكريم .
وكذلك قوله : { وَرُوحٌ مّنْهُ } أي : من الأرواح التي خلقها وكملها بالصفات الفاضلة والأخلاق الكاملة ، أرسل الله روحه جبريل عليه السلام فنفخ في فرج مريم عليها السلام ، فحملت بإذن الله بعيسى عليه السلام .
فلما بيّن حقيقة عيسى عليه السلام ، أمر أهل الكتاب بالإيمان به وبرسله ، ونهاهم أن يجعلوا الله ثالث ثلاثة أحدهم عيسى ، والثاني مريم ، فهذه مقالة النصارى قبحهم الله .
فأمرهم أن ينتهوا ، وأخبر أن ذلك خير لهم ، لأنه الذي يتعين أنه سبيل النجاة ، وما سواه فهو طريق الهلاك ، ثم نزه نفسه عن الشريك والولد فقال : { إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ } أي : هو المنفرد بالألوهية ، الذي لا تنبغي العبادة إلا له . { سُبْحَانَهُ } أي : تنزه وتقدس { أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } لأن { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } فالكل مملوكون له مفتقرون إليه ، فمحال أن يكون له شريك منهم أو ولد .
ولما أخبر أنه المالك للعالم العلوي والسفلي أخبر أنه قائم بمصالحهم الدنيوية والأخروية وحافظها ، ومجازيهم عليها تعالى .
ثم وجهت السورة الكريمة بعد ذلك نداء إلى أهل الكتاب حذرتهم فيه من المغالاة فى شأن عيسى - عليه السلام - وبينت لهم وللناس أن عيسى إنما هو عبد الله ورسوله ، وبشرت المؤمنين بالأجر الجزيل ، وأنذرت المستكبرين بالعذاب الأليم استمع إلى القرآن الكريم وهو يرشد إلى كل ذلك فيقول : { ياأهل . . . . صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } .
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ( 171 ) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ( 172 ) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ( 173 ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ( 174 ) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ( 175 )
وقوله : { لاَ تَغْلُواْ } أى : لا تتجاوزوا الحد المشروع . مأخوذ من الغلو ، وهو - كما يقول القرطبى - التجاوز فى الحد ومنه : غلا السعر يغلو غلاء . وغلا الرجل فى الأمر غلوا . وغلا الجارية لحمها وعظمها ، إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها - أى : أترابها - .
وقد تجاوز أهل الكتاب الحد وغالوا فى شأن عيسى . أما اليهود فقد أنكروا رسولته واتهموا أمه مريم بما هى منه بريئة .
وأما النصارى فقد رفعوا عيسى - عليه السلام - إلى مرتبة فوق مرتبة البشرية ، واعتبروا بعضهم إلها ، واعتبره بعض آخر منهم ابنا لله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
والمعنى : يا أهل الكتاب لا تتجاوزوا الحد المشروع والمعقول فى شأن دينكم ، ولا تقولوا على الله إلا القول الحق الذى شعره الله - تعالى - ، وارتضته العقول السليمة .
وقد ناداهم - سبحانه - بعنوان أهل الكتاب . للتعريض بهم ، حيث إنهم خالفوا كتبهم التى بين أيديهم .
والخطاب هنا وإن كان يشمل أهل الكتاب جميعا من يهود ونصارى ، إلا أن النصارى هم المقصودون هنا قصدا أوليا ، بدليل سياق الآية الكريمة ، فقد ذكرت حججا تبطل ما زعمه النصارى فى شأن عيسى ، ولذا قال ابن كثير ما ملخصه : قوله - تعالى - { ياأهل الكتاب لاَ تَغْلُواْ } : ينهى - سبحانه - أهل الكتاب عن الغلو والإِطراء . وهذا كثير فى النصارى ، فإنهم تجاوزا الحد فى عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التى أعطاه الله إياها ، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذه إلها من دون الله يعبدونه كما يعبدونه . بل قد غلوا فى أتباعه وأشياعه ممن زعم أنه على دينه فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم فى كل ما قالوه سواء أكان حقا أم باطلا ، أم ضلالا أم رشادا ، ولهذا قال - تعالى - { اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله } وفى الصحيح عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولا : عبد الله ورسوله " .
وقوله : { وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق } من باب عطف الخاص على العام ، للاهتمام بالنهى عن الافتراء الشنيع الذى افتروه على الله .
أى : لا تصفوه - سبحانه - بما يستحيل اتصافه به من الحلول والاتحاد واتخاذ الصاحبة والولد ، ولا تقولوا عليه - سبحانه - إلا القول الحق الثابت القائم على الدليل المقنع ، والبرهان الواضح .
وعدى - سبحانه - قولهم بحرف على ، لتضمنه معنى الافتراء والكذب ، فقد قالوا قولا وزعموا أنه من دينهم ، مع أن الأديان السماوية بريئة مما زعموه وافتروه .
ثم بين - سبحانه - القول الفصل فى شأن عيسى فقال : { إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ } .
أى : إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله . أرسله - سبحانه - لهداية الناس إلى الحق ، { وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ } أى : أن عيسى مكون ومخلوق بكلمة من الله وكلمة ( كن ) من غير واسطة أب ولا نطفة . وهذه الكلمة ألقاها - سبحانه - إلى مريم ، أى : أوصلها إليها بنفخ جبريل فيها فكان عيسى بإذن الله بشراً سويا .
وقوله : { وَرُوحٌ مِّنْهُ } أى : ونفخة منه ، لأن عيسى حدث بسبب نفخة جبريل فى درع مريم فكان عيسى بإذن الله . فنسب إلى أنه روح من الله ، لأنه بأمره كان . وسمى النفخ روحاً لأنه ريح تخرج من الروح . قال - تعالى - : { والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وابنهآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } وقيل المراد بقوله : { وَرُوحٌ مِّنْهُ } أى : وذو روح من أمر الله ، لأنه - سبحانه - خلقه كما يخلق سائر الأرواح .
وقيل : الروح هنا بمعنى الرحمة . كما فى قوله - تعالى - { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } أى : برحمة منه . وصدر - سبحانه الجملة الكريمة بأداة القصر ( إنما ) للتنبيه على أن عيسى - عليه السلام - ليس إلا رسولا أرسله الله لهداية الناس إلى الحق .
وذكره - سبحانه بلقبه وباسمه وببنوته لمريم ، للاشارة إلى أنه إنسان كسائر الناس ، وبشر كسائر البشر ، فهو مولود خرج من رحم انثى كما يخرج الأولاد من أمهاتهم . وإذا كان لم يخرج من صلب أب ، فيكفى أنه قد خرج من رحم أم ، وكفى بذلك دليلا على بشريته .
قال بعض العلماء ما ملخصه : وقوله : { وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ } أى : خلقه بكلمة منه وهى ( كن ) كما خلق آدم . وكان عيسى بهذا كلمة الله لأنه خلقه بها ، فقد خلق من غير بذر ببذر فى رحم أمه ، فما كان تكوينه نماء لبذر وجد ، وللأسباب التى تجرى بين الناس ، بل كان السبب هو إرادة الله وحده وكلمته ( كن ) وبذلك سمى كلمة الله .
وتعلق النصارى بأن كون عيسى كلمة الله دليل على ألوهيته - تعلق باطل - فما كانت الكلمة من الله إلها يعبد . وإنما سمى بذلك ، لأنه نشأ بكلمة لا بمنى من الرجل يمنى . .
وقوله : { وَرُوحٌ مِّنْهُ } أى أنه - سبحانه - أنشأه بروح مرسل منه وهو جبريل الأمين . وقد يقال : إنه نشأ بروح منه - سبحانه - أنه أفاض بروحه فى جسمه كما أفاض بها على كل إنسان كما قال - تعالى - : { الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } والرأى الأول أولى . وعلى ذلك يكون معنى قوله : { وَرُوحٌ مِّنْهُ } أى : أنه نشأ بنفخ الله الروح فيه من غير توسيط سلالة بشرية ، ونطفة تتكشل إنسانا ، وذلك بالملك الذى أرسله وهو جبريل .
وسمى الله - تعالى - عيسى روحا باعتباره نشأ من الروح مباشرة ، ولأنه غلبت عليه الروحانية . .
وبهذا يزول الوهم الذى سيطر على عقول من غالوا فى شأن عيسى فنحلوه ما ليس له ، وما ليس من شأنه ، إذ جعلوه إلها ، أو ابن إله . . .
وقوله { المسيح } مبتدأ ، و { عِيسَى } عطف بيان أو بدل منه . وقوله { ابن مَرْيَمَ } صفة له وقوله { رَسُولُ الله } خبر للمبتدأ . . وقوله { وَكَلِمَتُهُ } معطوف على ما قبله وهو رسول الله . أو قوله { أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ } جملة حالية من الضمير المجرور فى { كَلِمَتُهُ } بتقدير قد ، والعامل فيها معنى الإِضافة . والتقدير . وكلمته ملقيا إياها إلى مريم .
وقوله { وَرُوحٌ مِّنْهُ } معطوف على { كَلِمَتُهُ } والجار والمجرور متعلق بمحذف صفة لروح . ومن لابتدائه الغاية مجازا وليست بتبعيضية ، أى أن الروح كائن من عند الله - تعالى - ونافخ بإذنه .
وبعد أن بين - سبحانه - القول الحق فى شأن عيسى ، دعا أهل الكتاب إلى الإِيمان به وبجميع رسله . ونهاهم عن التمسك بالضلال والوهم فقال - تعالى - { فَآمِنُواْ بالله وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتهوا خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا الله إله وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وكفى بالله وَكِيلاً } .
والفاء فى قوله : { فَآمِنُواْ } للافصاح عن جواب شرط مقدر .
أى : إذا كان ذلك هو الحق فى شأن عيسى ، فآمنوا بالله إيمانا حقا بأن تفردوه بالألوهية والعبادة ، وآمنوا برسله جميعا بدون تفريق بينهم ، ولا تغالوا فى أحدهم منهم بأن تخرجوه عن طبيعته وعن وظيفته . .
وقوله : { وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ } نهى لهم عن النطق بالكلام بالباطل .
أى : ولا تقولوا الآلهة ثلاثة ، أو المعبودات ثلاثة . فثلاثة خبر لمبتدأ محذوف وغبر - سبحانه - بقوله : { وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ } بدل قوله - مثلا - : ولا تؤمنن بثلاثة ؛ لأن أمر الثلاثة قول يقولونه ، فإن سألتهم عن معناه قالوا تارة معناه : الآب والإِبن والروح والقدس ، أى أنهم ثلاثة متفرقون . وتارة يقولون معناه : أن القانيم ثلاثة والذات واحدة . . إلى غير ذلك من الأقوال التى ما أنزل الله بها من سلطان .
قال صاحب الكشاف : والذى يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة . وأن المسيح ولد الله من مريم . ألا ترى إلى قوله - تعالى - : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله } { وَقَالَتْ النصارى المسيح ابن الله } والمشهور المستفيض عنهم أنهم يقولون : فى المسيح لاهوتيه وناسوتيه من جهة الأب والأم . .
هذا ، وقد أفاض بعض العلماء فى الرد على مزاعم أهل الكتاب فى عقائدهم . .
وقوله : { انتهوا خَيْراً لَّكُمْ } أمر لهم بسلوك الطريق الحق ، والإِقلاع عن الضلالات والأوهام .
أى : انتهوا عما أنتم فيه من ضلال يا معشر أهل الكتاب ، واتركوا القول بالتثليث ، يكن انتهاؤكم خيرا لكم ، بعبادتكم لله وحده تكونون قد خرجتم من ظلمات الشرك إلى نور الوحدانية .
وقوله : { إِنَّمَا الله إله وَاحِدٌ } إثبات لوحدانية الله - تعالى - بأقوى طريق . أى : إن المعبود بحق ليس إلا واحد ، وهو الله - تعالى - ذو الجلال والإِكرام ، الخالق لهذا الكون ، والمدبر لأمره .
وقوله : { سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } تنزيه له - جل وعلا - عن صفات المخلوقين ، وتوبيخ لمن وصفه بصفات لا تليق به .
وسبحان منصوب بفعل مقدر من لظفه : أى : أسبحه تسبيحا وأنزهه تنزيها عن أن يكون له ولد ، لأن الأبوة والبنوة من صفات المخلوقين ، وهو - سبحانه - منزله عن صفات المخلوقين ، قال - تعالى - : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير } وقوله : { لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } جملة مستأنفة مسبوقة لتعليل التنزيه أى أنه - سبحانه - مالك لجميع الموجودات علويها وسفليها ، ولا يخرج من ملكه منها شئ .
قال - تعالى - { إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْداً } ومن كان شأنه كذلك تنزه عن أن يلد أو يولد أو يكون له شريك فى ملكه .
وقوله : { وكفى بالله وَكِيلاً } تذييل قصد به بيان سعة قدرته - سبحانه وهيمنته على هذا الكون . والوكيل : هو الحافظ والمدبر لأم غيره .
أى : وكفى بالله وكيى يكل إليه الخلق كلهم أمورهم ، فهو الغنى عنهم وهم الفقراء إليه .
ومفعول كفى محذوف للعموم . أى : كفى كل أحد وكالة الله وحفظه وتدبيره ، فتوكلوا عليه وحده ، ولا تتوكلوا على من تزعمونه ابنا له .
{ يَأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاّ الْحَقّ إِنّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىَ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لّكُمْ إِنّمَا اللّهُ إِلََهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لّهُ وما فِي السّمَاوَات وَمَا فِي الأرْضِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : يا أهْلَ الكِتابِ : يا أهل الإنجيل من النصارى ، لا تَغْلُوا فِي دِيِنِكُمْ يقول : لا تجاوزوا الحقّ في دينكم فتفرِطوا فيه ، ولا تقولوا في عيسى غير الحقّ ، فإنّ قيلكم في عيسى إنه ابن الله قول منكم على الله غير الحقّ ، لأن الله لم يتخذ ولدا ، فيكون عيسى أو غيره من خلقه له ابنا . وَلا تَقُولُوا على اللّهِ إلاّ الحَقّ وأصل الغلوّ في كلّ شيء : مجاوزة حده الذي هو حده ، يقال منه في الدين قد غلا فهو يغلو غُلُوّا ، وغلا بالجارية عظمُها ولحمُها : إذا أسرعت الشباب ، فجاوزت لذاتها ، يغلو بها غُلُوّا وغَلاءً ومن ذلك قول الحارث بن خالد المخزومي :
خُمْصَانَةٌ قَلِقٌ مُوَشّحُها ***رُؤْدُ الشّبابِ غلاِ بها عَظْمُ
وقد حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : صاروا فريقين : فريق غَلَوا في الدين ، فكان غلوّهم فيه : الشكّ فيه والرغبة عنه . وفريق منهم قصروا عنه ففسقوا عن أمر ربهم .
القول في تأويل قوله تعالى : إنّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : إنّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمُ : ما المسيح أيها الغالون في دينهم من أهل الكتاب بابن الله كما تزعمون ، ولكنه عيسى ابن مريم دون غيرها من الخلق ، لا نسب له غير ذلك . ثم نعته الله جلّ ثناؤه بنعته ووصفه بصفته ، فقال : هو رسول الله ، أرسله الله بالحق إلى من أرسله إليه من خلقه . وأصل المسيح : الممسوح ، صرف من مفعول إلى فعيل ، وسماه الله بذلك لتطهيره إياه من الذنوب وقيل : مسح من الذنوب والأدناس التي تكون في الاَدميين ، كما يمسح الشيء من الأذى الذي يكون فيه فيطهر منه ، ولذلك قال مجاهد ومن قال مثل قوله : المسيح : الصديق . وقد زعم بعض الناس أن أصل هذه الكلمة عبرانية أو سريانية «مَشِيحَا » فعرّبت ، فقيل المسيح ، كما عرّب سائر أسماء الأنبياء التي في القرآن مثل إسماعيل وإسحاق وموسى وعيسى .
قال أبو جعفر : وليس ما مثل به من ذلك للمسيح بنظير وذلك أن إسماعيل وإسحاق وما أشبه ذلك ، أسماء لا صفات ، والمسيح صفة ، وغير جائز أن تخاطب العرب وغيرها من أجناس الخلق في صفة شيء إلا بمثل ما يفهم عمن خاطبها ، ولو كان المسيح من غير كلام العرب ولم تكن العرب تعقل معناه ما خوطبت به . وقد أتينا من البيان عن نظائر ذلك فيما مضى بما فيه الكفاية عن إعادته . وأما المسيح الدجال ، فإنه أيضا بمعنى الممسوح العين ، صرف من مفعول إلى فعيل ، فمعنى المسيح في عيسى صلى الله عليه وسلم : الممسوح البدن من الأدناس والاَثام ، ومعنى المسيح في الدجال : الممسوح العين اليمنى أو اليسرى كالذي رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .
وأما قوله : وكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى مَرْيَمَ فإنه يعني بالكلمة : الرسالة التي أمر الله ملائكته أن تأتي مريم بها ، بشارة من الله لها التي ذكر الله جلّ ثناؤه في قوله : إذْ قالَتِ المَلائِكَةِ يا مَرْيَمُ إنّ اللّهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ يعني : برسالة منه ، وبشارة من عنده . وقد قال قتادة في ذلك ، ما :
حدثنابه الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة : وكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى مَرْيَمَ قال : هو قوله : كن فكان .
وقد بيّنا اختلاف المختلفين من أهل الإسلام في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقوله : ألْقاها إلى مَرْيَمَ يعني : أعلمها بها وأخبرها ، كما يقال : ألقيت إليك كلمة حسنة ، بمعنى أخبرتك بها ، وكلمتك بها .
وأما قوله : وَرُوحٌ مِنْه فإن أهل العلم اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معنى قوله : وَرُوحٌ مِنْه : ونفخة منه ، لأنه حدّث عن نفخة جبريل عليه السلام في دِرْع مريم بأمر الله إياه بذلك ، فنسب إلى أنه رُوح من الله ، لأنه بأمره ، كان ، قال : وإنما سمي النفخ رُوحا لأنها ريح تخرج من الروح ، واستشهدوا على ذلك من قولهم بقول ذي الرمة في صفة نار نعتها :
فلمّا بَدَتْ كَفّنْتُها وَهْيَ طِفْلَةٌ ***بطَلْساءَ لَم تَكْمُل ذِرَاعا وَلا شِبْرَا
وقُلْتُ لَهُ ارْفَعْها إلَيْكَ وأحْيِها ***بُروحِكَ واقْتَتْهُ لهَا قِيتَةً قَدْرَا
وظاهِرْ لها مِن بائسِ الشّخْتِ واستعن ***علَيها الصّبا واجْعَلْ يدَيْكَ لها سِتْرا
فَلَمّا جَرَتْ للْجَزْلِ جَرْيا كأنّهُ ***سَنا البرْقِ أحدَثْنا لخالقها شُكْرَا
وقالوا : يعني بقوله : أحيها بُروحك : أي أحْيها بنفخك .
وقال بعضهم : يعني بقوله : وَرُوحٌ مِنْهُ : أنه كان إنسانا بإحياء الله له بقوله : «كن » ، قالوا : وإنما معنى قوله : وَرُوحٌ مِنْهُ : وحياة منه ، بمعنى : إحياء الله إياه بتكوينه .
وقال بعضهم : معنى قوله : وَرُوحٌ مِنْهُ ورحمة منه كما قال جلّ ثناؤه في موضع آخر : وأيّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ . قال : ومعناه في هذا الموضع : ورحمة منه . قال : فجعل الله عيسى رحمة منه على من اتبعه وآمن به وصدّقه ، لأنه هداهم إلى سبيل الرشاد .
وقال آخرون : معنى ذلك : وروح من الله خلقها فصوّرها ، ثم أرسلها إلى مريم ، فدخلت في فيها ، فصيرها الله تعالى روح عيسى عليه السلام . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد ، قال : أخبرني أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبيّ بن كعب في قوله : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ قال : أخذهم فجعلهم أرواحا ، ثم صوّرهم ، ثم استنطقهم ، فكان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق ، فأرسل ذلك الروح إلى مريم ، فدخل في فيها فحملت الذي خاطبها ، وهو روح عيسى عليه السلام .
وقال آخرون : معنى الروح ههنا : جبريل عليه السلام . قالوا : ومعنى الكلام : وكلمته ألقاها إلى مريم ، وألقاها أيضا إليها روح من الله ، ثم من جبريل عليه السلام . ولكلّ هذه الأقوال وجه ومذهب غير بعيد من الصواب .
القول في تأويل قوله تعالى : فَآمِنُوا باللّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرا لَكُمْ .
يعني بقوله جلّ ثناؤه : فَآمِنُوا باللّهِ وَرُسُلِهِ فصدّقوا يا أهل الكتاب بوحدانية الله وربوبيته ، وأنه لا ولد له ، وصدّقوا رسله فيما جاءوكم به من عند الله ، وفيما أخبرتكم به أن الله واحد لا شريك له ، ولا صاحبة له ، ولا ولد له . وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ يعني : ولا تقولوا الأرباب ثلاثة . ورفعت الثلاثة بمحذوف دلّ عليه الظاهر ، وهو «هم » . ومعنى الكلام : ولا تقولوا هم ثلاثة . وإنما جاز ذلك لأن القول حكاية ، والعرب تفعل ذلك في الحكاية ، ومنه قول الله : سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وكذلك كلّ ما ورد من مرفوع بعد القول لا رافع معه ، ففيه إضمار اسم رافع لذلك الاسم . ثم قال لهم جلّ ثناؤه متوعدا لهم في قولهم العظيم الذي قالواه في الله : انتهوا أيها القائلون الله ثالث ثلاثة عما تقولون من الزور والشك بالله ، فإن الانتهاء عن ذلك خير لكم من قِيله ، لما لكم عند الله من العقاب العاجل لكم على قِيلكم ذلك ، إن أقمتم عليه ولم تنيبوا إلى الحقّ الذي أمرتكم بالإنابة إليه والاَجل في معادكم .
القول في تأويل قوله تعالى : إنّمَا اللّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحانَهُ أنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ وكَفَى بالله وَكِيلاً .
يعني بقوله : إنّمَا اللّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ : ما الله أيها القائلون : الله ثالث ثلاثة كما تقولون ، لأن من كان له ولد فليس بإله ، وكذلك من كان له صاحبة فغير جائز أن يكون ألها معبودا ، ولكن الله الذي له الألوهة والعبادة ، إله واحد معبود ، لا ولد له ، ولا والد ، ولا صاحبة ، ولا شريك . ثم نزّه جلّ ثناؤه نفسه وعظمها ورفعها عما قال فيه أعداؤه الكفرة به ، فقال : سُبْحانَهُ أنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ يقول : علا الله وجلّ وعزّ وتعظم وتنزّه عن أن يكون له ولد أو صاحبة . ثم أخبر جلّ ثناؤه عباده أن عيسى وأمه ، ومن في السموات ومن في الأرض ، عبيده ، وملكه ، وخلقه ، وأنه رازقهم وخالقهم ، وأنهم أهل حاجة وفاقة إليه ، احتجاجا منه بذلك على من ادّعى أن المسيح ابنه ، وأنه لو كان ابنه كما قالوا لم يكن ذا حاجة إليه ، ولا كان له عبدا مملوكا ، فقال : لَهُ ما فِي السّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ يعني : لله ما في السموات وما في الأرض من الأشياء كلها ، ملكا وخلقا ، وهو يرزقهم ويقوتهم ويدبرهم ، فكيف يكون المسيح ابنا لله وهو في الأرض أو في السموات غير خارج من أن يكون في بعض هذه الأماكن
وقوله : وكَفَى باللّهِ وَكِيلاً يقول : وحسب ما في السموات وما في الأرض بالله قيما ومدبرا ورازقا ، من الحاجة معه إلى غيره .
{ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم } الخطاب للفريقين ، غلت اليهود في حط عيسى عليه الصلاة والسلام حتى رموه بأنه ولد من غير رشدة ، والنصارى في رفعه حتى اتخذوه إلها . وقيل الخطاب للنصارى خاصة فإنه أوفق لقوله : { ولا تقولوا على الله إلا الحق } يعني تنزيهه عن الصاحبة والولد . { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم } أوصلها إليها وخصلها فيها . { وروح منه } وذو روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة له ، وقيل سمي روحا لأنه كان يحيي الأموات أو القلوب { فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة } أي الآلهة ثلاثة الله والمسيح ومريم ، ويشهد عليه قوله تعالى : { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } أو الله ثلاثة إن صح أنهم يقولون الله ثلاثة أقانيم الأب والابن وروح القدس ، ويريدون بالأب الذات ، وبالابن العلم ، وبروح القدس الحياة . { انتهوا } عن التثليث . { خيرا لكم } نصبه كما سبق . { إنما الله إله واحد } أي واحد بالذات لا تتعدد فيه بوجه ما . { له ما في السماوات وما في الأرض } ملكا وخلقا لا يماثله شيء من ذلك فيتخذه ولدا . { وكفى بالله وكيلا } تنبيه على غناه عن الولد فإن الحاجة إليه ليكون وكيلا لأبيه والله سبحانه وتعالى قائم بحفظ الأشياء كاف في ذلك مستغن عمن يخلقه أو يعينه .