المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡبَيۡعُ مِثۡلُ ٱلرِّبَوٰاْۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ فَمَن جَآءَهُۥ مَوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمۡرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَنۡ عَادَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (275)

275- الذين يتعاملون بالربا لا يكونون في سعيهم وتصرفهم وسائر أحوالهم إلا في اضطراب وخلل ، كالذي أفسد الشيطان عقله فصار يتعثر من الجنون الذي أصابه ، لأنهم يزعمون أن البيع مثل الربا في أن كلا منهما فيه معاوضة وكسب . فيجب أن يكون كلاهما حلالا ، وقد رد الله عليهم زعمهم فبين لهم أن التحليل والتحريم ليس من شأنهم ، وأن التماثل الذي زعموه ليس صادقاً ، والله قد أحل البيع وحرم الربا ، فمن جاءه أمر ربه بتحريم الربا واهتدى به ، فله ما أخذه من الربا قبل تحريمه ، وأمره موكول إلى عفو الله . ومن عاد إلى التعامل بالربا باستحلاله بعد تحريمه ، فأولئك يلازمون النار خالدين فيها{[28]} .


[28]:الربا المذكور في الآية هو ربا الجاهلية: وهو الزيادة في الديون في نظير الأجل. وهو حرام في قليله وكثيره. وقال الإمام أحمد: "لا يسع مسلما أن ينكره". ويقابله ربا البيوع وهو ثابت بالسنة في قوله عليه السلام: "البر بالبر مثلا بمثل يدل بيد، والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا بيد، والذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد، والتمر بالتمر مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى. وقد اتفق الفقهاء على تحريم الزيادة عند المبادلة مع اتحاد الجنس في هذه الأشياء، وأباحوا الزيادة إذا اختلف الجنس، ولكن حرموا التأجيل من هذه الأصناف. واختلفوا في قياس غيرها عليها اختلافا طويلا، وأقرب الآراء: أن يقاس عليها كل ما هو مطعوم قابل للادخار. وربا الجاهلية لا خلاف فيه فمنكره "كافر" وأن ربا الجاهلية يصيب أكله ومؤاكلة باضطرابات نفسية وعصبية نتيجة إرهاقه وتركيز ذهنه في المال الذي أقرضه أو أخذه. فالدائن في قلق بسبب انحصار ذهنه وفراغ نفسه من كل عمل، والمدين في هم وخوف من ألا يسدده. وتحريم الربا في القرآن كما هو في كل الديانات السماوية تنظيم اقتصادي ويتفق التحريم مع ما قرره الفلاسفة. ذلك لأن النقد لا يلد النقد، والاقتصاديون يقررون أن طرق الكسب أربعة: ثلاثة منها منتجة، والرابعة غير منتجة، فالثلاثة المنتجة: العمل ويتبعه الصناعة والزراعة والتجارة لأنها بنقل الأشياء من مكان إنتاجها إلى مكان استهلاكها تتعرض لمخاطر تزيد قيمتها بهذا الانتقال وذلك في ذاته إنتاج. أما الرابعة فهي الفائدة أو الربا، وهذه لا مخاطرة فيها لأن القرض لا يتعرض للخسارة بل له الكسب دائما. وإذا كان المسبب هو القرض فهو بتوسيط غيره من تعرض للخسارة والطبيعي إن كان ينتج بنفسه ويفرض ذلك فإن شيوع الكسب الفائدة يؤدي إلى تحكم رؤوس الأموال في العمل ويؤدي إلى فراغ وعطل فيكون الاضطراب والكسل.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡبَيۡعُ مِثۡلُ ٱلرِّبَوٰاْۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ فَمَن جَآءَهُۥ مَوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمۡرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَنۡ عَادَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (275)

{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }

يخبر تعالى عن أكلة الربا وسوء مآلهم وشدة منقلبهم ، أنهم لا يقومون من قبورهم ليوم نشورهم { إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } أي : يصرعه الشيطان بالجنون ، فيقومون من قبورهم حيارى سكارى مضطربين ، متوقعين لعظيم النكال وعسر الوبال ، فكما تقلبت عقولهم و { قالوا إنما البيع مثل الربا } وهذا لا يكون إلا من جاهل عظيم جهله ، أو متجاهل عظيم عناده ، جازاهم الله من جنس أحوالهم فصارت أحوالهم أحوال المجانين ، ويحتمل أن يكون قوله : { لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } أنه لما انسلبت عقولهم في طلب المكاسب الربوية خفت أحلامهم وضعفت آراؤهم ، وصاروا في هيئتهم وحركاتهم يشبهون المجانين في عدم انتظامها وانسلاخ العقل الأدبي عنهم ، قال الله تعالى رادا عليهم ومبينا حكمته العظيمة { وأحل الله البيع } أي : لما فيه من عموم المصلحة وشدة الحاجة وحصول الضرر بتحريمه ، وهذا أصل في حل جميع أنواع التصرفات الكسبية حتى يرد ما يدل على المنع { وحرم الربا } لما فيه من الظلم وسوء العاقبة ، والربا نوعان : ربا نسيئة كبيع الربا بما يشاركه في العلة نسيئة ، ومنه جعل ما في الذمة رأس مال ، سلم ، وربا فضل ، وهو بيع ما يجري فيه الربا بجنسه متفاضلا ، وكلاهما محرم بالكتاب والسنة ، والإجماع على ربا النسيئة ، وشذ من أباح ربا الفضل وخالف النصوص المستفيضة ، بل الربا من كبائر الذنوب وموبقاتها { فمن جاءه موعظة من ربه } أي : وعظ وتذكير وترهيب عن تعاطي الربا على يد من قيضه الله لموعظته رحمة من الله بالموعوظ ، وإقامة للحجة عليه { فانتهى } عن فعله وانزجر عن تعاطيه { فله ما سلف } أي : ما تقدم من المعاملات التي فعلها قبل أن تبلغه الموعظة جزاء لقبوله للنصيحة ، دل مفهوم الآية أن من لم ينته جوزي بالأول والآخر { وأمره إلى الله } في مجازاته وفيما يستقبل من أموره { ومن عاد } إلى تعاطي الربا ولم تنفعه الموعظة ، بل أصر على ذلك { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } اختلف العلماء رحمهم الله في نصوص الوعيد التي ظاهرها تخليد أهل الكبائر من الذنوب التي دون الشرك بالله ، والأحسن فيها أن يقال هذه الأمور التي رتب الله عليها الخلود في النار موجبات ومقتضيات لذلك ، ولكن الموجب إن لم يوجد ما يمنعه ترتب عليه مقتضاه ، وقد علم بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن التوحيد والإيمان مانع من الخلود في النار ، فلولا ما مع الإنسان من التوحيد لصار عمله صالحا للخلود فيها بقطع النظر عن كفره .