تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡبَيۡعُ مِثۡلُ ٱلرِّبَوٰاْۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ فَمَن جَآءَهُۥ مَوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمۡرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَنۡ عَادَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (275)

الآية 275 وقوله تعالى : { الذين يأكلون الربا } ؛ قال بعضهم : ليس على حقيقة الأكل ، ولكنه كان على الأخذ كقوله تعالى : { وأخذهم الربا وقد نهوا عنه } [ النساء : 161 ] ، فإذا كان هذا على الأخذ فقوله تعالى : { لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } هو على التمثيل ليس على التحقيق ، وقال الآخر : هو على نفس الأكل ، وما ذكر من العقوبة لما أكلوا من الربا ، لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم المجنون المخنق{[3396]} ، وقال غيرهم : ذلك لاستحلالهم الربا ، وتخطيئهم{[3397]} الله ، جل وعلا ، في الحكم في تحريمه{[3398]} الربا بقولهم : { ذالك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا }

ثم قوله : { ذالك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا } فيه دليل جواز القياس في العقل لأنه [ لو لم يكن في العقل جوازه ]{[3399]} لم يكن لقولهم : { إنما البيع مثل الربا } معنى ، لكنهم لم يعرفوا معنى المماثلة .

ثم المماثلة على الوجهين : مماثلة أسباب ومماثلة أحوال . فالمماثلة التي هي مماثلة أحوال ، هي ابتداء محنة في الفعل ، لا يقاس على غيره نحو أن يقال : اعقد ، أو أن يقال : قم ، لا يقاس القيام على القعود ، ولا القعود على القيام ، إنما هي محنة لا يلزم غير المخاطب به . وأما مماثلة الأسباب فهي [ سبب ]{[3400]} مماثلة الأحوال نحو أن يقال : حرم السكر في الخمر ، وحيث ما وجد السكر يحرم ، لأنه يجني على العقل ، فكل شيء يجني عليه فهو محرم التناول منه .

وقوله تعالى : { إنما البيع مثل الربا } ؛ يقولون : لما جاز أن يباع ثوب{[3401]} يساوي عشرة بأخذ عشرة ، كيف لا جاز أن تباع عشرة بأحد عشرة ؟ وقيل : كان الرجل منهم إذا حل ماله على صاحبه طلبه ، فيقول المطلوب للطالب : زدني في الأجل ، وأزيدك على مالك ، فيفضلان على ذلك ، ويعملان به ، فإذا قيل لهما{[3402]} : هذا ربا ، : قالا{[3403]} : هما سواء الزيادة في البيع أو الزيادة عند حل البيع ، فأكذبهم الله تعالى في ذلك ، [ وقال : { وأحل الله البيع } أي ليس هكذا البيع كالربا ]{[3404]} ، ويحتمل : فيه ابتداء حرمه أن حل ما هو بيع لا ما هو ربا .

ثم قوله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } ؛ فلقائل أن يقول : إنما يحرم منه قدر الربا ، وأما العقد فإنه يجوز لما ليس فيه ربا . لكن الأصل عندنا فيه أن الدرهم الزائد بأخذ [ من ]{[3405]} كل درهم من الشعرة قسطا منه وجزاءا من أجزاء كل درهم منه ، فلا سبيل إلى إمضاء العقد لأخذ أجزائه [ من ]{[3406]} كل درهم من الذي فيه العقد ، وهو ربا .

وفيه وجه آخر ؛ وهو أنه ختم الكلام على{[3407]} قوله : { وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم } [ البقرة : 279 ] ، ولا يزاد رأس المال في العقد قد مضى . ثم معرفة الربا من غير الربا ما ليس بإرادة بدل .

ثم فيه دلالة أن حرمه الربا كان ظاهرا عندهم حتى حكوا ، وكان ، حرمته فيما بينهم ، كهو في ما بين أهل الإسلام ؛ [ لذلك قال أبو حنيفة رضي الله عنه : إنه لا يجوز بيع الربا في ما بين أهل الإسلام ]{[3408]} وبين أهل الذمة . وعلى ذلك خرج الخطاب منه عل وجلا بقوله : { لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } [ آل عمران : 130 ] وقوله تعالى : { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى } ؛ قيل : [ { موعظة من ربه } ]{[3409]} بيان تحريم الربا ، [ وقيل : { فمن جاءه } نهي في القرآن { من ربه } في تحريم الربا ]{[3410]} { فانتهى } عن الربا ، وتحتمل الموعظة التذكير{[3411]} لما سبق ، فيتذكر ، فيرجع عن صنيعه .

وقوله تعالى : { فله ما سلف } ؛ قيل{[3412]} فيه بوجهين : قيل : { فله ما سلف } [ ما له ]{[3413]} في الجاهلية صار مغفورا له ، وهو كقوله تعالى : { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [ الأنفال : 38 ] ، ويحتمل قوله تعالى : { فله ما سلف } : وذلك أن الكافر إذا تاب ، ورجع عن صنيعه ، يرجع ، لا أن يعود إلى فعله أبدا ، ويندم على كل سيئة ارتكبها ، فيجعل الله كل سيئة كانت منه حسنة ، وهو كقوله تعالى : { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } [ الفرقان : 7 ] .

وقوله تعالى : { وأمره إلى الله } في حادث الوقت{[3414]} أن يعصمه .

وقوله تعالى : { ومن عاد فأوليك أصحاب النار هم فيها خالدون } إن المعتزلة استدلوا على الوعيد لأهل الإسلام بما ذكر فيه من العود ، لكن بدء الآية على الاستحلال . فعلى ذلك العود إليه على جهة الاستحلال /50-ب/ ، يدل عليه قوله تعالى : { والله لا يحب كل كفار أثيم } [ البقرة : 276 ] ، فأثبت له الكفر بالذي كان منه في الابتداء ، وهو الاستحلال ، فكذلك العود .


[3396]:في ط ع: المخنق.
[3397]:في النسخ الثلاث: وتخطبيهم.
[3398]:في النسخ الثلاث: تحريمهم.
[3399]:من ط ع، ساقطة من الأصل وم.
[3400]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[3401]:في النسخ الثلاث: ثوبا.
[3402]:من ط ع، في الأصل وم: لهم.
[3403]:من ط ع، في الأصل وم: قالوا.
[3404]:من ط ع، في الأصل وم، وقال: ليس هكذا.
[3405]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[3406]:في ط ع: عله
[3407]:من ط ع وم، ساقطة من الأصل.
[3408]:من ط ع.
[3409]:و.
[3410]:من ط عه وم، ساقطة من الأصل.
[3411]:أدرج قبلها في النسخ الثلاث ؟: هي.
[3412]:ساقطة من ط ع.
[3413]:في ط ع وم، له، ساقطة من الأصل.
[3414]:من ط ع وم، في الأصل: الوقف.