الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡبَيۡعُ مِثۡلُ ٱلرِّبَوٰاْۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ فَمَن جَآءَهُۥ مَوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمۡرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَنۡ عَادَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (275)

قوله : ( الذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ ) الآية [ 274 ] .

معناها : الذين يأكلون الربا في الدنيا لا يقومون في الآخرة إذا بعثوا من قبورهم إلا مثل قيام المجنون( {[8948]} ) .

والمس : الجنون( {[8949]} ) . قاله مجاهد وقتادة وابن جبير وغيرهم ؛ قالوا : " يقوم( {[8950]} ) الخلق من قبورهم مسرعين كما قال تعالى : ( يَخْرُجُونَ مِنَ الاَجْدَاثِ سِرَاعاً )( {[8951]} ) إلا أكلة الربا ، فإن الربا يربو في بطونهم فيقومون ويسقطون( {[8952]} ) ، يريدون الإسراع فلا يقدرون ، فهم بمنزلة المتخبط من الجنون " ( {[8953]} ) .

قال ابن جبير : / " يبعث أحدهم حين يبعث ، وشيطان يخنقه " ( {[8954]} ) .

والقصد بالنهي في هذه الآية : كل من أخذ الربا أكله أو لم يأكله .

وكان أهل الجاهلية إذا حل على أحدهم الأجل في دين/ عليه ، يقول الذي عليه الدين( {[8955]} ) : " زِدْنِي فِي الأَجَل وَأَزِيدُكَ فِي دَيْنِكَ " ، فنهى الله عن ذلك ، وقال : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّومِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) [ 278 ]( {[8956]} ) .

وأصل الربا الزيادة( {[8957]} ) ، وهو في التجارة والبيع والشراء جائز إذا كان على وجهه الذي قد بينته السنة والكتاب . فأصل الربا المحرم أن يقول الذي عليه الدين( {[8958]} ) : " أَخِّرْنِي( {[8959]} ) وَأَزِيدَكَ في دَينك " ، ثم جرى مجراه كل ما شابهه في البيوع والدين ، وغير ذلك مما قد( {[8960]} ) أحكمته السنة وفسره العلماء( {[8961]} ) .

وقد روى محمد بن كعب القرظي( {[8962]} ) أن النبي صلى الله عليه وسلم( {[8963]} ) قال : " كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبَا " ( {[8964]} ) .

قوله : ( فَلَهُ مَا سَلَفَ ) [ 274 ] .

أي ما أكل وأخذ قبل مجيء الموعظة فذلك مغفور له .

( وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ) [ 274 ] .

أي في المستقبل ، إن شاء ثبته وإن شاء رده إلى ما نهاه عنه( {[8965]} ) .

والموعظة : القرآن .

ومن عاد فعمل بالربا حتى يموت فأولئك أصحاب النار . قال ذلك سفيان( {[8966]} ) . وقال غيره : " من عاد فقال : إنما البيع مثل الربا ، وتمادى عليه ، فهو من أصحاب النار( {[8967]} ) " .


[8948]:- انظر هذا التوجيه في: معاني الفراء: 1/182، وتفسير الغريب: 98.
[8949]:- في ع1، ق: المجنون.
[8950]:- في ع2: يقومون.
[8951]:- المعارج آية 43.
[8952]:- في ق، ع3: يقسطون. وهو تحريف.
[8953]:- انظر: تفسير مجاهد: 1/117، وجامع البيان: 6/9-10، وتفسير ابن كثير: 1/326.
[8954]:- انظر: جامع البيان: 6/9، وتفسير ابن كثير: 1/326.
[8955]:- في ع2: الذين. وهو تصحيف.
[8956]:- انظر: تفسير مجاهد: 1/117.
[8957]:- انظر: اللسان: 1/1116.
[8958]:- في ع2: الذين. وهو تصحيف.
[8959]:- في ق: أخذني. وهو تحريف.
[8960]:- سقط من ع3.
[8961]:- انظر: أحكام ابن العربي: 1/242، وتفسير القرطبي: 3/356.
[8962]:- في ع2: القرطبي. وهو تصحيف.
[8963]:- في ح: عليه السلام.
[8964]:- هذه قاعدة شرعية صحيحة. قال ابن الديبع الشيباني: "رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن علي وإسناده ساقط، والله أعلم بالصواب" انظر: تمييز الطيب: 120.
[8965]:- قوله: "وأمره إلى الله...نهاه عنه" ساقط من ع3. وقد عزا القرطبي هذا التوجيه إلى النحاس. انظر: تفسيره: 3/361.
[8966]:- انظر: جامع البيان: 6/14، وتفسير القرطبي: 3/362.
[8967]:- المصدر السابق.