جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡبَيۡعُ مِثۡلُ ٱلرِّبَوٰاْۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ فَمَن جَآءَهُۥ مَوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمۡرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَنۡ عَادَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (275)

{ الَّذِينَ {[552]} يَأْكُلُونَ الرِّبَا } لما ذكر الأبرار المخرجين للصدقات ، شرع في ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالظلم ، وعبر عن الأخذ بالأكل ، لأن الأكل أعظم المنافع ، والربا شائع في المطعومات ، { لاَ يَقُومُونَ } من قبورهم ، { إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ } أي : إلا قياما كقيام المصروع ، { مِنَ الْمَسِّ {[553]} } أي : الجنون ، وهو متعلق بلا يقومون ، أو بيقوم ، وفي الحديث " مر عليه السلام ليلة الإسراء على قوم بطونهم {[554]} كالبيوت {[555]} ، وأخبر أنهم أكلة الربا " ، { ذَلِكَ } أي : العقاب ، { بِأَنَّهُمْ } : بسبب أنهم ، { قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا } : اعترضوا {[556]} على أحكام الله ، وقالوا : البيع مثل الربا ، وإذا كان الربا حراما فلا بد أن يكون البيع كذلك ، { وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } يحتمل {[557]} أن يكون تتمة كلام المعترض المشرك ، ويحتمل أن يكون من كلام الله ردا عليهم ، أي : اعترضوا ، والحال أن الله فرق بين هذا وهذا ، وهو الحكيم العليم ، { فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ } : بلغه وعظ من الله ، { فَانتَهَىَ } : فاتعظ وتبع النهي حال وصول الشرع إليه ، { فَلَهُ مَا سَلَفَ } من المعاملة ، أي : له ما كان أكل من الربا زمن الجاهلية ، { وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ } : يحكم يوم القيامة بينهم ، وليس من أمره إليكم شيء ، { وَمَنْ عَادَ {[558]} } إلى تحليله وأكله ، { فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } لكفرهم .


[552]:ولما ذكر الأبرار النافعين المنفقين، أتبعهم حال الأشرار الآكلين أموال الناس بالظلم فقال: "الذين يأكلون الربا"/12
[553]:وفي الآية دليل على فساد قول من قال: إن الصرع لا يكون من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع، وقال: إن الآية خارجة على ما كانت العرب تزعمه من أن الشيطان يصرع الإنسان، وليس بصحيح وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتخبطه الشيطان، كما أخرجه النسائي وغيره/12
[554]:رواه البيهقي وابن ماجة والإمام أحمد/12. [وهو ضعيف، انظر ضعيف ابن ماجة (496)، وضعيف الجامع (113)]
[555]:قيل: يقومون من قبورهم، فيسقطون كالمصروع لا يستطيع المشي والقيام من كبر بطونهم وثقلهم/12 منه
[556]:الظاهر أن مرادهم أن المحلِّل والمحرم أمرُكَ وشهوتُكَ، لا حكم الله سبحانه، فإنه لو كان حكم الله لكان الربا حلالا مثل البيع، والبيع حراما مثل الربا، فتأمل/12 منه
[557]:ولا شك مَنْ أحدٍ أن البيع حلال، فكذا الربا [حرام]/12. (ما بين المعقوفتين [] زيادة من عندنا ليست في الأصل أضفناها ليستقيم السياق)
[558]:إلى الاعتراض "فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" لأنهم كفروا، كما اعترض إبليس وكفر، هكذا فسره المفسرون من أهل السنة، والأصوب أن الأصوب تفسير الزمخشري، عفا الله عنه، وحاصله ومن عاد إلى الأكل والارتكاب، فإن الجزاء مرتب على مطلق المرتَكَبِ، لا على الكافر المرتَكِبِ، لأن كون الانتهاء في قوله: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى" عبارة عن الانتهاء عن الفعل، يأبى أن يكون العود في قوله: "ومن عاد" عودا إلى الاعتقاد والاستحلال، وأيضا إذا كان خلود النار للاستخلالا.. إلخ، فجزاء مرتكب الفعل غير مذكور في الكلام، مع أنه المقصود الأتم الأهم، وإذا جعلنا الخلود جزاء الفعل، علم أن جزاء الاعتقاد الذي هو كفر فوقه بخلاف العكس، فالأولى أن نجعل هذه الآية طباق آية "ومن قتل مؤمنا متعمدا" [النساء: 93] إلى آخره، ولا بد لنا من تأويلها، ومن أحسن التأويلات: أن ارتكاب بعض الكبائر من غير توبة ينجر إلى سوء العاقبة من القتل وأكل الربا/12 وجيز