بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡبَيۡعُ مِثۡلُ ٱلرِّبَوٰاْۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ فَمَن جَآءَهُۥ مَوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمۡرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَنۡ عَادَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (275)

{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا } يعني يأكلون الربا استحلالاً { لاَ يَقُومُونَ } يوم القيامة من قبورهم { إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان } أي يتخبطه الشيطان { مِنَ المس } أي من الجنون . ويقال : إنهم يبعثون يوم القيامة ، وقد انتفخت بطونهم كالحباب ، وكلما قاموا سقطوا ، والناس يمشون عليهم ، فيكون ذلك علامة آكل الربا ويقال يكون بمنزلة المجنون { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ } { الشيطان مِنَ المس ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا البيع مِثْلُ الربا } معناه استحلوا الرِّبا ، وكان الرجل إذا حل أجَلُ مالِه طالَبَه فيقول له المطلوب : زدني في الأجل ، وأزيدك في مالك فيفعلان ذلك .

فإذا قيل لهما : إن هذا رباً قالا : الزيادة في أول البيع ، وعند حلول الأجل سواء . ويقال : إنهم استحلوا الربا وقالوا : الربا والبيع في الحل سواء ، فالله تعالى أبطل قولهم فقال تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } .

ثم قال :{ فمن جاءه موعظة } ولم يقل جاءته ، لأن التأنيث ليس بحقيقي ، ويجوز أن يذكر ويؤنث ، لأنه انصرف إلى المعنى ، يعني فمن جاءه نهي { مّن رَّبّهِ } في القرآن في بيان تحريم الربا { فانتهى } عن أكل الربا { فَلَهُ مَا سَلَفَ } يعني ليس عليه إثم فيما مضى قبل النهي ، لأن الحجة لم تقم عليهم ، ولم يعلموا بحرمته ، وأما اليوم فمن تاب عن الربا ، فلا بدَّ له من أن يرد الفضل ، ولا يكون له ما سلف ، لأن حرمة الربا ظاهرة بين المسلمين ، لأن كتاب الله تعالى فيهم .

ثم قال عز وجل : { وَأَمْرُهُ إِلَى الله } في المستأنف إن شاء عصمه ، وإن شاء لم يعصمه { وَمَنْ عَادَ } إلى استحلال الرِّبا { فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون } قال ابن مسعود آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهداه ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال عليه الصلاة والسلام : « سَيَأْتِي عَلَى الَّناسِ زَمَانٌ لا يَبْقَى أَحَدٌ إِلاَّ أَكَلَ الرِّبا ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلِ الرِّبا أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ » وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الرِّبا بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَاباً ، أدْنَاها كَإِتْيَانِ الرَّجُلِ أُمَّهُ » ، يعني كالزاني بأمه .