خشعا أبصارهم : ذليلة خاضعة من شدة الهول .
7- { خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ } .
هم يخرجون من القبور في حالة من الذلة والخشوع والخوف ، لأنّ أثر العزّ والذل يتبين في نظر الإنسان .
قال تعالى : { أبصارها خاشعة } . ( النازعات : 9 ) .
وقال سبحانه وتعالى : { وتراهم يُعرضون عليها خاشعين من الذل يَنظرون من طرف خفي . . . } ( الشورى : 45 ) .
ويقال : خشع واختشع ، إذا ذلّ ، وخشع ببصره ، إذا غضّه ، وقرأ حمزة والكسائي : خاشعا أبصارهم .
{ يََخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ } .
يخرجون من القبور مسرعين مطيعين ، كأنهم جراد منتشر منبت في الآفاق ، وإذا نظرنا إلى الجراد في كثرته وتتابعه كأنه حملة قوية ، وكثيرا ما يكون وبالا على الزراعة ، أو ناشرا للآفات ، أدركنا عمق التعبير في الآية .
وقد قال تعالى في آية أخرى : { يوم يكون الناس كالفراش المبثوت } . ( القارعة : 4 ) .
إحداهما : عند الخروج من القبور يخرجون فزعين ، لا يهتدون أين يتوجهون ، فيدخل بعضهم في بعض ، فهم حينئذ كالفراش المبثوت بعضه في بعض ، لا جهة يقصدها .
الثانية : فإذا سمعوا المنادي قصدوه ، فصاروا كالجراد المنتشر ، لأن الجراد له جهة يقصدها .
كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب جراد منتشر في الآفاق .
إنه يوم الفزَع الأكبر ، يوم تراهم :
{ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } .
يخرجون من قبورهم في حالةِ هلع عظيم ، خاشعة أبصارهم من شدة الهول ، كأنهم من كثرتهم وسرعة انتشارهم جرادٌ منتشر . كما قال تعالى أيضا : { يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث } [ القارعة : 4 ] ، فهم في أول أمرِهم يكونون كالفَراش حين يموجون فزِعين لا يهتدون أين يتوجهون ، ثم يكونون كالجراد المنتشِر عندما يتوجهون للحشْر .
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم : خُشّعاً بضم الخاء وتشديد الشين جمع خاشع . والباقون : خاشعاً أبصارهم على الأفراد .
قوله تعالى : { خشعاً أبصارهم } قرأ أبو عمرو ، ويعقوب ، وحمزة ، والكسائي : { خاشعاً } على الواحد ، وقرأ الآخرون : { خشعاً } بضم الخاء وتشديد الشين على الجمع . ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد والجمع والتذكير والتأنيث ، تقول : مررت برجال حسن أوجههم ، وحسنة أوجههم ، وحسان أوجههم ، قال الشاعر :
ورجال حسن أوجههم*** من إياد بن نزار بن معد
وفي قراءة عبد الله : ( خاشعة أبصارهم ) ، أي : ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب . { يخرجون من الأجداث } من القبور ، { كأنهم جراد منتشر } منبث حيارى ، وذكر المنتشر على لفظ الجراد ، نظيرها ، { كالفراش المبثوث } ( القارعة-4 ) وأراد أنهم يخرجون فزعين لا جهة لأحد منهم يقصدها ، كالجراد لا جهة لها ، تكون مختلطة بعضها في بعض .
ولما بين دعاءه بما هال أمره ، بين حال المدعوين زيادة في الهول فقال : { خشعاً أبصارهم } أي ينظرون نظرة الخاضع الذليل السافل المنزلة المستوحش الذي هو بشر حال ، ونسب الخشوع إلى الأبصار لأن العز والذل يتبين من النظر فإن الذل أن يرمي به صاحبه إلى الأرض مثلاً مع هيئة يعرف منها ذلك كما قال تعالى : { خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي } وإفراده في قراءة أبي عمرو ويعقوب وحمزة والكسائي{[61756]} على أن الخشوع بلغ في النهاية من الشدة ونسبته إلى كل بصر على حد سواء ، وجمع على لغة " أكلوني البراغيث " تفي قراءة الباقين بضم الخاء وتشديد الشين مفتوحة أو مستنداً المدعوين ، والإبصار يدل بعض الإشارة إلى أن كل ذلك موزع على الأبصار .
ولما بين من حالهم هكذا ما يدل على نكارة ذلك اليوم ، بين كيفية خروجهم بياناً لما يلزم من تصوره زيادة الذعر فقال : { يخرجون } أي على سبيل التجدد الأشرف فالأشرف { من الأجداث } أي القبور المهيأة لسماع النفخ في الصور { كأنهم } في كثرتهم وتراكم بعضهم على بعض من كبيرهم وصغيرهم وضعيفهم وقويهم { جراد منتشر * } أي منبث متفرق حيران مطاوع لمن نشره بعدما كان فيه من سكون مختلط بعضه ببعض ، لا جهة له في الحقيقة يقصدها لو خلى ونفسه .