المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ} (16)

16- فأرسلنا عليهم ريحاً ذات صوت شديد في أيام مشئومات لنذيقهم عذاب الهون في الحياة الدنيا ، وأقسم : لعذاب الآخرة أشد خزياً ، وهم لا ينصرهم ناصر يومئذ .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ} (16)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيَ أَيّامٍ نّحِسَاتٍ لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَخْزَىَ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فأرسلنا على عاد ريحا صرصرا .

واختلف أهل التأويل في معنى الصرصر ، فقال بعضهم : عني بذلك أنها ريح شديدة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ريحا صَرصَرا قال : شديدة .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد رِيحا صَرْصَرا شديدة السّموم عليهم .

وقال آخرون : بل عنى بها أنها باردة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحا صَرْصَرا قال : الصرصر : الباردة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : رِيحا صَرْصَرا قال : باردة .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ رِيحا صَرْصَرا قال : باردة ذات الصوت .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : رَيحا صَرْصَرا يقول : ريحا فيها برد شديد .

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول مجاهد ، وذلك أن قوله : صَرْصَرا إنما هو صوت الريح إذا هبّت بشدّة ، فسُمع لها كقول القائل : صرر ، ثم جعل ذلك من أجل التضعيف الذي في الراء ، فقال ثم أبدلت إحدى الراءات صادا لكثرة الراءات ، كما قيل في ردّده : ردرده ، وفي نههه : نهنهه ، كما قال رؤبة :

فالْيَوْمَ قَدْ نَهْنَهَنِي تَنَهْنُهِي *** وأوّلُ حِلْمٍ لَيْسَ بالمُسَفّهِ

وكما قيل في كففه : كفكفه ، كما قال النابغة :

أُكَفْكِفُ عَبْرَةً غَلَبَتْ عُداتِي *** إذَا نَهْنَهْتُها عادَتْ ذُباحا

وقد قيل : إن النهر الذي يسمى صرصرا ، إنما سمي بذلك لصوت الماء الجاري فيه ، وإنه «فعلل » من صرر نظير الريح الصرصر .

وقوله : في أيّامٍ نَحِساتٍ اختلف أهل التأويل في تأويل النحسات ، فقال بعضهم : عُني بها المتتابعات . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : في أيّامٍ نَحِساتٍ قال : أيام متتابعات أنزل الله فيهنّ العذاب .

وقال آخرون : عِني بذلك المشائيم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : أيّامٍ نَحِساتٍ قال : مشائيم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في أيّامٍ نَحِساتٍ أيام والله كانت مشؤومات على القوم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : النحسات : المشؤومات النكدات .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ في أيّامٍ نَحِساتٍ قال : أيام مشؤومات عليهم .

وقال آخرون : معنى ذلك : أيام ذات شرّ . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد قوله : أيّامٍ نَحِساتٍ قال : النحس : الشرّ أرسل عليهم ريح شرّ ليس فيها من الخير شيء .

وقال آخرون : النحسات : الشداد . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في أيّامٍ نَحِساتٍ قال : شداد .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال عنى بها : أيام مشائيم ذات نحوس ، لأن ذلك هو المعروف من معنى النحس في كلام العرب .

وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار غير نافع وأبي عمرو في أيّامٍ نَحِساتٍ بكسر الحاء ، وقرأه نافع وأبو عمرو : «نَحْساتٍ » بسكون الحاء . وكان أبو عمرو فيما ذكر لنا عنه يحتج لتسكينه الحاء بقوله : يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٌ وأن الحاء فيه ساكنة .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكلّ واحدة منهما قرّاء علماء مع اتفاق معنييهما ، وذلك أن تحريك الحاء وتسكينها في ذلك لغتان معروفتان ، يقال هذا يومٌ نَحْسٌ ، ويومٌ نَحِسٌ ، بكسر الحاء وسكونها قال الفرّاء : أنشدني بعض العرب :

أبلِغْ جُذَاما وَلَخْما أنّ إخْوَتُهمْ *** طَيّا وَبهْرَاءَ قَوْمٌ نَصْرُهُمْ نَحِسُ

وأما من السكون فقول الله يَوْمِ نَحْسٍ ومنه قول الراجز :

يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ وَيَوْما شَمْسا *** نَجْمَيْنِ بالسّعْدِ وَنجْما نَحْسا

فمن كان في لغته : «يَوْمٍ نَحْسٍ » قال : «في أيّامٍ نَحْساتٍ » ، ومن كان في لغته : يَوْمِ نَحْسٍ قال : في أيّامٍ نَحِساتٍ ، وقد قال بعضهم : النحْس بسكون الحاء : هو الشؤم نفسه ، وإن إضافة اليوم إلى النحس ، إنما هو إضافة إلى الشؤم ، وإن النحِس بكسر الحاء نعت لليوم بأنه مشؤوم ، ولذلك قيل : في أيّامٍ نَحِساتٍ لأنها أيام مشائيم .

وقوله : لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخَزْيِ في الحَياةِ الدّنْيا يقول جلّ ثناؤه : ولعذابنا إياهم في الاَخرة أخزى لهم وأشدّ إهانة وإذلالاً وهُمْ لا يُنْصَرُونَ يقول : وهم يعني عادا لا ينصرهم من الله يوم القيامة إذا عذّبهم ناصر ، فينقذهم منه ، أو ينتصر لهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ} (16)

والريح : تموُّج في الهواء يحدث من تعاكس الحرارة والبرودة ، وتنتقل موجاته كما تنتقل أمواج البحر والريح الذي أصاب عاداً هو الريح الدَّبور ، وهو الذي يهبّ من جهة مغرب الشمس ، سميت دبوراً بفتح الدال وتخفيف الباء لأنها تهبّ من جهة دُبر الكعبة قال النبي صلى الله عليه وسلم { نُصِرتُ بالصبا وأهلكتْ عاد بالدبور } وإنما كانت الريح التي أصابت عاداً بهذه القوة بسبب قوة انضغاط في الهواء غير معتاد فإن الانضغاط يصير الشيء الضعيف قوياً ، كما شوهد في عصرنا أن الأجسام الدقيقة من أجزاء كيمياوية تسمى الذَّرة تصير بالانضغاط قادرة على نسف مدينة كاملة ، وتسمى الطاقة الذَّرية ، وقد نُسف بها جزء عظيم من بلاد اليابان في الحرب العامة .

والصرصر : الريح العاصفة التي يكون لها صرصرة ، أي دويّ في هبوبها من شدة سرعة تنقلها . وتضعيف عينه للمبالغة في شدتها بين أفراد نوعها كتضعيف كبكب للمبالغة في كَبّ . وأصله صَرَّ ، أي صاح ، وهو وصف لا يؤنث لفظه لأنه لا يجري إلا على الريح وهي مقدرة التأنيث .

والنحسات بفتح النون وسكون الحاء : جمع نَحس بدون تأنيث لأنه مصدر أو اسم مصدر لفعل نَحِس كَعَلِم ، كقوله تعالى : { في يوم نحس مستمر } [ القمر : 19 ] . H

وقرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بسكون الحاء . ويجوز كسر الحاء وبه قرأ البقية على أنه صفة مشبهة من ( نَحِس ) إذا أصابه النحْس إصابة سوء أو ضر شديد . وضده البخت في أوهام العامة ، ولا حقيقة للنحس ولا للبخت ولكنهما عارضان للإنسان ، فالنحس يَعرض له من سوء خِلقه مزاجه أو من تفريطه أو من فساد بيئته أو قومِه ، والبخت يعرض من جراء عكس ذلك . وبعض النوعين أمور اتفاقية وربما كان بعضها جزاءً من الله على عمل خيرٍ أو شر من عباده أو في دينه كما حل بعاد وأهل الجاهلية . وعامة الأمم يتوهمون النحس والبخت من نوع الطِّيرَة ومن التشاؤم والتيمّن ، ومنه الزجر والعيافة عند العرب في الجاهلية ومنه تَطَلُّع الحدثَان من طوالع الكواكب والأياممِ عند معظم الأمم الجاهلة أو المختلَّة العقيدة . وكل ذلك أبطله الإسلام ، أي كشف بطلانه ، بما لم يسبقه تعليم من الأديان التي ظهرت قبل الإِسلام .

فمعنى وصف الأيام بالنحسات : أنها أيام سوء شديد أصابهم وهو عذاب الريح ، وهي ثمانية أيام كما جاء في قوله تعالى : { سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً } [ الحاقة : 7 ] ، فالمراد : أن تلك الأيام بخصوصها كانت نحساً وأن نَحْسها عليهم دون غيرهم من أهل الأرض لأن عاداً هم المقصودون بالعذاب . وليس المراد أن تلك الأيام من كل عام هي أيام نحس على البشر لأن ذلك لا يستقيم لاقتضائه أن تكون جميع الأمم حلّ بها سوء في تلك الأيام .

ووُصفت تلك الأيام بأنها { نَّحِسَاتٍ } لأنها لم يحدث فيها إلا السوء لهم من إصابة آلام الهَشْم المحقققِ إفضاؤه إلى الموت ، ومشاهدة الأموات من ذويهم ، وموت أنعامهم ، واقتلاع نخيلهم .

وقد اخترع أهل القصص تسمية أيام ثمانية نصفُها آخر شهر ( شُباط ) ونصفها شهر ( آذار ) تكثر فيها الرياح غالباً دَعَوها أيام الحسوم ثم ركبوا على ذلك أنها الموصوفة بحسوم في قوله تعالى في سورة الحاقة ( 7 ) { سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً } فزعموا أنها الأيام الموافقة لأيام الريح التي أصابت عاداً ، ثم ركَّبوا على ذلك أنها أيام نحس من كل عام وكَذَبوا على بعض السلف مثل ابن عباس أكاذيب في ذلك وذلك ضغْث على إبالة ، وتفنن في أوهام الضلالة .

وجُمع { نّحِسَاتٍ } بالألف والتاء لأنه صفة لجمععِ غير العاقل وهو { أَيَّامٍ } .

واللام في { لنُذِيقَهُم } للتعليل وهي متعلقة ب ( أرسلنا ) . والإِذاقة تخييل لمكنية ، شُبه العذاب بطعام هُيِّىء لهم على وجه التهكم كما سمَّى عمرو بن كلثوم الغارة قِرَى في قوله :

قرينَاكُمْ فعجَّلْنَا قِراكم *** قُبيل الصُّبح مِردَاةً طَحُونا

والإِذاقة : تخييل من ملائمات الطعام المشبه به .

والخزي : الذلّ . وإضافة { عَذَابَ } إلى { الخِزْي } من إضافة الموصوف إلى الصفة بدليل مقابلته بقوله : { ولَعَذَابُ الآخِرَةِ أخزى } ، أي أشد إخزاء من إخزاء عذاب الدنيا ، وذلك باعتبار أن الخزي وصف للعذاب من باب الوصف بالمصدر أو اسم المصدر للمبالغة في كون ذلك العذاب مخزياً للذي يعذب به . ومعنى كون العذاب مخزياً : أنه سببُ خزي فوصْفُ العذاب بأنه خزي بمعنى مُخز من باب المجازِ العقلي ، ويُقدر قبل الإضافة : لنذيقهم عذاباً خزياً ، أي مُخْزياً ، فلما أريدت إضافة الموصوف إلى صفته قيل : { عذابَ الخزي } ، للمبالغة أيضاً لأن إضافة الموصوف إلى الصفة مبالغة في الاتصاف حتى جعلت الصفة بمنزلة شخص آخر يضاف إليه الموصوف وهو قريب من محسِّن التجريد فحصلت مبالغتان في قوله : { عَذَابَ الخِزْي } مبالغةُ الوصف بالمصدر ، ومبالغة إضافة الموصوف إلى الصفة .

وجملة { ولَعَذَابُ الآخِرَةِ أخزى } احتراس لئلا يحسِب السامعون أن حظ أولئك من العقاب هو عذاب الإِهلاك بالريح فعطف عليه الإِخبار بأن عذاب الآخرة أخزَى ، أي لهم ولكل من عذّب عذاباً في الدنيا لغضب الله عليه . وأخْزى : اسم تفضيل جرى على غير قياس ، وقياسه أن يقال : أشد إخزاء ، لأنه لا يقال : خَزاه ، بمعنى أخزاه ، أي أهانه ، ومثل هذا في صوغ اسم التفضيل كثير في الاستعمال .

وجملة { وَهُمْ لاَ يُنْصَرُونَ } تذييل ، أي لا ينصرهم من يدفع العذاب عنهم ، ولا من يشفع لهم ، ولا من يخرجهم منه بعد مهلة .