السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ} (16)

{ فأرسلنا } أي : بسبب ذلك على ما لنا من العظمة { عليهم ريحاً } أي : عظيمة { صرصراً } أي : شديد البرد والصوت والعصوف حتى كانت تجهد البدن ببردها فتكون كأنها تصره أي : تجمعه في موضع واحد فتمنعه التصرف بقوتها وتقطع القلب بصوتها فتقهر شجاعته وتمحق بشدة بردها كل ما مرت عليه ، وقوله تعالى : { في أيام نحسات } أي : مشؤومات جمع نحسة ، وقرأ ابن عامر والكوفيون بكسر الحاء من نحس ، نحساً نقيض سعد سعداً فهو نحس والباقون بسكونها فهو إما مخفف نحس أو صفة على فعل أو وصف بمصدر قال الضحاك : أمسك الله تعالى عنهم المطر ثلاث سنين وكانت الريح عليهم من غير مطر ، روي أن الأيام كانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء قال البيضاوي : وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء .

وعن عبد الله بن عباس أنه قال : الرياح ثمان : أربع منها عذاب : وهي العاصفة والصرصر والعقيم والقاصف ، وأربع منها رحمة : وهي المبشرات والناشرات والمرسلات والذاريات ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى ما أرسل على عاد من الريح إلا قدر خاتمي ، وفعلنا ذلك بهم { لنذيقهم عذاب الخزي } أي : الذل والهوان { في الحياة الدنيا } كما استكبروا في الأرض بغير الحق فيذبلوا عند من تعظموا عليه في الدار التي اغتروا بها فتعظموا فيها ، فإن ذلك أدل على القدرة عند من تقيد بالوهم { ولعذاب الآخرة } أي : الذي أعد للمتكبرين في الآخرة بغير الحق { أخزى } أي : أشد إهانة ، وهو في الأصل صفة المعذب ، وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة { وهم لا ينصرون } أي : لا يوجد ولا يتجدد لهم نصر أبداً بوجه من الوجوه .