فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ} (16)

ثم ذكر الله سبحانه ما أنزل عليهم من عذابه فقال : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا } الصرصر الريح الشديدة الصوت من الصرة وهي الصيحة ، قال أبو عبيدة : معنى صرصر شديدة عاصفة ، وقال الفراء : هي الباردة تحرق كما تحرق النار ، وقال عكرمة وسعيد بن جبير وقتادة : هي الباردة ، وقال مجاهد : هي الشديدة السموم ، والأولى تفسيرها بالبرد لأن الصر في كلام العرب البرد ، قال ابن السكيت : صرصر يجوز أن يكون من الصر وهو البرد ، ومن صرصر الباب ، ومن الصرة وهي الصيحة ، ومنه { فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ } .

ثم بين سبحانه وقت نزول ذلك العذاب عليهم فقال :

{ فِي أَيَّامٍ نَحِسَات } أي نكدات مشئومات ذوات نحوس عليهم ، قال مجاهد وقتادة : كن آخر شوال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء ، وذلك { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا } قيل : وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء ، وقيل : نحسات باردات ، حكاه الثعلبي ، وقيل : متتابعات ، وقيل : شداد ، وقيل : ذوات غبار وتراب ثائر ، لا يكاد يبصر فيه . قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو نحسات بإسكان الحاء على أنه جمع نحس ، وقرأ الباقون بكسرها ، واختار أبو حاتم الأولى لقوله { فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ } ، واختار أبو عبيد الثانية { لِنُذِيقَهُمْ } أي لكي نذيقهم .

{ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } والخزي هو الذل والهوان بسبب ذلك الاستكبار ، وهو في الأصل صفة المعذب ، وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة ، فه و من إضافة الموصوف إلى صفته أي العذاب الخزي ، ولهذا جاء :

{ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى } أي أشد إهانة وذلا ، فلو لم يكن من إضافة الموصوف إلى صفته لم يأت بلفظ أخزى الذي يقتضي المشاركة { وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ } أي لا يمنعون من العذاب النازل بهم ولا يدفعه عنهم دافع ،