المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

58- إن الله يأمركم - أيها المؤمنون - أن توصِّلوا جميع ما ائتمنتم عليه من الله أو الناس إلى أهله بالعدل ، فلا تجوروا في الحكم . هذه موعظة من ربكم فاحرصوا عليها ، فنعمت الموعظة التي يعظكم بها . إن الله دائماً سميع لما يقال ، بصير بما يفعل ، فيعلم من أدَّى الأمانة ومن خان ، ومن حكم بالعدل أو جار فَيُجَازِي كُلاً بعمله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدّواْ الأمَانَاتِ إِلَىَ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنّ اللّهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } . .

اختلف أهل التأويل فيمن عُني بهذه الاَية ، فقال بعضهم : عُني بها : ولاةُ أمور المسلمين . ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي مكين ، عن زيد بن أسلم ، قال : نزلت هذه الاَية : { إنّ اللّهَ يأمْرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأمانَاتِ إلى أهْلِها } في ولاة الأمر .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إديس ، قال : حدثنا ليث ، عن شهر ، قال : نزلت في الأمرء خاصة { إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِها وَإذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أنْ تَحْكُمُوا بالْعَدْلِ } .

8777 حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا إدريس ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن مصعب بن سعد ، قال : قال عليّ رضي الله عنه : كلمات أصاب فيهنّ حقّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ، وأن يؤدّى الأمانة ، وإذا فعل ذلك فحقّ على الناس أن يسمعوا وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : حدثنا إسماعيل عن مصعب بن سعد ، عن عليّ بنحوه .

حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا موسى بن عمير ، عن مكحول ، في قول الله : { وأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ } قال : هم أهل الاَية التي قبلها : { إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أن تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِها } . . . إلى آخر الاَية .

حدثني يونس ، قال¹ أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا ابن زيد ، قال : قال أبي : هم الولاة ، أمرهم أن يؤدّوا الأمانات إلى أهلها .

وقال آخرون : أمر السلطان بذلك أن يعطوا الناس . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { إنّ اللّهَ يأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِها } قال : يعني : السلطان يعطون الناس .

وقال آخرون : الذي خُوطِبَ بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم في مفاتيح الكعبة أُمِرَ بردّها على عثمان بن طلحة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { إنّ اللّهَ يأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِها } قال : نزلت في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، قبض منه النبيّ صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة ، ودخل بها البيت يوم الفتح ، فخرج وهو يتلو هذه الاَية ، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح . قال : وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو هذه الاَية : فداؤه أبي وأمي ! ما سمعته يتلوها قبل ذلك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا الزنجي بن خالد ، عن الزهري ، قال : دفعه إليه وقال : أعينوه .

وأولى هذه الأقوال بالصوااب في ذلك عندي قول من قال : هو خطاب من الله ولاة أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من ولّوا في فيئهم وحقوقهم ، وما ائتمنوا عليه من أمورهم بالعدل بينهم في القضية . والقسم بينهم بالسوية ، يدلّ على ذلك ما وعظ به الرعية في : { أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ } فأمرهم بطاعتهم ، وأوصى الراعي بالرعية ، وأوصى الرعية بالطاعة . كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ } قال : قال أبي : هم السلاطين . وقرأ ابن زيد : { تُؤْتي المُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمّنْ تَشاءُ } ألا ترى أنه أمر فقال : { إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِها } ؟ والأمانات : هي الفيء الذي استأمنهم على جمعه وقسمه ، والصدقات التي استأمنهم على جمعها وقسمها . { وَإذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أنْ تَحْكُمُوا بالعَدْل } . . . الاَية كلها فأمر بهذا الولاة ، ثم أقبل علينا نحن ، فقال : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرّسُول وأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ } .

وأما الذي قال ابن جريج من أن هذه الاَية نزلت في عثمان بن طلحة فإنه جائز أن تكون نزلت فيه ، وأريد به كلّ مؤتمن على أمانة فدخل فيه ولاة أمور المسلمين وكل مؤتمن على أمانة في دين أو دنيا ، ولذلك قال من قال : عني به قضاء الدين وردّ حقوق الناس . كالذي :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِها } فإنه لم يرخص لموسر ولا معسر أن يمسكها .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلى أهْلِها } عن الحسن : أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «أدّ الأمانةَ إلى مَنِ ائْتَمَنَكَ ، وَلا تَخُنْ مَنْ خانَكَ » .

فتأويل الاَية إذًا ، إذ كان الأمر على ما وصفنا : إن الله يأمركم يا معشر ولاة أمور المسلمين أن تؤدّوا ما ائتمنتكم عليه رعيتكم من فيئهم وحقوقهم وأموالهم وصدقاتهم إليهم على ما أمركم الله ، بأداء كلّ شيء من ذلك إلى من هو له بعد أن تصير في أيديكم ، لا تظلموها أهلها ولا تستأثروا بشيء منها ولا تضعوا شيئا منها في غير موضعه ، ولا تأخذوها إلا ممن أذن الله لكم بأخذها منه قبل أن تصير في أيديكم¹ ويأمركم إذا حكمتم بين رعيتكم أن تحكموا بينهم بالعدل والإنصاف ، وذلك حكم الله الذي أنزله في كتابه وبينه على لسان رسوله ، لا تَعْدوا ذلك فتجوروا عليهم .

القول في تأويل قوله تعالى : { إنّ اللّهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إنّ اللّهَ كانَ سَمِيعا بَصِيرا } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : يا معشر ولاة أمور المسلمين إنّ الله نَعِمّ الشيء يعظكم به ، ونِعِمّت العظة يعظكم بها في أمره إياكم ، أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها ، وأن تحكموا بين الناس بالعدل { نّ اللّهَ كَانع سَمِيعا } يقول : إن الله لم يزل سميعا بما تقولون وتنطقون ، وهو سميع لذلك منكم إذا حكمتم بين الناس ولم تحاوروهم به ، { بَصِيرا } بما تفعلون فيما ائتمنتكم عليه من حقوق رعيتكم وأموالهم ، وما تقضون به بينهم من أحكامكم بعدل تحكمون أو جور ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ، حافظ ذلك كله ، حتى يجازي محسنكم بإحسانه ومسيئكم بإساءته ، أو يعفو بفضله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب ، وابن زيد : هذا خطاب لولاة المسلمين خاصة .

قال القاضي أبو محمد : فهو للنبي عليه السلام وأمرائه ، ثم يتناول من بعدهم ، وقال ابن جريج وغيره : ذلك خطاب للنبي عليه السلام في أمر مفتاح الكعبة حين أخذه من عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري ، ومن ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، فطلبه العباس بن عبد المطلب لتنضاف له السدانة إلى السقاية ، فدخل رسول الله الكعبة فكسر ما كان فيها من الأوثان ، وأخرج مقام إبراهيم ، ونزل عليه جبريل بهذه الآية ، قال عمر بن الخطاب : وخرج رسول الله وهو يقرأ هذه الآية ، وما كنت سمعتها قبل منه . فدعا عثمان وشيبة ، فقال لهما : خذاها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ، وحكى مكي أن شيبة أراد أن لا يدفع المفتاح ، ثم دفعه وقال للنبي عليه السلام : خذه بأمانة الله{[4113]} .

قال القاضي أبو محمد : واختلف الرواة في بعض ألفاظ هذا الخبر ، زيادة ونقصاناً ، إلا أنه المعنى بعينه ، وقال ابن عباس : الآية في الولاة بأن يعظوا النساء في النشوز ونحوه ، ويردوهن إلى الأزواج ، والأظهر في الآية أنها عامة في جميع الناس{[4114]} ، ومع أن سببها ما ذكرناه تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال ورد الظلامات وعدل الحكومات وغيره{[4115]} ، وتتناولهم ومن دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرز في الشهادات وغير ذلك ، كالرجل يحكم في نازلة ما ونحوه ، والصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات أمانات لله تعالى ، وقال ابن عباس : لم يرخص الله لموسرٍ ولا معسر أن يمسك الأمانة ، و { نعما } أصله نعم ما ، سكنت الأولى وأدغمت في الثانية وحركت العين لالتقاء الساكنين ، وخصت بالكسر اتباعاً للنون ، و «ما » المردفة على «نعم » إنما هي مهيئة لاتصال الفعل بها كما هي في «ربما ومما » في قوله : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يحرك شفتيه ، وكقول الشاعر : [ الطويل ]

وإنّا لَمِمّا نَضْرِبُ الْكَبْشَ ضَرْبَةً . . . عَلَى رَأْسِهِ تُلْقِي اللِّسَانَ مِنَ الْفَمِ{[4116]}

ونحوه ، وفي هذا هي بمنزلة «ربما » وهي لها مخالفة في المعنى ، لأن «ربما » معناها : التقليل ، و «مما » معناها التكثير ، ومع أن «ما » موطئة فهي بمعنى «الذي » وما وطأت إلا وهي اسم ، ولكن القصد إنما هو لما يليها من المعنى الذي في الفعل{[4117]} .

وحسن الاتصاف بعد هذه المقدمات بالسمع والبصر ، لأنها في الشاهد محصلات ما يفعل المأمور فيما أمر به .


[4113]:- أخرجه ابن جرير، وابن المنذر عن أبي جريج، وأخرج مثله ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، مع تفصيل لما حدث بين عثمان بن طلحة وبين الرسول صلى الله عليه وسلم- (ابن كثير2/ 32 والدر المنثور 2/ 174) والتالد: المال القديم الأصلي الذي ولد عندك، وهو نقيض الطارف. روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال في (سورة بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء): هنّ من العتاق الأول، وهنّ من تلادي. أي: من قديم ما أخذت من القرآن. وفي حديث العباس: فهي لهم تالدة بالدة، يعني الخلافة، البالد إتباع التالد. وفي شعر طرفة. *وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي*
[4114]:- قال بذلك جماعة منهم: البراء بن عازب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي ابن كعب، قالوا: الأمانة في كل شيء: في الوضوء، والصلاة، والزكاة، والجنابة، والصوم، والكيل والوزن، والودائع. قال القرطبي: وهذا إجماع- ثم قال: والأمانة: مصدر بمعنى المفعول فلذلك جمع.
[4115]:- قال القرطبي: وهذا اختيار الطبري.
[4116]:- جاء في اللسان: "كبش القوم: رئيسهم وسيدهم، وقيل: حاميتهم والمنظور إليه فيهم، وكبش الكتيبة: قائدها"، والبيت في "البحر المحيط"، ولم نعثر على نسبته.
[4117]:- نقل أبو حيان كلام ابن عطية في "البحر المحيط 3/278" عن (ما) المردفة على (نعم)، ثم عقب عليه بقوله: "وهو كلام متهافت، لأنه من حيث جعلها موطئة مهيئة لا تكون اسما، ومن حيث جعلها بمعنى (الذي) لا تكون مهيئة موطئة- فتدافعا".