بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

قوله تعالى :

{ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إِلَى أَهْلِهَا } وذلك أن مفتاح الكعبة كان في يد بني شيبة ، وكانت السقاية في يد بني هاشم ، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن طلحة وقال له : هات المفتاح . فخشي عثمان أن يعطيه إلى عمه العباس ، فجاء بالمفتاح وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : خذه بأمانة الله : فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت ، فإذا فيه تمثال إبراهيم عليه السلام مصور على الحائط ، وبيده قداح ، وعنده إسماعيل والكبش مصوران ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قَاتَلَ الله الكُفَّارَ مَا لإبْرَاهِيمَ والقِدَاحِ » فأمر بالصور فمحيت ، فقضى حاجته من البيت ثم خرج ، فطلب منه العباس بأن يدفع إليه المفتاح ، فنزلت هذه الآية { إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إِلَى أَهْلِهَا } ثم صارت الآية عامة لجميع الناس برد الأمانات إلى أهلها . ويقال : نزلت في شأن اليهود ، حيث كتموا نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانت أمانة عندهم فمنعوها . ويقال : هذا أمر لجميع المسلمين بأداء الفرائض وجميع الطاعات ، لأنها أمانة عندهم كقوله تعالى { إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة . . . إِلَى قَوْلُهُ : وَحَمَلَهَا الإنسان } .

ثم قال تعالى : { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس أَن تَحْكُمُواْ بالعدل } يقول : بالحق ، وقال الضحاك : { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس } أي بين القوم { أَن تَحْكُمُواْ بالعدل } أي بالبينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه { إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } يعني يأمركم بالعدل والنصيحة ، والاستقامة ، وأداء الأمانة { إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً } بمقالة العباس { بَصِيراً } بردِّ المفتاح إلى أهله . قرأ ابن عامر والكسائي وحمزة { نِعِمَّا } بنصب النون وكسر العين والاختلاف فيه كالاختلاف الذي في سورة البقرة ، وذلك قوله تعالى { إِن تُبْدُواْ الصدقات فَنِعِمَّا هِيَ }