تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

الآية 58

وقوله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها }قيل : " لما فتح الله مكة على [ يد ] {[5796]} رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال {[5797]} العباس رضي الله عنه : يا رسول الله لو جعلت السقاية والحجابة فينا ؛ فأخذ مفاتيح الكعبة من ولد شيبة ، فدفعها إلى العباس ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ، مفاتيح الكعبة ، فردها إلى ولد شيبة ، فردها إلى ولد شيبة . قال النبي صلى الله عليه وسلم ، يا عم إن الله تعالى أحب أن يرزأ ، ولا يرزأ أشياء " [ بمعناه السيوطي في الدر المنثور 2/570 ) وقيل : إنها نزلت في الأمراء في الفيء الذي استأمنهم على [ جمعه وقسمته ] {[5798]} والصدقات التي استأمنتهم على جمعها وقسمتها .

والآية يجب أن تكون نازلة في كل أمانة ائتمن المرء فيها {[5799]} من نحو ما كان بينه وبين ربه وما كان فيها بين الخلق . أما ما كان في ما بينه وبين ربه فمن {[5800]} نحو العبادات التي أمر بأدائها ومن نحو تعليم[ العلم ] {[5801]} الذي رزقه الله تعالى له كقوله سبحانه وتعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض } الآية ( الأحزاب : 72 ) وكقوله تعالى : { كونوا قوامين لله شهداء بالقسط } الآية ( المائدة : 8 ) وكقوله تعالى : { وإذا حكمت بين الناس أن تحكموا بالعدل }( النساء : 58 ) . كل ذلك أمانة تدخل في قوله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } وكذلك كل أمانة يؤتمن المرء عليها تدخل في ذلك .

ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أد الأمانة إلى من ائتمنك عليها ولا تخن من خانك " ( أبو داوود 3535 ) .

ومن قال نزلت في الأمراء استدل بقوله تعالى : { أن تحكموا بالعدل } لأن الحكم إلى الأمراء . وعن ابن عباس رضي الله عنه ، { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } قال : ( هي مبهمة ، المؤمن والكافر سواء ؟ ) .

وقوله تعالى : { إن الله نعما يعظكم به } من الحكومة وأداء الأمانات إلى أهلها { إن الله كان سميعا بصيرا }يحتمل مجيبا لمن دعاه[ دعاه ، وسأله ] {[5802]} كقوله عز وجل : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إن دعان } ( البقرة : 186 ) يجيب لمن استجابه ، وأدى الأمانة . ويحتمل{ سميعا بصيرا } أي لا يخفى عليه شيء .

واختلف أهل العلم في العارية إذا ضاعت ؛ قال أصحابنا ، رحمهم الله : لا شيء عليه . وقال غيرهم : عليه الضمان . ولأصحابنا ، رحمهم الله ، عدة الحجج :

أحدها {[5803]} : أن المستعير إن ليس القميص ، أو ركب الدابة ، أو حمل عليها ، ما أذن له في حمله عليها ، وأصابها في ذلك نقصان في قيمتها ، فلا شيء عليه . فإذا لم يكن عليه ضمان في ما وقع بها من الضرر والنقص بفعله ولبسه وركوبه فلا يجب عليه ضمان ما هلك منها بغير فعله .

والثانية : {[5804]} ما روي عن [ أبي حنيفة ] {[5805]}عن علي رضي الله عنه [ أنه ] {[5806]} قال : ( العارية ليست {[5807]} بتبعة ولا مضمونة إنما هي معروفة إلا أن [ لا ] {[5808]} تخالف ) . وروي عن الحسن [ أنه ] {[5809]} قال : ( إذا خالف صاحب العارية ضمن ) واحتج من خالف من أصحابنا في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " على اليد أن ترد ما أخذت إذا[ كانت قائمة ] {[5810]} عليها ردها " [ أبو داوود 3561 ] . ألا ترى أن الوديعة لا تضمن إذا تلفت . وعليه أن يردها إذا كانت قائمة ؟ فالعارية مثلها ؟ .

والثالثة {[5811]} : أن يحتمل معنى ذلك في الغصب وأشياعه . فعلى الغاصب أن يردها [ قائمة أو تالفة ] {[5812]} . ولا يدخل في عموم الخبر العارية . ألا ترى أن الوديعة لم تدخل فيه[ وإن كان فيه أخذ ] {[5813]} ؟ .

واحتجوا أيضا بحديث صفوان [ بن أمية ] {[5814]} " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان يوم حنين أدرعا ؛ فقال : أغضب يا محمد ؟ فقال : بل عارية مضمونة " [ أبو داوود 3562 ] وروي في خبر آخر " أن [ رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب يوم حنين من صفوان ابن أمية أدرعا ] {[5815]} فقال : يا صفوان هل عندك من سلاح ؟ قال : عارية أو غصبا ؟ قال : بل عارية ، فأعاره ، ولم يذكر فيه الضمان " [ أبو داوود3563 ] .

فهي {[5816]} عندنا ، إن ثبت خبر صفوان ، على المستعير رد العارية ، ليست {[5817]} كالوديعة ، لأن الوديعة ما لم يطلب صاحبها [ ردها لا ] {[5818]} ترد . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤيد قولنا ، وهو قوله : " العارية مؤداة " [ البيهقي في الكبرى 6/88 ]

وقوله تعالى : { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكوا بالعدل } كقوله {[5819]} عز وجل : { إن الله يأمر بالعدل وبالإحسان وإيتاء ذي القربى } فمن ولي أمرا وحكما في ما بين الناس فقد ولي الأمانة ، وعليه {[5820]} أن يؤديها إلى أهلها .

وعلى ذلك جاءت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ما من أحد يكون على شيء من هذه الأمور ، قلت ، أو كثرت فلا يعدل فيها ألا أكبه الله تعالى في النار " ( بمعناه أحمد 6/3 ) . وفي خبر آخر : " أي ما امرئ ولي من أمر الناس شيئا ، ثم لم يجعلهم مثل ما يحوط به نفسه وأهله لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة " ( البخاري 7150 ) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه [ أنه ] قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أحب الناس إلي وأقربهم مجلسا مني يوم القيامة إمام عادل ، وإن أبغض الناس إلي يوم القيامة وأشدهم عذابا إمام جائر " )( الترمذي 1329 ) .


[5796]:ساقطة من الأصل وم.
[5797]:في الأصل وم: فقال.
[5798]:في الأصل وم: جمعها وقسمتها.
[5799]:من م، في الأصل: فيهما.
[5800]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[5801]:من م، ساقطة من الأصل.
[5802]:من الأصل وم: دعل له وسأله.
[5803]:من م، في الأصل: أحدهما.
[5804]:في الأصل وم: والثاني.
[5805]:في الأصل:ابن حنيفة، ابن الحنفية.
[5806]:ساقطة من الأصل وم.
[5807]:في الأصل وم:ليس.
[5808]:ساقطة من الأصل وم.
[5809]:ساقطة من الأصل وم.
[5810]:في اًل وم: كان قائما.
[5811]:في الأصل وم: والثاني.
[5812]:في الأصل وم: قائما أو تالفا.
[5813]:من م، في الأصل: أخذ.
[5814]:ساقطة من الأصل وم.
[5815]:في الأصل وم: صفوان هرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد حنينا.
[5816]:في الأصل وم: فهو.
[5817]:في الأصل وم: ليس.
[5818]:في الأصل وم: لم.
[5819]:في الأصل وم: وقال.
[5820]:في الأصل: يجب،في م: عليه يجب.ساقطة من الأصل وم.