وقوله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها }قيل : " لما فتح الله مكة على [ يد ] {[5796]} رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال {[5797]} العباس رضي الله عنه : يا رسول الله لو جعلت السقاية والحجابة فينا ؛ فأخذ مفاتيح الكعبة من ولد شيبة ، فدفعها إلى العباس ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ، مفاتيح الكعبة ، فردها إلى ولد شيبة ، فردها إلى ولد شيبة . قال النبي صلى الله عليه وسلم ، يا عم إن الله تعالى أحب أن يرزأ ، ولا يرزأ أشياء " [ بمعناه السيوطي في الدر المنثور 2/570 ) وقيل : إنها نزلت في الأمراء في الفيء الذي استأمنهم على [ جمعه وقسمته ] {[5798]} والصدقات التي استأمنتهم على جمعها وقسمتها .
والآية يجب أن تكون نازلة في كل أمانة ائتمن المرء فيها {[5799]} من نحو ما كان بينه وبين ربه وما كان فيها بين الخلق . أما ما كان في ما بينه وبين ربه فمن {[5800]} نحو العبادات التي أمر بأدائها ومن نحو تعليم[ العلم ] {[5801]} الذي رزقه الله تعالى له كقوله سبحانه وتعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض } الآية ( الأحزاب : 72 ) وكقوله تعالى : { كونوا قوامين لله شهداء بالقسط } الآية ( المائدة : 8 ) وكقوله تعالى : { وإذا حكمت بين الناس أن تحكموا بالعدل }( النساء : 58 ) . كل ذلك أمانة تدخل في قوله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } وكذلك كل أمانة يؤتمن المرء عليها تدخل في ذلك .
ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أد الأمانة إلى من ائتمنك عليها ولا تخن من خانك " ( أبو داوود 3535 ) .
ومن قال نزلت في الأمراء استدل بقوله تعالى : { أن تحكموا بالعدل } لأن الحكم إلى الأمراء . وعن ابن عباس رضي الله عنه ، { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } قال : ( هي مبهمة ، المؤمن والكافر سواء ؟ ) .
وقوله تعالى : { إن الله نعما يعظكم به } من الحكومة وأداء الأمانات إلى أهلها { إن الله كان سميعا بصيرا }يحتمل مجيبا لمن دعاه[ دعاه ، وسأله ] {[5802]} كقوله عز وجل : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إن دعان } ( البقرة : 186 ) يجيب لمن استجابه ، وأدى الأمانة . ويحتمل{ سميعا بصيرا } أي لا يخفى عليه شيء .
واختلف أهل العلم في العارية إذا ضاعت ؛ قال أصحابنا ، رحمهم الله : لا شيء عليه . وقال غيرهم : عليه الضمان . ولأصحابنا ، رحمهم الله ، عدة الحجج :
أحدها {[5803]} : أن المستعير إن ليس القميص ، أو ركب الدابة ، أو حمل عليها ، ما أذن له في حمله عليها ، وأصابها في ذلك نقصان في قيمتها ، فلا شيء عليه . فإذا لم يكن عليه ضمان في ما وقع بها من الضرر والنقص بفعله ولبسه وركوبه فلا يجب عليه ضمان ما هلك منها بغير فعله .
والثانية : {[5804]} ما روي عن [ أبي حنيفة ] {[5805]}عن علي رضي الله عنه [ أنه ] {[5806]} قال : ( العارية ليست {[5807]} بتبعة ولا مضمونة إنما هي معروفة إلا أن [ لا ] {[5808]} تخالف ) . وروي عن الحسن [ أنه ] {[5809]} قال : ( إذا خالف صاحب العارية ضمن ) واحتج من خالف من أصحابنا في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " على اليد أن ترد ما أخذت إذا[ كانت قائمة ] {[5810]} عليها ردها " [ أبو داوود 3561 ] . ألا ترى أن الوديعة لا تضمن إذا تلفت . وعليه أن يردها إذا كانت قائمة ؟ فالعارية مثلها ؟ .
والثالثة {[5811]} : أن يحتمل معنى ذلك في الغصب وأشياعه . فعلى الغاصب أن يردها [ قائمة أو تالفة ] {[5812]} . ولا يدخل في عموم الخبر العارية . ألا ترى أن الوديعة لم تدخل فيه[ وإن كان فيه أخذ ] {[5813]} ؟ .
واحتجوا أيضا بحديث صفوان [ بن أمية ] {[5814]} " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان يوم حنين أدرعا ؛ فقال : أغضب يا محمد ؟ فقال : بل عارية مضمونة " [ أبو داوود 3562 ] وروي في خبر آخر " أن [ رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب يوم حنين من صفوان ابن أمية أدرعا ] {[5815]} فقال : يا صفوان هل عندك من سلاح ؟ قال : عارية أو غصبا ؟ قال : بل عارية ، فأعاره ، ولم يذكر فيه الضمان " [ أبو داوود3563 ] .
فهي {[5816]} عندنا ، إن ثبت خبر صفوان ، على المستعير رد العارية ، ليست {[5817]} كالوديعة ، لأن الوديعة ما لم يطلب صاحبها [ ردها لا ] {[5818]} ترد . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤيد قولنا ، وهو قوله : " العارية مؤداة " [ البيهقي في الكبرى 6/88 ]
وقوله تعالى : { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكوا بالعدل } كقوله {[5819]} عز وجل : { إن الله يأمر بالعدل وبالإحسان وإيتاء ذي القربى } فمن ولي أمرا وحكما في ما بين الناس فقد ولي الأمانة ، وعليه {[5820]} أن يؤديها إلى أهلها .
وعلى ذلك جاءت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ما من أحد يكون على شيء من هذه الأمور ، قلت ، أو كثرت فلا يعدل فيها ألا أكبه الله تعالى في النار " ( بمعناه أحمد 6/3 ) . وفي خبر آخر : " أي ما امرئ ولي من أمر الناس شيئا ، ثم لم يجعلهم مثل ما يحوط به نفسه وأهله لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة " ( البخاري 7150 ) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه [ أنه ] قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أحب الناس إلي وأقربهم مجلسا مني يوم القيامة إمام عادل ، وإن أبغض الناس إلي يوم القيامة وأشدهم عذابا إمام جائر " )( الترمذي 1329 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.