الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

أخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } قال : " لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن أبي طلحة ، فلما أتاه قال : أرني المفتاح . فأتاه به ، فلما بسط يده إليه قدم العباس فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجعله لي مع السقاية . فكف عثمان يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرني المفتاح يا عثمان . فبسط يده يعطيه ، فقال العباس مثل كلمته الأولى . فكف عثمان يده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح . فقال : هناك بأمانة الله . فقام ففتح باب الكعبة ، فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم معه قداح يستقسم بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما للمشركين - قاتلهم الله - وما شأن إبراهيم وشأن القداح ؟ ، ثم دعا بجفنة فيها ماء ، فأخذ ماء فغمسه ثم غمس بها تلك التماثيل ، وأخرج مقام إبراهيم وكان في الكعبة ، ثم قال : يا أيها الناس هذه القبلة ، ثم خرج فطاف بالبيت ، ثم نزل عليه جبريل فيما ذكر لنا برد المفتاح ، فدعا عثمان بن طلحة فأعطاه المفتاح ، ثم قال { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ( النساء الآية 58 ) حتى فرغ من الآية " .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } قال : " نزلت في عثمان بن طلحة ، قبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة ودخل به البيت يوم الفتح ، فخرج وهو يتلو هذه الآية ، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح قال : وقال عمر بن الخطاب : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة وهو يتلو هذه الآية - فداؤه أبي وأمي - ما سمعته يتلوها قبل ذلك " .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة ، لا ينزعها منكم إلا ظالم . يعني حجابة الكعبة " .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها . . } الآية . قال : أنزلت هذه الآية في ولاة الأمر ، وفيمن ولي من أمور الناس شيئا .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب قال : نزلت في الأمراء خاصة { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } .

وأخرج سعيد بن منصور والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال : حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ، وأن يؤدي الأمانة ، فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له وأن يطيعوا ، وأن يجيبوا إذا دعوا .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } قال : يعني السلطان يعطون الناس .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } قال : هي مسجلة للبر والفاجر .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال : هذه الأمانات فيما بينك وبين الناس ، في المال وغيره .

وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : إن القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة ، يجاء بالرجل يوم القيامة وإن كان قتل في سبيل الله فيقال له : أد أمانتك . فيقول : من أين وقد ذهبت الدنيا ! فيقال : انطلقوا به إلى الهاوية ، فينطلق فتمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه في قعر جهنم ، فيحملها فيصعد بها حتى إذا ظن أنه خارج بها ، فهزلت من عاتقه فهوت وهوى معها أبد الآبدين . قال زاذان : فأتيت البراء بن عازب فقلت : أما سمعت ما قال أخوك ابن مسعود ؟ قال : صدق ، إن الله يقول { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } والأمانة في الصلاة ، والأمانة في الغسل من الجنابة ، والأمانة في الحديث ، والأمانة في الكيل والوزن ، والأمانة في الدين ، وأشد ذلك في الودائع .

وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } قال : إنه لم يرخص لموسر ولا لمعسر .

وأخرج ابن جرير عن قتادة في الآية عن الحسن . أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " .

وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي صالح عن أبي هريرة . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " .

وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اتئمن خان " .

وأخرج البيهقي في الشعب عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا صلاة لمن لا وضوء له " .

وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة ، وصدق حديث ، وحسن خليقة ، وعفة طعمة " .

وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما يرفع من الناس الأمانة ، وآخر ما يبقى الصلاة ، ورب مصل لا خير فيه " .

وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما يرفع من هذه الأمة الحياء والأمانة فسلوهما الله عز وجل " .

وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عمر قال : لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا صيامه ، وانظروا إلى صدق حديثه إذا حدث ، وإلى أمانته إذا ائتمن ، وإلى ورعه إذا أشفى .

وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب . مثله .

وأخرج عن ميمون بن مهران قال : ثلاثة تؤدين إلى البر والفاجر : الرحم توصل كانت برة أو فاجرة ، والأمانى تؤدى إلى البر والفاجر ، والعهد يوفى به للبر والفاجر .

وأخرج عن سفيان بن عيينة قال : من لم يكن له رأس مال فليتخذ الأمانة رأس ماله .

وأخرج عن أنس قال : البيت الذي تكون فيه خيانة لا تكون فيه البركة .

وأخرج أبو داود وابن حبان وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن أبي يونس قال : " سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات } إلى قوله { كان سميعا بصيرا } ويضع إبهاميه على أذنيه والتي تليها على عينه ويقول : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها ، ويضع أصبعيه " .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عقبة بن عامر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقترئ هذه الآية { سميعا بصيرا } يقول : بكل شيء بصير .