المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} (13)

13- كي تستقروا فوق ظهورها ، ثم تذكروا نعمة خالقكم ومُربِّيكم في تسخيرها لكم عند الاستقرار عليها ، ولتقولوا - استعظاماً لتذليلها العجيب ، واعترافاً بالعجز عن ضبطها ، والتسلط عليها - : سبحان الذي ذلل لنا هذا ، وما كنا لتذليلها مطيقين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { لِتَسْتَوُواْ عَلَىَ ظُهُورِهِ ثُمّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هََذَا وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنّآ إِلَىَ رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ } .

يقول تعالى ذكره : كي تستووا على ظهور ما تركبون .

واختلف أهل العربية في وجه توحيد الهاء في قوله : على ظُهُورِهِ وتذكيرها ، فقال بعض نحويّي البصرة : تذكيره يعود على ما تركبون ، وما هو مذكر ، كما يقال : عندي من النساء من يوافقك ويسرّك ، وقد تذكّر الأنعام وتؤنث . وقد قال في موضع آخر : مِمّا في بُطُونِهِ وقال في موضع آخر : بُطُونِها . وقال بعض نحويّي الكوفة : أضيفت الظهور إلى الواحد ، لأن ذلك الواحد في معنى جمع بمنزلة الجند والجيش . قال : فإن قيل : فهلا قلت : لتستووا على ظهره ، فجعلت الظهر واحدا إذا أضفته إلى واحد . قلت : إن الواحد فيه معنى الجمع ، فردّت الظهور إلى المعنى ، ولم يقل ظهره ، فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه واحد . وكذلك تقول : قد كثر نساء الجند ، وقلت : ورفع الجند أعينه ولم يقل عينه . قال : وكذلك كلّ ما أضفت إليه من الأسماء الموصوفة ، فأخرجها على الجمع ، وإذا أضفت إليه اسما في معنى فعل جاز جمعه وتوحيده ، مثل قولك : رفع العسكر صوتَه ، وأصواته أجود وجاز هذا لأن الفعل لا صورة له في الاثنين إلاّ الصورة في الواحد .

وقال آخر منهم : قيل : لتستووا على ظهره ، لأنه وصف للفلك ، ولكنه وحد الهاء ، لأن الفلك بتأويل جمع ، فجمع الظهور ووحد الهاء ، لأن أفعال كل واحد تأويله الجمع توحد وتجمع مثل : الجند منهزم ومنهزمون ، فإذا جاءت الأسماء خرج على الأسماء لا غير ، فقلت : الجند رجال ، فلذلك جمعت الظهور ووحدت الهاء ، ولو كان مثل الصوت وأشباهه جاز الجند رافع صوته وأصواته .

قوله : ثُمّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبّكُمْ يقول تعالى ذكره : ثم تذكروا نعمة ربكم التي أنعمها عليكم بتسخيره ذلك لكم مراكب في البرّ والبحر إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ فتعظموه وتمجدوه ، وتقولوا تنزيها لله الذي سخر لنا هذا الذي ركبناه من هذه الفلك والأنعام ، مما يصفه به المشركون ، وتشرك معه في العبادة من الأوثان والأصنام وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب وعبيد بن إسماعيل الهباري ، قالا : حدثنا المحاربيّ ، عن عاصم الأحول ، عن أبي هاشم عن أبي مجلّز ، قال : ركبت دابة ، فقلت : سُبْحانَ الّذي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، فسمعني رجل من أهل البيت قال أبو كُرَيب والهباريّ : قال المحاربيّ : فسمعت سفيان يقول : هو الحسن بن عليّ رضوان الله تعالى عليهما ، فقال : أهكذا أمرت ؟ قال : قلت : كيف أقول ؟ قال : تقول الحمد لله الذي هدانا الإسلام ، الحمد لله الذي منّ علينا بمحمد عليه الصلاة والسلام ، الحمد لله الذي جعلنا في خير أمة أُخرجت للناس ، فإذا أنت قد ذكرت نعما عظاما ، ثم تقول بعد ذلك سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإنّا إلى رَبّنا لَمُنْقَلِبُونَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن أبي مجلّز ، أن الحسن بن عليّ رضي الله عنه ، رأى رجلاً ركب دابة ، فقال : الحمد لله الذي سخر لنا هذا ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لِتَسْتَوُوا على ظُهُورِهِ ثُمّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبّكُمْ إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ يعلمكم كيف تقولون إذا ركبتم في الفلك تقولون : بِسْمِ الله مَجْراها وَمُرْساها ، إنّ رَبّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ، وإذا ركبتم الإبل قلتم : سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وإنّا إلى رَبنَا لمُنْقَلِبُونَ ويعلمكم ما تقولون إذا نزلتم من الفلك والأنعام جميعا تقولون : اللهمّ أنزلنا منزلاً مباركا وأنت خير المنزلين .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه أنه كان إذا ركب قال : اللهمّ هذا من منّك وفضلك ، ثم يقول : سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإنّا إلى رَبّنَا لمُنْقَلِبُونَ .

وقوله : وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وما كنا له مُطِيقين ولا ضابطين ، من قولهم : قد أقرنت لهذا : إذا صرت له قرنا وأطقته ، وفلان مقرن لفلان : أي ضابط له مُطِيق . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ يقول : مُطِيقين .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عَزّ وَجَلّ : مُقْرِنِينَ قال : الإبل والخيل والبغال والحمير .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ : أي مطيقين ، لا والله لا في الأيدي ولا في القوّة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ قال : في القوّة .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ قال : مطيقين .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله جلّ ثناؤه : سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ قال : لسنا له مطيقين ، قال : لا نطيقها إلاّ بك ، لولا أنت ما قوينا عليها ولا أطقناها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} (13)

واللام في قوله : { لتستووا } لام الأمر ، ويحتمل أن تكون لام كي ، و { ما } في قوله : { ما تركبون } واقعة على النوع المركوب ، والضمير في : { ظهوره } عائد على النوع الذي وقعت عليه { ما } .

وقد بينت آية ما يقال عند ركوب الفلك ، وهو : { باسم الله مجراها ومرساها ، إن ربي لغفور رحيم }{[10185]} وإنما هذه خاصة فيما يركب من الحيوان ، ويقال عند النزول منها : اللهم أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين . والسنة للراكب إذا ركب أن يقول : الحمد لله على نعمة الإسلام ، أو على النعمة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، أو على النعمة في كل حال ، وقد روي هذا اللفظ عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { سبحان الذي }{[10186]} الآية ، وركب أبو مجلز لاحق بن حميد وقال : «سبحان الله » الآية ، ولم يذكر نعمة ، وسمعه الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال : ما هكذا أمرتم ، قال أبو مجلز ، فقلت له : كيف أقول ؟ قال : قل الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، أو نحو هذا ، ثم تقول بعد ذلك : { سبحان الذي } الآية ، وكان طاوس إذا ركب قال : اللهم هذا من منك وفضلك ، ثم يقول : { سبحان الذي } الآية ، وإن قدرنا أن ذكر النعمة هو بالقلب والتذكير بدأ الراكب : ب { سبحان الذي سخر } ، وهو يرى نعمة الله في ذلك وفي سواه .

والمقرن : الغالب الضابط المستولي على الأمر المطيق له . وروي أن بعض الأعراب ركب جملاً فقيل له قل : { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } فقال : أما والله إني لمقرن تياه ، فضرب به الجمل فوقصه فقتله .


[10185]:من الآية (41) من سورة هود.
[10186]:حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه رواه الإمام أحمد عن علي بن ربيعة، ورواه أبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث أبي الأحوص، وقال الترمذي: حسن صحيح، وزاد النسائي ومنصور عن علي بن ربيعة الوالبي به، وزاد الإمام السيوطي نسبته إلى الطيالسي، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والحديث كما ذكره السيوطي: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتي بدابة، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثلاثا، والله أكبر، ثلاثا، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، سبحانك لا إله إلا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقلت: مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ضحك، فقلت: يا رسول اله مم ضحكت؟ فقال: يعجب الرب من عبده إذا قال رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري.