القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ قَالُواْ رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنّةِ الّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ وحده لا شريك له ، وبرئوا من الاَلهة والأنداد ، ثُمّ اسْتَقامُوا على توحيد الله ، ولم يخلطوا توحيد الله بشرك غيره به ، وانتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى .
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله أهل التأويل على اختلاف منهم ، في معنى قوله : ثُمّ اسْتَقامُوا . ذكر الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا سالم بن قتيبة أبو قتيبة ، قال : حدثنا سهيل بن أبي حزم القطعي ، عن ثابت البنانيّ ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : «قد قالها الناس ، ثم كفر أكثرهم ، فمن مات عليها فهو ممن استقام » .
وقال بعضهم : معناه : ولم يشركوا به شيئا ، ولكن تموا على التوحيد . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن سعيد بن عمران ، قال : قد قرأت عند أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه هذه الاَية : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : هم الذين لم يشركوا بالله شيئا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان بإسناده ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، مثله .
قال حدثنا جرير بن عبد الحميد ، وعبد الله بن إدريس ، عن الشيباني ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن الأسود بن هلال ، عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لأصحابه إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : قالوا : ربنا الله ثم عملوا بها ، قال : لقد حملتموها على غير المحمل إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا الذين لم يعدلوها بشرك ولا غيره .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا الشيباني ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن الأسود بن هلال المحاربي ، قال : قال : أبو بكر : ما تقولون في هذه الاَية : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : فقالوا : ربنا الله ثم استقاموا من ذنب ، قال . فقال أبو بكر : لقد حملتم على غير المحمل ، قالوا : ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفوا إلى إله غيره .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : أي على : لا إله إلا الله .
قال : ثنا حكام عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : أسلموا ثم لم يشركوا به حتى لحقوا به .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال هم الذين قالوا ربنا الله لم يشركوا به حتى لقوه .
قال : ثنا حكام ، قال : حدثنا عمرو ، عن منصور ، عن جامع بن شداد ، عن الأسود بن هلال مثل ذلك .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : تموا على ذلك .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة قوله : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله .
وقال آخرون : معنى ذلك : ثم استقاموا على طاعته . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن منيع ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : حدثنا يونس بن يزيد عن الزهري ، قال : تلا عمر رضي الله عنه على المنبر : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : استقاموا والله بطاعته ، ولم يروغوا روغان الثعلب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال استقاموا على طاعة الله . وكان الحسن إذا تلاها قال : اللهمّ فأنت ربنا فارزقنا الاستقامة .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا يقول : على أداء فرائضه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : على عبادة الله وعلى طاعته .
وقوله : تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ يقول : تتهبط عليهم الملائكة عند نزول الموت بهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله : تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أنْ لاَ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا قال : عند الموت .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ قال : عند الموت .
وقوله : أنْ لاَ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا يقول : تتنزل عليهم الملائكة بأن لا تخافوا ولا تحزنوا فإن في موضع نصب إذا كان ذلك معناه .
وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرأ ذلك «تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أنْ لاَ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا » بمعنى : تتنزّل عليهم قائلة : لا تخافوا ، ولا تحزنوا . وعنى بقوله : لا تَخافُوا ما تقدمون عليه من بعد مماتكم وَلا تَحْزَنُوا على ما تخلفونه وراءكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ أنْ لاَ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا قال لا تخافوا ما أمامكم ، ولا تحزنوا على ما بعدكم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا يحيى بن حسان ، عن مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أنْ لاَ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا قال : لا تخافوا ما تقدمون عليه من أمر الاَخرة ، ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم من أهل وولد ، فإنا نخلفكم في ذلك كله .
وقيل : إن ذلك في الاَخرة . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أنْ لاَ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وأبْشِرُوا بالجَنّةِ فذلك في الاَخرة .
وقوله : وأبْشِرُوا بالجَنّةِ التي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ يقول : وسرّوا بأن لكم في الاَخرة الجنة التي كنتم توعدونها في الدنيا على إيمانكم بالله ، واستقامتكم على طاعته ، كما :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وأبْشِرُوا بالجَنّةِ التي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ في الدنيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.