ثم ختم - سبحانه - السورة بقوله : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم } ، والمراد بالنعيم هنا : ما يتنعم به الإِنسان خلال حياته الدنيوية من مال وولد ، ومن طعام وشراب ، ومن متعه وشهوة . . من النعومة التى هى ضد الخشونة .
أى : ثم إنكم بعد ذلك - أيها الناس - والله لتسألن يوم القيامة عن ألوان النعم التى منحكم الله - تعالى - إياها ، فمن أدى ما يجب عليه نحوها من شكر الله - تعالى - عليها كان من السعداء ، ومن جحدها وغمطها وشغلته عن طاعة ربه ، وتباهى وتفاخر بها . . كان من الأشقياء ، كما قال - تعالى - : { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } فالمراد بالسؤال إنما هو سؤال التكريم والتبشير للمؤمنين الشاكرين ، وسؤال الإِهانة والتوبيخ للفاسقين الجاحدين .
والآية الكريمة دعوة حارة للناس ، إلى شكر نعمة - تعالى - واستعمالها فيما خلقت له .
قال القرطبى ما ملخصه : والسؤال يكون للمؤمن والكافر . . والجمع بين الأخبار التى وردت فى ذلك : أن الكل يسألون ، ولكن سؤال الكافر توبيخ ؛ لأنه قد ترك الشكر ، وسؤال المؤمن سؤال تشريف ؛ لأنه قد شكر ، وهذا النعيم فى كل نعمة .
ثم أخبر تعالى أن الناس مسؤولون يومئذ عن نعيمهم في الدنيا كيف نالوه ؟ ولم آثروه ؟ ويتوجه في هذا أسولة كثيرة بحسب شخص شخص ، هي منقادة لمن أعطي فهما في كتاب الله تعالى ، وقال ابن مسعود والشعبي وسفيان ومجاهد : النعيم هو الأمن والصحة ، وقال ابن عباس : هو البدن والحواس يسأل المرء فيما استعملهما ؟ وقال ابن جبير : هو كل ما يتلذذ به من طعام وشراب ، وأكل رسول الله عليه السلام هو وبعض أصحابه رطبا ، وشربوا عليه ماء ، فقال لهم : هذا من النعيم الذي تسألون عنه{[11967]} ، ومضى عليه الصلاة والسلام يوما هو وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما -وقد جاعوا- الى منزل أبي الهيثم بن التيهان ، فذبح لهم شاة ، وأطعمهم خبزا ورطبا ، واستعذب لهم ماء ، وكانوا في ظل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم " {[11968]} . وروي عنه عليه السلام أنه قال : " النعيم المسؤول عنه كسرة تقوته ، وماء يرويه ، وثوب يواريه " {[11969]} . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن النعيم المسؤول عنه الماء البارد في الصيف " {[11970]} وقال عليه الصلاة والسلام : " من أكل خبز البر ، وشرب الماء البارد في ظل ، فذلك النعيم الذي يسأل عنه " {[11971]} ، وقال عليه الصلاة والسلام : " بيت يكنك ، وخرقة تواريك ، وكسرة تشد قلبك ، وما سوى ذلك فهو نعيم " {[11972]} ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام : " كل نعيم فهو مسؤول عنه ، إلا نعيما في سبيل الله عز وجل " {[11973]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.