المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِنَا فَقُلۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۖ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (54)

54- وإذا جاءك الذين يصدقون بالقرآن فقل لهم تكريماً لهم : سلام عليكم ، أبشركم برحمة الله الواسعة ، التي أوجبها على نفسه تفضلا منه ، والتي تقضى بأن من عمل منكم سيئة غير متدبر نتائجها ، ثم رجع إلى الله نادماً تائباً ، وأصلح أعماله ، غفر الله له ، لأنه كثير المغفرة واسع الرحمة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِنَا فَقُلۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۖ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (54)

السلام والسلامة مصدران من الثلاثى . يقال سلم فلان من المرض أو من البلاء سلاماً وسلامة ومعناهما البراءة والعافية . ويستعمل السلام فى التحية ، وهو بمعنى الدعاء بالسلامة من كل سوء ، فهو آية المودة والأمان والصفاء .

والمعنى : وإذا حضر إلى مجالسك يا محمد أولئك الذين يؤمنون بآياتنا ويعتقدون صحتها فقل لهم : تحية لكم من خالقكم وبشارة لكم بمغفرته ورضوانه ما دمتم متبعين لهديه ، ومحافظين على فرائضه .

{ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة } أى أنه سبحانه أوجب على نفسه الرحمة لعباده تفضلا منه وكرما .

ثم بين سبحانه أصلا من أصول الدين فى هذه الرحمة المكتوبة فقال { أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سواءا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

أى أنه من عمل منكم عملا تسوء عاقبته متلبساً بجهالة دفعته إلى ذلك السوء كغضب شديد ثم تاب من بعد تكل الجهالة وأصلح خطأه وندم على ما بدر منه ، ورد المظالم إلى أهلها ، فالله سبحانه شأنه فى معاملته لهذا التائب النادم " أنه غفور رحيم " .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِنَا فَقُلۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۖ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (54)

{ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة } الذين يؤمنون هم الذين يدعون ربهم وصفهم بالإيمان بالقرآن واتباع الحجج بعدما وصفهم بالمواظبة على العبادة ، وأمره بأن يبدأ بالتسليم أو يبلغ سلام الله تعالى إليهم ويبشرهم بسعة رحمة الله تعالى وفضله بعد النهي عن طردهم ، إيذانا بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل ، ومن كان كذلك ينبغي أن يقرب ولا يطرد ، ويعز ولا يذل ، ويبشر من الله بالسلامة في الدنيا والرحمة في الآخرة . وقيل إن قوم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا أصبنا ذنوبا عظاما فلم يرد عليهم شيئا فانصرفوا فنزلت . { أنه من عمل منكم سوءا } استئناف بتفسير الرحمة . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالفتح على البدل منها . { بجهالة } في موضع الحال أي ملتبسا بفعل الجهالة فإن ارتكاب ما يؤدي إلى الضرر من أفعال أهل السفه والجهل . { ثم تاب من بعده } بعد العمل أو السوء . { وأصلح } بالتدارك والعزم على أن لا يعود إليه { فأنه غفور رحيم } فتحه من فتح الأول غير نافع على إضمار مبتدأ أو خبر أي فأمره أو فله غفرانه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِنَا فَقُلۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۖ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (54)

قال جمهور المفسرين : { الذين } يراد بهم القوم الذين كان ُعرض طردهم فنهى الله عز وجل عن طردهم ، وشفع ذلك بأن أمر بأن يسلم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ويؤنسهم ، وقال عكرمة وعبد الرحمن بن زيد { الذين } يراد بهم القوم من المؤمنين الذين صوبوا رأي أبي طالب في طرد الضعفة فأمر الله نبيه أن يسلم عليهم ويعلمهم أن الله يغفر لهم مع توبتهم من ذلك السوء وغيره ، وأسند الطبري عن ماهان أنه قال نزلت الآية في قوم من المؤمنين استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذنوب سلفت منهم فنزلت الآية بسببهم .

قال القاضي أبو محمد : وهي على هذا تعم جميع المؤمنين دون أن تشير إلى فرقة ، وقال الفضيل بن عياض : قال قوم للنبي صلى الله عليه وسلم إنَّا قد أصبنا ذنوباً فاستغفر لنا فأعرض عنهم فنزلت الآية ، وقوله { بآياتنا } يعم آيات القرآن وأيضاً علامات النبوة كلها ، و { سلام عليكم } ابتداء والتقدير : سلام ثابت أو واجب عليكم ، والمعنى : أمنة لكم من عذاب الله في الدنيا والآخرة ، وقيل المعنى أن الله يسلم عليكم .

قال القاضي أبو محمد : وهذا معنى لا يقتضيه لفظ الآية حكاه المهدوي ، ولفظه لفظ الخبر وهو في معنى الدعاء ، وهذا من المواضع التي جاز فيها الابتداء بالنكرة إذ قد تخصصت ، و { كتب } بمعنى أوجب ، والله تعالى لا يجب عليه شيء عقلاً إلا إذا أعلمنا أنه قد حتم بشيء ما فذلك الشيء واجب ، وفي : أين هذا الكتاب اختلاف ؟ قيل في اللوح المحفوظ ، وقيل في كتاب غيره لقوله عليه السلام في صحيح البخاري : إن الله تعالى كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي{[4933]} .

وقرأ عاصم وابن عامر : «أنه » بفتح الهمزة في الأولى والثانية ، ف «أنه » الأولى بدل من الرحمة و «أنه » الثانية خبر ابتداء مضمر تقديره : فأمره أنه غفور رحيم ، هذا مذهب سيبويه وقال أبو حاتم «فإنه » ابتداء ولا يجوز هذا عند سيبويه ، وقال النحاس : هي عطف على الأولى وتكرير لها لطول الكلام ، قال أبو علي . ذلك لا يجوز لأن { من } لا يخلو أن تكون موصولة بمعنى الذي فتحتاج إلى خبر أو تكون شرطية فتحتاج إلى جواب ، وإذا جعلنا «فأنه » تكريراً للأولى عطفاً عليها بقي المبتدأ بلا خبر أو الشرط بلا جواب ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي «إنه » بكسر الهمزة في الأولى والثانية ، وهذا على جهة التفسير للرحمة في الأولى والقطع فيها ، وفي الثانية إما في موضع الخبر أو موضع جواب الشرط وحكم ما بعد الفاء إنما هو الابتداء ، وقرأ نافع بفتح الأولى وكسر الثانية ، وهذا على أن أبدل من الرحمة واستأنف بعد الفاء ، وقرأت فرقة بكسر الأولى وفتح الثانية حكاه الزهراوي عن الأعرج وأظنه وهماً ، لأن سيبويه حكاه عن الأعرج مثل قراءة نافع ، وقال أبو عمرو الداني : قراءة الأعرج ضد قراءة نافع ، و «الجهالة » في هذا الموضع تعم التي تضاد العلم والتي ُتَشَّبه بها ، وذلك أن المتعمد لفعل الشيء الذي قد نهي عنه تشمل معصيته تلك جهالة ، إذ قد فعل ما يفعله الذي لم يتقدم له علم ، قال مجاهد : من الجهالة أن لا يعلم حلالاً من حرام ومن جهالته أن يركب الأمر ، ومن هذا الذي لا يضاد العلم قول النبي عليه السلام في استعاذته «أو أجهل أو يجهل عليّ »{[4934]} ، ومنه قول الشاعر [ عمرو بن كثلوم ] : [ الوافر ]

ألاَ لاَ يَجْهَلَنْ أحَدُ عَلَيْنَا . . . فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا{[4935]}

والجهالة المشبهة ليست بعذر في الشرع جملة والجهالة الحقيقية يعذر بها في بعض ما يخف من الذنوب ولا يعذر بها في كبيرة ، و «التوبة » الرجوع ، وصحتها مشروطة باستدامة الإصلاح بعدها في الشيء الذي تيب منه .


[4933]:-الحديث في الصحيحين، ورواه الإمام أحمد عن همام بن منبه قال: هذا ما حدث أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما قضى الله على الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي). وقد رواه ابن مردويه من طريق الحكم ابن أبان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فرغ الله من القضاء بين الخلق أخرج كتابا من تحت العرش: إن رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة أو قبضتين فيخرج من النار خلقا لم يعملوا خيرا مكتوب بين أعينهم: عتقاء الله).
[4934]:- الحديث: (اللهم إني أعوذ بك أن أجهل أو يُجهل عليّ إلى آخره). رواه ابن ماجة في (دعاء)، وأبو داود في (الأدب) والنسائي في (الاستعاذة)و الترمذي في (دعوات).
[4935]:- البيت لعمرو بن كلثوم من قصيدته المشهورة التي بدأها بقوله: ألا هبي بصحنك فاصبحينا ولا تبقى خمور الأندرينا ومعنى قوله: "فنجهل فوق جهل الجاهلينا" أننا نهلكهم ونعاقبهم بما هو أعظم من جهلهم وقد نسب الجهل إلى نفسه وهو يريد المعاقبة الشديدة ليزدوج اللفظان فتكون اللفظة الثانية مثل اللفظة الأولى مع اختلاف المعنى، لأن ذلك أخف على اللسان، قال تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} فسمى المعاقبة على العدوان عدوانا مع أن هذه المعاقبة عدل وحق، وقال تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} والثانية ليست سيئة في الحقيقة.