المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

30- إن الذين قالوا : ربنا الله إقراراً بوحدانيته ، ثم استقاموا على شريعته ، تنزل عليهم الملائكة مرة بعد مرة ، قائلين : لا تخافوا من شر ينزل بكم ، ولا تحزنوا على خير يفوتكم ، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون بها على لسان الأنبياء والمرسلين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

وكعادة القرآن فى المقارنة بين عاقبة الأشرار وعاقبة الأخيار ، جاء الحديث عن حسن عاقبة المؤمنين ، بعد الحديث عن سوء مصير الكافرين ، فقال - تعالى - :

{ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا . . . } .

والمعنى : إن الذين قالوا بكل صدق وإخلاص ربنا الله - تعالى - وحده ، لا شريك له لا فى ذاته ولا فى صفاته .

{ ثُمَّ استقاموا } أى : ثم ثبتوا على هذا القول ، وعملوا بما يقتضيه هذا القول من طاعة الله - تعالى - فى المنشط والمكره ، وفى العسر واليسر ، ومن اقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم فى كل أحواله .

قال صاحب الكشاف : و { ثم } لتراخى الاستقامة عن الإقرار فى المرتبة وفضلها عليه . لأن الاستقامة لها الشأن كله . ونحوه قوله - تعالى - : { إِنَّمَا المؤمنون الذين آمَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ } والمعنى : ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته .

ولقد بين لنا النبى صلى الله عليه وسلم أن الاستقامة على أمر الله جماع الخيرات ، ففى صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفى قال : " قلت : يا رسول الله " قل لى فى الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك " قال : " قل آمنت بالله ثم استقم . . "

وقوله - تعالى - : { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } بيان للآثار الطيبة التى تترتب على هذا القول المؤيد بالثبات على طاعة الله - تعالى - :

وتنزل الملائكة عليهم بهذه البشارات يشمل ما يكون فى حياتهم عن طريق إلهامهم بما يشرح صدورهم ، ويطمئن نفوسهم ، كما يشمل تبشيرهم بما يسرهم عند موتهم وعند بعثهم .

قال الآلوسى : قوله - تعالى - : { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة } قال مجاهد : عند موتهم وعن زيد بن أسلم : عند الموت ، وعند القبر ، وعند البعث ، وقيل : معنى { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ } يمدونهم فيما يعن ويطرأ لهم من الأمور الدينية والدنيوية بما يشرح صدورهم ، ويدفع عنهم الخوف والحزن بطريق الإِلهام كما أن الكفرة يغريهم ما قيض لهم من قرناء السوء بتزيين القبائح .

والخوف : غم يلحق النفس لتوقع مكروه فى المستقبل .

والحزن : غم يلحقها لفوات نفع فى الماضى .

أى : إن الذين قالوا ربنا الله باعتقاد جازم ، ثم استقاموا على طاعته فى جميع الأحوال ، تتنزل عليهم من ربهم الملائكة ، لتقول لهم فى ساعة احتضارهم وعند مفارقتهم الدنيا ، وفى كل حال من أحوالهم : لا تخافوا - أيها المؤمنون الصادقون - مما أنتم قادمون عليه فى المستقبل ، ولا تحزنوا على ما فارقتموه من أموال أو أولاد .

{ وَأَبْشِرُواْ } عما قريب ، بالجنة التى كنت توعدون بها فى الدنيا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

يقول تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } أي : أخلصوا العمل لله ، وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم .

قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا الجراح ، حدثنا سلم {[25696]} بن قتيبة أبو قتيبة الشَّعِيري ، حدثنا سهيل {[25697]} بن أبي حزم ، حدثنا ثابت{[25698]} عن أنس بن مالك قال : قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم {[25699]} ، فمن قالها حتى{[25700]} يموت فقد {[25701]} استقام عليها .

وكذا رواه النسائي في تفسيره ، والبزار وابن جرير ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن سلم {[25702]} بن قتيبة ، به{[25703]} . وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن الفلاس ، به . ثم قال ابن جرير :

حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد {[25704]} ، عن سعيد{[25705]} بن نمران{[25706]} قال : قرأت{[25707]} عند أبي بكر الصديق هذه الآية : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } قال : هم الذين لم يشركوا بالله شيئا .

ثم روي من حديث الأسود بن هلال قال : قال أبو بكر ، رضي الله عنه : ما تقولون في هذه الآية : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } ؟ قال : فقالوا : { رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } من ذنب . فقال : لقد حملتموها على غير المحمل ، { قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } فلم يلتفتوا إلى إله غيره .

وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، وغير واحد{[25708]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله الظهراني{[25709]} ، أخبرنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال : سئل ابن عباس{[25710]} ، رضي الله عنهما : أي آية في كتاب الله أرخص ؟ قال قوله : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } على شهادة أن لا إله إلا الله .

وقال الزهري : تلا عمر هذه الآية على المنبر ، ثم قال : استقاموا - والله - لله بطاعته ، ولم يروغوا روغان الثعالب .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } على أداء فرائضه . وكذا قال قتادة ، قال : وكان الحسن يقول : اللهم أنت ربنا ، فارزقنا الاستقامة .

وقال أبو العالية : { ثُمَّ اسْتَقَامُوا } أخلصوا له العمل والدين .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هُشَيْم ، حدثنا يعلى بن عطاء ، عن عبد الله بن سفيان الثقفي ، عن أبيه {[25711]} ؛ أن رجلا قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك . قال : " قل آمنت بالله ، ثم استقم " قلت : فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه .

ورواه النسائي من حديث شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، به{[25712]} .

ثم قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا إبراهيم بن سعد ، حدثني ابن شهاب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز الغامدي ، عن سفيان{[25713]} بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله ، حدثني بأمر أعتصم به . قال : " قل ربي الله ، ثم استقم " قلت : يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف لسان نفسه ، ثم قال : " هذا " .

وهكذا {[25714]} رواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث الزهري ، به{[25715]} . وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك . قال : " قل آمنت بالله ، ثم استقم " وذكر تمام الحديث{[25716]} .

وقوله : { تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ } قال مجاهد ، والسدي ، وزيد بن أسلم ، وابنه : يعني عند الموت قائلين : { أَلا تَخَافُوا } قال مجاهد ، وعكرمة ، وزيد بن أسلم : أي مما تقدمون عليه من أمر الآخرة ، { وَلا تَحْزَنُوا } [ أي ] {[25717]} على ما خلفتموه من أمر الدنيا ، من ولد وأهل ، ومال أو دين ، فإنا نخلفكم فيه ، { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير .

وهذا كما في حديث البراء{[25718]} ، رضي الله عنه : " إن الملائكة تقول لروح المؤمن : اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ، اخرجي إلى روح وريحان ، ورب غير غضبان " .

وقيل : إن الملائكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم . حكاه ابن جرير عن ابن عباس ، والسدي .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عبد السلام بن مطهر ، حدثنا جعفر بن سليمان : سمعت ثابتا قرأ سورة " حم السجدة " {[25719]} حتى بلغ : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ } فوقف فقال : بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله من قبره ، يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا ، فيقولان له : لا تخف ولا تحزن ، { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } {[25720]} قال : فيؤمن الله خوفه ، ويقر عينه فما عظيمة يخشى الناس يوم القيامة إلا هي للمؤمن قرة عين ، لما هداه الله ، ولما كان يعمل له في الدنيا .

وقال زيد بن أسلم : يبشرونه عند موته ، وفي قبره ، وحين يبعث . رواه ابن أبي حاتم .

وهذا القول يجمع الأقوال كلها ، وهو حسن جدا ، وهو الواقع .


[25696]:- (1) في أ: "مسلم".
[25697]:- (2) في أ: "سهل".
[25698]:- (3) في ت: "قال الحافظ أبو يعلى الموصلي بسنده".
[25699]:- (4) في أ: "ثم كفروا".
[25700]:- (5) في ت: "حين".
[25701]:- (6) في ت، س: "فهو ممن".
[25702]:- (7) في أ: "مسلم".
[25703]:- (8) مسند أبي يعلى 06/213)، والنسائي في السنن الكبرى برقم (11470) وتفسير الطبري (24/73).
[25704]:- (9) في أ: "سعيد".
[25705]:- (1) في ت: "رواه ابن جرير عن سعيد".
[25706]:- (2) في أ: "مهران".
[25707]:- (3) في ت: "قرنت".
[25708]:- (4) في ت: "مجاهد وغيره".
[25709]:- (5) في أ: "الطبراني".
[25710]:- (6) في ت: "وروى ابن أبي الدنيا بسنده عن ابن عباس أنه سئل".
[25711]:- (7) في ت: "وروى الإمام أحمد بسنده".
[25712]:- (8) المسند (4/384) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11489).
[25713]:- (9) في ت: "وروى أحمد عن سفيان".
[25714]:- (10) في أ: "هكذا وكذا".
[25715]:- (11) المسند (3/413)، وسنن الترمذي برقم (2410) وسنن ابن ماجه برقم (3972).
[25716]:- (1) صحيح مسلم برقم (38).
[25717]:- (2) زيادة من ت، س، أ.
[25718]:- (3) حديث البراء سبق تخريجه عند تفسير الآية: 40 من سورة الأعراف إلا أن هذا اللفظ هو لفظ حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو مخرج في نفس الموضع.
[25719]:- (4) في ت: وروى ابن أبي حاتم عن ثابت أنه قرأ السجدة".
[25720]:- (5) في ت، س، أ: "وأبشر" وهو خطأ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

{ إن الذين قالوا ربنا الله } اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته . { ثم استقاموا } في العمل و{ ثم } لتراخيه عن الإقرار في الرتبة من حيث إنه مبدأ الاستقامة ، أو لأنها عسر قلما تتبع الإقرار ، وما روي عن الخلفاء الراشدين في معنى الاستقامة من الثبات على الإيمان وإخلاص العمل وأداء الفرائض فجزئياتها . { تتنزل عليهم الملائكة } فيما يعن لهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن ، أو الخروج من القبر . { ألا تخافوا } ما تقدمون عليه . { ولا تحزنوا } على ما خلفتم وأن مصدرية أو مخففة مقدرة بالباء أو مفسرة . { وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } في الدنيا على لسان الرسل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

وقوله تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } آية وعد للمؤمنين ، قال سفيان بن عبد الله الثقفي ، قلت للنبي عليه السلام : أخبرني بأمر أعتصم به ، فقال :

«قل ربي الله ثم استقم ، » قلت فما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه فقال : هذا{[10071]} .

واختلف الناس في مقتضى قوله : { ثم استقاموا } فذهب الحسن وقتادة وجماعة إلى أن معناه : استقاموا بالطاعات واجتناب المعاصي ، وتلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية على المنبر ثم قال : استقاموا والله لله بطاعته ، ولم يروغوا روغان الثعالب .

قال القاضي أبو محمد : ذهب رضي الله عنه إلى حمل الناس على الأتم الأفضل ، وإلا فلزم على هذا التأويل من دليل الخطاب ألا تنزل الملائكة عند الموت على غير مستقيم على الطاعة وذهب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة معه إلى أن المعنى { ثم استقاموا } على قولهم : { ربنا الله } ، فلم يختل توحيدهم ولا اضطرب إيمانهم . وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال : قد قالها الناس ثم كفر أكثرهم ، فمن مات عليها فهو ممن استقام{[10072]} . المعنى فهو في أول درجات الاستقامة من الخلود ، فهذا كقوله عليه السلام : «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة »{[10073]} وهذا هو المعتقد إن شاء الله ، وذلك أن العصاة من أمة محمد عليه السلام وغيرها فرقتان : فأما من قضى الله بالمغفرة له وترك تعذيبه ، فلا محالة ممن تنزل عليه الملائكة بالبشارة ، وهو إنما استقام على توحيده فقط ، وأما من قضى الله بتعذيبه مرة ثم بإدخاله الجنة ، فلا محالة أنه يلقى جميع ذلك عند موته ويعلمه ، وليس يصح أن يكون حاله كحالة الكافر اليائس من رحمة الله ، وإذ قد كان هذا فقد حصلت له بشارة بأن لا يخاف الخلود ولا يحزن منه وبأنه يصير آخراً إلى الخلود في الجنة ، وهل العصاة المؤمنون إلا تحت الوعد بالجنة ، فهم داخلون فيمن يقال لهم : { أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } ومع هذا كله فلا يختلف أن الموحد المستقيم على الطاعة أتم حالاً وأكمل بشارة ، وهو مقصد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وعلى نحو ذلك قال سفيان : { استقاموا } ، عملوا بنحو ما قالوا ، وقال الربيع : أعرضوا عما سوى الله . وقال الفضيل : زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية ، وبالجملة فكلما كان المرء أشد استعداداً كان أسرع فوزاً بفضل الله تعالى .

وقوله تعالى : { ألا تخافوا ولا تحزنوا } أمنة عامة في كل هم مستأنف ، وتسلية تامة عن كل فائت ماض . وقال مجاهد : المعنى لا تخافون ما تقدمون عليه ، ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم . وفي قراءة ابن مسعود : «الملائكة لا تخافوا »{[10074]} بإسقاط الألف ، بمعنى يقولون لا تخافوا .


[10071]:أخرجه احمد، وعبد بن حميد، وابن حبان، والدارمي، والبخاري في تاريخه، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن سفيان الثوري، ولفظه كما ذكره في الدر المنثور، أن رجلا قال: يا رسول الله، مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك... الحديث.
[10072]:أخرجه الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عدي، وابن مردويه، ذكر ذلك الإمام السيوطي في الدر المنثور.
[10073]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود، والحاكم في مستدركه، عن معاذ رضي الله تعالى عنه، ورمز له بالصحة الإمام السيوطي في الجامع الصغير.
[10074]:في بعض النسخ: (بإساقط أن).