43- ألم تر - أيها النبي - أن الله يسوق بالريح سحاباً ، ثم يضم بعضه إلي بعض ويجعله متراكماً ، فترى المطر يخرج من خلال السحاب ، والله ينزل من مجموعات السحب المتكاثفة التي تشبه الجبال{[151]} في عظمتها برداً ، كالحصى ينزل علي قوم فينفعهم أو يضرهم تبعاً لقوانينه وإرادته ولا ينزل علي آخرين كما يريد الله فهو سبحانه الفاعل المختار ، ويكاد ضوء البرق الحادث من اصطكاك السحب يذهب بالأبصار لشدته ، وهذه الظواهر دلائل قدرة الله الموجبة للإيمان به{[152]} .
ثم لفت - سبحانه - بعد ذلك أنظار عباده إلى مظاهر قدرته فى هذا الكون ، حيث يزجى السحاب ، ثم يؤلف بينه ، ثم يجعله ركاما . . . وحيث نوع مخلوقاته مع أنها جميعا من أصل واحد فقال - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ . . . . } .
قوله - تعالى - { يُزْجِي } من الإزجاء بمعنى الدفع بأناة ورفق . يقال : زجى الراعى إبله تزجية ، إذا ساقها برفق . وأزجت الريح السحاب ، أى : دفعته .
والمعنى : لقد علمت - أيها العاقل - ورأيت بعينيك ، أن الله - تعالى - يسوق بقدرته السحاب الذى فى الجو ، سوقا رفيقا إلى حيث يريد .
{ ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } أى : يسوق - سبحانه - السحاب سوقا هادئا سهلا . ثم بعد ذلك يصل بعضه ببعض ، ويجمع بعضه مع بعض ، ثم بعد ذلك { يَجْعَلُهُ رُكَاماً } أى : متراكما بعضه فوق بعض . يقال ركم فلان الشىء يركمه ركما ، إذا جمعه ، وألقى بعضه على بعض ، ومنه : الرمل المتراكم ، أى : المجتمع .
وهذا الذى حكاه القرآن من سوق الله - تعالى - للسحب ثم تجميعها ، ثم تحويلها إلى قطع ضخمة متراكمة متكاثفة كقطع الجبال ، يراه الراكب للطائرات بوضوح وتسليم بقدرة الله - تعالى - ، الذى أحسن كل شىء خلقه .
وقوله - سبحانه - : { فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } بيان لما يترتب على هذا السوق الرفيق ، والتجمع الدقيق من آثار .
والودق : المطر . وهو فى الأصل مصدر ودَق السحاب يدِق وَدْقاً ، إذا نزل منه المطر . والخلال : جمع خلل - كجبال وجبل - والمارد بها التفوق والشقوق .
قال القرطبى : فى " الودق " قولان : أحدهما : أنه البرق . . . والثانى : أنه المطر . وهو قول الجمهور يقال : ودقت السحابة فهى وادقة . وودق المطر يدق ودقا . أى : قطر .
أى : يسوق الله - تعالى - السحاب إلى حيث يشاء بقدرته ، ثم يؤلف بينه ، ثم يجعله متراكما بعضه فوق بعض ، فترى - أيها العاقل - المطر يخرج من فتوق هذا السحاب المتراكم ومن فروجه ، تارة بشدة وعنف ، وتارة بهدوء ورفق .
وقوله - تعالى - : { وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ . . . } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - سبحانه - .
أى : وينزل - سبحانه - من جهة السماء قطعا من السحاب الكثير من البرد ، وهو شىء ينزل من السحاب يشبه الحصى ، ويسمى حب الغمام : وحب المزن
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما الفرق بين " من " الأولى ، والثانية ، والثالثة فى قوله { وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } ؟
قلت الأولى لابتداء الغاية ، والثانية للتبعيض ، والثالثة للبيان ، أو الأوليان للابتداء ، والآخرة للتبعيض .
فإن قلت : ما معنى " من جبال فيها من برد " ؟ قلت : فيه معنيان : أحدهما : أن يخلق الله فى السماء جبال برد . كما فى الأرض جبال حجر ، والثانى : أن يريد الكثرة بذكر الجبال ، كما يقال : فلان يملك جبالا من ذهب .
وقوله - تعالى - : { فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ } أى : فيصيب بالذى ينزله من هذا البرد من يشاء إصابته من عباده ، ويصرفه عمن يشاء صرفه عنهم ، إذ الإصابة والصرف بمقتضى حكمته وإرادته .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بالأبصار } . والسنا : شدة الضوء . يقال : سنا الشىء يسنو سنا ، إذا أضاء .
أى : يكاد ضوء برق السحاب الموصوف بما مر من الإزجاء والتأليف والتراكم . . . يخطف الأبصار من شدة إضاءته ، وزيادة لمعانه وسرعة توهجه .
يذكر تعالى أنه بقدرته يسوق السحاب أول ما ينشئها وهي ضعيفة ، وهو الإزجاء { ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } أي : يجمعه بعد تفرقه ، { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا } أي : متراكمًا ، أي : يركب بعضه بعضًا ، { فَتَرَى الْوَدْقَ } أي المطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ } أي : من خَلَله . وكذا{[21286]} قرأها ابن عباس والضحاك .
قال عبيد بن عمير الليثي : يبعث الله المثيرة فَتَقُمّ الأرض قمًّا ، ثم يبعث الله الناشئة فتنشئ السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف بينه ، ثم يبعث [ الله ]{[21287]} اللواقح فتلقح السحاب . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، رحمهما الله .
وقوله : { وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ } : قال بعض النحاة : " من " الأولى : لابتداء الغاية ، والثانية : للتبعيض ، والثالثة : لبيان الجنس . وهذا إنما يجيء على قول من ذهب من المفسرين إلى أن قوله : { مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ } ومعناه : أن في السماء جبالَ بَرَد ينزل الله منها البرد . وأما من جعل الجبال ههنا عبارة{[21288]} عن السحاب ، فإن " من " الثانية عند هذا لابتداء الغاية أيضا ، لكنها بَدَل من الأولى ، والله أعلم .
وقوله : { فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ } يحتمل أن يكون المراد بقوله : { فَيُصِيبُ بِهِ } أي : بما ينزل من السماء من نوعي البرد والمطر{[21289]} فيكون قوله : { فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ } رحمة لهم ، { وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ } أي : يؤخر عنهم الغيث .
ويحتمل أن يكون المراد بقوله : { فَيُصِيبُ بِهِ } أي : بالبرد نقمة على من يشاء لما فيه من نثر ثمارهم وإتلاف زروعهم وأشجارهم . ويصرفه عمن يشاء [ أي : ]{[21290]} رحمة بهم .
وقوله : { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ } أي : يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ السّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ * يُقَلّبُ اللّهُ اللّيْلَ وَالنّهَارَ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لاُوْلِي الأبْصَارِ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألَمْ تَرَ يا محمد أنّ اللّهَ يُزْجِي يعني يسوق سَحَابا حيث يريد . ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ : يقول : ثم يؤلف بين السحاب . وأضاف «بين » إلى السحاب ، ولم يذكر معه غيره ، و«بين » لا تكون مضافة إلا إلى جماعة أو اثنين ، لأن السحاب في معنى جمع ، واحده سحابة ، كما يجمع النخلة : نَخْل ، والتمرة : تمر ، فهو نظير قول قائل : جلس فلان بين النخل . وتأليفُ الله السحاب : جمعه بين متفرّقها .
وقوله : ثُمّ يَجْعَلُهُ رُكاما يقول : ثم يجعل السحاب الذي يزجيه ويؤلف بعضه إلى بعض رُكاما يعني : متراكما بعضه على بعض . وقد :
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا خالد ، قال : حدثنا مطر ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عُبيد بن عُمير الليثيّ ، قال : الرياح أربع : يبعث الله الريح الأولى فتقمّ الأرض قَمّا ، ثم يبعث الثانية فتنشىء سحابا ، ثم يبعث الثالثة فتؤلف بينه فتجعله رُكاما ، ثم يبعث الرابعة فتمطره .
وقوله : فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاِلِهِ يقول : فترى المطر يخرج من بين السحاب ، وهو الوَدْق ، قال الشاعر :
فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها *** وَلا أرْضَ أبْقَلَ إبْقَالَهَا
والهاء في قوله : مِنْ خِلالِهِ من ذكر السحاب ، والخلال : جمع خَلَل . وذُكر عن ابن عباس وجماعة أنهم كانوا يقرءون ذلك : «مِنْ خَلَلَهِ » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا حِرْميّ بن عُمارة ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا قَتادة ، عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأ هذا الحرف : فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ : «مِنْ خَلَلِهِ » .
قال : حدثنا شُعبة ، قال : أخبرني عُمارة ، عن رجل ، عن ابن عباس ، أنه قر هذا الحرف : فَتَرى الوَدْقَ يَخْرجُ مِنْ خِلالِهِ : «من خَلَله » .
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : أخبرني عُمارة بن أبي حفصة ، عن رجل ، عن ابن عباس ، أنه قرأها : «مِنْ خَلَلِهِ » بفتح الخاء ، من غير ألف .
قال هارون : فذكرت ذلك لأبي عمرو ، فقال : إنها لحسنة ، ولكن خِلاله أعمّ .
وأما قرّاء الأمصار ، فإنهم على القراءة الأخرى : مِنْ خِلاَلِهِ وهي التي نختار ، لإجماع الحجة من القراء عليها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ قال : الودّق : القطر ، والخِلال : السحاب .
وقوله : وَيُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ : قيل في ذلك قولان : أحدهما : أن معناه : وأن الله ينزل من السماء من جبال في السماء من بَرَد ، مخلوقة هنالك خلقه . كأن الجبال على هذا القول ، هي من بَرَد ، كما يقال : جبال من طين . والقول الاَخر : أن الله ينزل من السماء قَدْر جبال وأمثال جبال من بَرَد إلى الأرض ، كما يقال : عندي بَيْتان تبنا . والمعنى : قدر بيتين من التبن ، والبيتان ليسا من التبن .
وقوله : فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَمّنْ يَشاءُ يقول : فيعذّب بذلك الذي ينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد من يشاء فيهلكه ، أو يهلك به زروعه وماله . وَيَصْرِفُهُ عَمّنْ يَشاءُ من خلقه ، يعني عن زروعهم وأموالهم .
وقوله : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بالأبْصَارِ يقول : يكاد شدّة ضوء برق هذا السحاب يذهب بأبصار من لاقى بصره . والسنا : مقصور ، وهو ضوء البرق . ) كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء الخُراسانيّ ، عن ابن عباس ، قوله : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ قال : ضوء برقه .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، في قوله : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يقول : لَمَعان البرق يذهب بالأبصار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بالأبْصَارِ قال : سناه : ضوء يذهب بالأبصار .
وقرأت قرّاء الأمصار : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بفتح الياء من «يَذْهب » ، سوى أبي جعفر القارىء فإنه قرأه بضم الياء : «يُذْهِبُ بالأبْصَارِ » .
والقراءة التي لا أختار غيرها هي فتحها ، لإجماع الحجة من القرّاء عليها ، وأن العرب إذا أدخلت الباء في مفعول «ذهبت » ، لم يقولوا : إلا ذهب به ، دون أذهبت به . وإذا أدخلوا الألف في «أذهبت » ، لم يكادوا أن يدخلوا الباء في مفعوله ، فيقولون : أذهبته ، وذهبت به .
«الرؤية في هذه الآية رؤية عين والتقدير أن أمر الله وقدرته ، و { يزجي } معناه يسوق ، والإزجاء إنما يستعمل في سوق كل ثقيل ومدافعته كالسحاب والإبل المزاحف كما قال الفرزدق » على مزاحيف تزجيها مخارير{[8738]} « ، والبضاعة المزجاة التي تحتاج من الشفاعة والتحسين إلى ما هو كسوق الثقيل ، ومنه قول حبيب في الشيب ، » ونحن نزجيه « ، وسيبويه أبداً يقول في كلامه فأنت تزجيه إلى كذا أي تسوقه ثقيلاً متباطئاً ، وقوله { يؤلف بينه } أي بين مفترق السحاب نفسه لأن مفهوم السحاب يقتضي أن بينه فروجاً ، وهذا كما تقول جلست بين الدور ولو أضيفت » بين «إلى مفرد لم يصح إلا أن تريد آخر ، لا تقول جلست بين الدار إلا أن تريد وبين كذا{[8739]} ، وورش عن نافع لا يهمز » يولف «وقالون عن نافع والباقون يهمزون » يؤلف «وهو الأصل ، و » الركام «الذي يركب بعضه بعضاً ويتكاثف ، والعرب تقول إن الله تعالى إذا جعل السحاب ركاماً بالريح عصر بعضه بعضاً فخرج { الودق } منه ومن ذلك قوله تعالى : { وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً }{[8740]} [ النبأ : 14 ] ومن ذلك قول حسان بن ثابت : [ الكامل ]
كلتاهما حلب العصير . . . فعاطني بزجاجة أرخاهما للمفصل{[8741]}
ويروى للمِفصل بكسر الميم وبفتح الصاد ، فالمِفصل واحد المفاصيل والمفصل اللسان{[8742]} ويروى بالقاف ، أراد حسان الخمر والماء الذي مزجت به أي هذه من عصر العنب وهذه من عصر السحاب ، فسر هذا التفسير قاضي البصرة عبد الله بن الحسن العنبري للقوم الذين حلف صاحبهم بالطلاق أن يسأل القاضي عن تفسير بيت حسان ، و { الودق } المطر ومنه قول الشاعر : [ المتقارب ]
فلا مزنة ودقت ودقها . . . ولا أرض أبقل إبقالها{[8743]}
وقرأ جمهور الناس » من خلاله «وهو جمع خلل كجبل وجبال ، وقرأ ابن عباس والضحاك » من خلله « ، وقرأ عاصم والأعرج » وينزّل «على المبالغة والجمهور على التخفيف ، وقوله { من جبال فيها من برد } قيل تلك حقيقة وقد جعل الله تعالى في السماء جبالاً { من برد } وقالت فرقة ذلك مجاز وإنما أراد وصف كثرته وهذا كما تقول عند فلان جبال من المال وجبال من العلم أي في الكثرة مثل الجبال ، وحكي عن الأخفش تقديره زيادة { من } في قوله : { من برد } وهو قول ضعيف ، و { من } في قوله { من السماء } في لابتداء الغاية ، وفي قوله { من الجبال } هي للتبعيض ، وفي قوله { من برد } هي لبيان الجنس ، و » السنا «مقصور ، الضوء والسناء ، ممدود ، المجد والارتفاع في المنزلة ، وقرأ الجمهور » سنا «بالقصر ، وقرأ طلحة بن مصرف » سناء «بالمد والهمز .
وقرأ طلحة أيضاً «بُرَقةَ » بضم الباء وفتح الراء وهي جمع «بُرْقة » بضم الباء وسكون الراء فعلة وهي القدر من البرق كلقمة ولقم وغرفة وغرف ، وقرأ الجمهور «يَذهب » بفتح الياء ، وقرأ أبو جعفر «يُذهب » بضمها من أذهب كأن التقدير يذهب النفوس بالأبصار نحو قوله { ينبت بالدهن }{[8744]} [ المؤمنون : 20 ] ويحتمل أن يكون مثل قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم }{[8745]} [ الحج : 25 ] فالباء زائدة دالة على فعل يناسبها ثم اقتضت لفظ الآية الإخبار عن تقبله الليل والنهار والإتيان بهذا بعد هذا دون توطئة هو الذي تعجز عنه الفصحاء حتى يقع منهم التخليق في الألفاظ والتوطئة بالكلام وباقي الآية بين .