المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

36- وما ساغ لمؤمن ولا لمؤمنة إذا حكم الله ورسوله في أمر من الأمور أن يكون له خيار فيه بعد أن حكم الله ورسوله ، ومن يخالف ما حكم به الله ورسوله فقد بَعُد عن طريق الصواب بُعْداً ظاهراً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن الحقوق الواجبة على المسلم نحو خالقه - عز وجل - ونحو رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعن تأكيد إبطال عادة التبنى التى كانت منتشرة قبل نزول هذه السورة ، وعن بيان الحكمة لهذا الإِبطال ، وعن علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بغيره من أتباعه . . فقال - تعالى - : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ . . . بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } .

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } روايات منها : " أنها نزلت فى زينب بنت جحش - رضى الله عنها - خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد ابن حارثة فاستنكفت ، وقالت : أنا خير منه حسبا ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية .

وفى رواية أنها قالت : يا رسول الله ، لست بنكاحته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل فانكحيه " فقالت : يا رسول الله ، أؤامر فى نفسى ؟ فبينما هما يتحادثان ، أنزل الله - تعالى هذه الآية . فقالت : يا رسول الله ، قد رضيته لى زوجا ؟ قال : نعم قالت : إذا لا أعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجته نفسى " .

وذكر بعضهم أنها نزلت فى أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط ، وكانت أول من هاجر من النساء . . يعنى بعد صلح الحديبية ، فهوهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وسلم ، فزوجها من مولاه زيد بن حارثة ، بعد فراقه لزينب فسخطت هى وأخوها وقالا : إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا عبده ، فنزلت الآية بسبب ذلك ، فأجابا إلى تزويج زيد .

قال ابن كثير : هذه الاية عامة فى جميع الأمور . وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشئ ، فليس لأحد مخالفته ، ولا اختيار لأحد هاهنا ولا رأى ولا قول ، كما قال - تعالى - : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } وفى الحديث الشريف : " والذى نفسى بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " .

والمعنى : لا يصح ولا يحل لأى مؤمن ولا لأية مؤمنة { إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ } أى : إذا أراد الله ورسوله أمرا . من الأمور .

وقال - سبحانه - : { إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً } للإِشعار ، بأن ما يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يفعله بأمرا لله - تعالى - لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى .

وقوله : { أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ } أى : لا يصح لمؤمن أو مؤمنة إذا أراد الله ورسوله أمرا ، أن يختاروا ما يخالف ذلك ، بل يجب عليهم أن يذعنوا لأمره صلى الله عليه وسلم وأن يجعلوا رأيهم تابعا لرأيه فى كل شئ .

وكلمة الخِيرة : مصدر من تخيَّر ، كالطِّيرَة مصدر من تَطَيَّر . وقوله : { مِنْ أَمْرِهِمْ } متعلق بها ، أو بمحذوف وقع حالا منها .

وجاء الضمير فى قوله { لَهُمُ } وفى قوله { مِنْ أَمْرِهِمْ } بصيغة الجمع : رعاية للمعنى إذ أن لفظى مؤمن ومؤمنة وقعا فى سياق النفى ، فيعمان كل مؤمن وكل مؤمنة .

وقوله - سبحانه - : { وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً } بيان لسوء عاقبة واضحا بينا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

قال العوفي ، عن ابن عباس : قوله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ } الآية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة ، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها ، فقالت : لست بناكحته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل فانكحيه " . قالت : يا رسول الله ، أؤامر في نفسي . فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسوله صلى الله عليه وسلم : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا } الآية ، قالت : قد رضيته لي منكحا يا رسول الله ؟ قال : " نعم " . قالت : إذًا لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد أنكحته نفسي{[23487]} .

وقال ابن لَهِيعة ، عن ابن أبي عمرة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة ، فاستنكفت منه ، وقالت : أنا خير منه حسبا - وكانت امرأة فيها حدة - فأنزل الله ، عز وجل : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ } الآية كلها .

وهكذا قال مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان : أنها نزلت في زينب بنت جحش [ الأسدية ]{[23488]} حين خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه زيد بن حارثة ، فامتنعت ثم أجابت .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، نزلت في أم كلثوم{[23489]} بنت عقبة بن أبي مُعَيْط ، وكانت أول مَنْ هاجر من النساء - يعني : بعد صلح الحديبية - فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد قبلت . فزوجها زيد بن حارثة - يعني والله أعلم بعد فراقه زينب - فسخطت هي وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوّجَنا عبده . قال : فنزل القرآن : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا } إلى آخر الآية . قال : وجاء أمر أجمع من هذا : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم } قال : فذاك خاص وهذا جماع .

وقال{[23490]} الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن ثابت البُنَاني ، عن أنس قال : خطب النبي صلى الله عليه وسلم على جُلَيْبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها ، فقال : حتى أستأمر أمها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فنعم{[23491]} إذًا . قال : فانطلق الرجل إلى امرأته ، [ فذكر ذلك لها ]{[23492]} ، فقالت : لاها الله ذا{[23493]} ، ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جلَيبيبا ، وقد منعناها من فلان وفلان ؟ قال : والجارية في سترها{[23494]} تسمع . قال : فانطلق الرجل يريد أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . فقالت الجارية : أتريدون أن تَرُدّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ؟ إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه . قال : فكأنها جَلَّت عن أبويها ، وقالا صدقت . فذهب أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن كنت رضيته فقد رضيناه . قال : " فإني قد رضيته " . قال : فزوجها{[23495]} ، ثم فزع أهل المدينة ، فركب جُلَيْبيب فوجدوه قد قتل ، وحوله ناس من المشركين قد قتلهم ، قال أنس : فلقد رأيتها [ وإنها ]{[23496]} لمن أنفق بيت بالمدينة{[23497]} .

وقال{[23498]} الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد - يعني : ابن سلمة - عن ثابت ، عن كنانة بن نعيم العدوي ، عن أبي برزة الأسلمي أن جليبيبا كان امرأ يدخل على النساء يَمُرّ بهن ويلاعبهن ، فقلت لامرأتي : لا يدخلن اليوم عليكم{[23499]} جُليبيبُ ، فإنه إن دخل عليكم {[23500]} لأفعلن ولأفعلن . قال : وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيّم لم يزوجها حتى يعلم : هل لنبي الله صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار : " زوجني ابنتك " . قال : نعم ، وكرامة يا رسول الله {[23501]} ، ونُعْمَة عين . فقال : إني لست أريدها لنفسي . قال : فلمن يا رسول الله ؟ قال : لجليبيب .

فقال : يا رسول الله ، أشاور أمها . فأتى أمها فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك ؟ فقالت : نعم ونُعمة عين . فقال : إنه ليس يخطبها لنفسه ، إنما يخطبها لجليبيب . فقالت : أَجُلَيبيب إنيه{[23502]} ؟ أجليبيب إنيِه{[23503]} ؟ لا لعمر الله لا تزَوّجُه . فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره بما قالت أمها ، قالت الجارية : مَنْ خطبني إليكم ؟ فأخبرتها أمها . قالت : أتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ؟ ! ادفعوني إليه ، فإنه لن يضيعني . فانطلق أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : شأنَك بها . فَزَوّجها جليبيبا . قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة له ، فلما أفاء الله عليه قال لأصحابه : " هل تفقدون من أحد " ؟ قالوا : نفقد فلانا ونفقد فلانا . قال : " انظروا هل تفقدون من أحد ؟ " قالوا : لا . قال : " لكني أفقد جليبيبا " . قال : " فاطلبوه في القتلى " . فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه . [ قالوا : يا رسول الله ، ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه ]{[23504]} . فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عليه ، فقال : قتل سبعة [ وقتلوه ]{[23505]} ، هذا مني وأنا منه . مرتين أو ثلاثا ، ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه [ وحفر له ، ما له سرير إلا ساعد النبي صلى الله عليه وسلم ]{[23506]} . ثم وضعه في قبره ، ولم يذكر أنه غسله ، رضي الله عنه . قال ثابت : فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها . وحدث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثابتا : هل تعلم ما دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : " اللهم ، صب عليها [ الخير ]{[23507]} صبا ، ولا تجعل عيشها كدا " كذا قال ، فما كان في الأنصار أيم أنفق منها .

هكذا أورده الإمام أحمد بطوله{[23508]} ، وأخرج منه مسلم والنسائي في الفضائل قصة قتله{[23509]} . وذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر في " الاستيعاب " أن الجارية لما قالت في خدرها : أتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ؟ تلت{[23510]} هذه الآية : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }{[23511]} .

وقال ابن جُرَيْج [ أخبرني عامر بن مصعب ، عن طاوس قال : إنه سأل ابن عباس عن ركعتين بعد العصر ، فنهاه ، وقرأ ابن عباس ، رضي الله عنه{[23512]} : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ{[23513]} لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } ] {[23514]} .

فهذه الآية عامة في جميع الأمور ، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء ، فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد هاهنا ، ولا رأي ولا قول ، كما قال تعالى : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [ النساء : 65 ] وفي الحديث : " والذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به " . ولهذا شدد في خلاف ذلك ، فقال : { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا } ، كقوله تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور : 63 ] .


[23487]:- تفسير الطبري (22/9).
[23488]:- زيادة من أ.
[23489]:- في أ: "أم مكتوم".
[23490]:- في ت: "وروى".
[23491]:- في ف: "لنعم".
[23492]:- زيادة من ت ، ف ، والمسند.
[23493]:- في هـ ، أ: "إذا" والمثبت من ت ، ف والنهاية لابن الأثير.
[23494]:- في ت: "خدرها".
[23495]:- في أ: "فتزوجها".
[23496]:- زيادة من ت ، ف ، والمسند.
[23497]:- المسند (3/136).
[23498]:- في ت: "وروى".
[23499]:- في أ: "عليكن".
[23500]:- في أ: "عليكن".
[23501]:- في أ: "برسول الله".
[23502]:- في هـ ، ت ، ف ، أ: "ابنه" والتصويب من المسند.
[23503]:- في هـ ، ت ، ف ، أ: "ابنه" والتصويب من المسند.
[23504]:- زيادة من ت ، ف ، والمسند.
[23505]:- زيادة من ت ، ف ، والمسند.
[23506]:- زيادة من ت ، ف ، والمسند.
[23507]:- زيادة من ت ، ف ، والمسند.
[23508]:- المسند (4/422).
[23509]:- صحيح مسلم برقم (2482) والنسائي في السنن الكبرى برقم (8246).
[23510]:- في أ: "نزلت".
[23511]:- الاستيعاب (1/259).
[23512]:- في أ: "عنهما".
[23513]:- في ت: "تكون".
[23514]:- زيادة من ت ، ف ، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً } .

يقول تعالى ذكره : لم يكن لمؤمن بالله ورسوله ، ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء أن يتخيروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم ، ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما فيعصوهما ، ومن يعص الله ورسوله فيما أَمَرا أو نَهَيا فَقَدْ ضَلّ ضَلالاً مُبِينا يقول : فقد جار عن قصد السبيل ، وسلك غير سبيل الهدى والرشاد .

وذُكر أن هذه الاَية نزلت في زينب بنت جحش حين خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتاه زيد بن حارثة ، فامتنعت من إنكاحه نفسها . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْرا . . . . إلى آخر الاَية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق يخطب على فتاه زيد بن حارثة ، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها ، فقالت : لست بناكحته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فانكحيه » ، فقلت : يا رسول الله أؤامَر في نفسي فبينما هما يتحدّثان أنزل الله هذه الاَية على رسوله : وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ . . . إلى قوله : ضَلالاً مُبِينا قالت : قد رضيته لي يا رسول الله مَنْكَحا ؟ قال : «نَعم » ، قالت : إذن لا أعصى رسول الله ، قد أنكحته نفسي .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : أنْ تَكُونَ لَهُمُ الخِيرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ قال : زينب بنت جحش وكراهتها نكاح زيد بن حارثة حين أمرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْرا أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ قال : نزلت هذه الاَية في زينب بنت جحش ، وكانت بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضيت ، ورأت أنه يخطبها على نفسه فلما علمت أنه يخطبها على زيد بن حارثة أبت وأنكرت ، فأنزل الله : وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْرا أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ قال : فتابعته بعد ذلك ورضيت .

حدثني أبو عبيد الوصافي ، قال : حدثنا محمد بن حمير ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن ابن أبي عمرة ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة ، فاستنكفت منه وقالت : أنا خير منه حَسَبا ، وكانت امرأة فيها حدّة ، فأنزل الله : وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْرا . . . الاَية كلها .

وقيل : نزلت في أمّ كلثوم بنت عُقْبة بن أبي مُعَيط ، وذلك أنها وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزوّجها زيد بن حارثة . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْرا . . . . إلى آخر الاَية ، قال : نزلت في أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيط ، وكانت من أوّل من هاجر من النساء ، فوهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، فزوّجها زيد بن حارثة ، فسخِطت هي وأخوها ، وقالا : إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوّجنا عبده قال : فنزل القرآن : وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْرا أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ . . . إلى آخر الاَية قال : وجاء أمر أجمع من هذا : النّبِيّ أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ منْ أنْفُسِهمْ قال : فذاك خاصّ ، وهذا إجماع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

قوله تعالى : { وما كان } لفظه النفي ومعناه الحظر والمنع من فعل هذا ، وهذه العبارة «ما كان » و «ما ينبغي » ونحوها تجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون ، وربما كان امتناع ذلك الشيء عقلاً كقوله تعالى : { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها }{[9515]} [ النمل : 60 ] ، وربما كان العلم بامتناعه شرعاً كقوله { وما كان لبشر أن يكلمه الله }{[9516]} [ الشورى : 51 ] ، وربما كان حظره بحكم شرعي كهذه الآية ، وربما كان في المندوبات كما تقول : ما كان لك يا فلان أن تترك النوافل ونحو هذا ، وسبب هذه الآية فيما قال قتادة وابن عباس ومجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش فظنت أن الخطبة لنفسه فلما بين أنه إنما يريدها لزيد بن حارثة كرهت وأبت ، فنزلت الآية ، فأذعنت زينب حينئذ وتزوجته{[9517]} ، وقال ابن زيد إنما نزلت بسبب أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم . فزوجها من زيد بن حارثة ، فكرهت ذلك هي وأخوها ، وقالا إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا غيره ، فنزلت الآية بسبب ذلك ، فأجابا إلى تزويج زيد{[9518]} .

و { الخيرة } مصدر بمعنى التخير ، وهذه الآية في ضمن قوله تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } [ الأحزاب : 6 ] وهذه الآية تقوي في قوله تعالى : { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة }{[9519]} [ القصص : 68 ] أن تكون { ما } نافية لا مفعولة ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر وشيبة والأعرج وعيسى «أن تكون » بالتاء على لفظ { الخيرة } ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي والأعمش وأبو عبد الرحمن «أن يكون » على معنى { الخيرة } وأن تأنيثها غير حقيقي ، وقوله في الآية الأخرى { ما كان لهم الخيرة } [ القصص : 68 ] دون علامة تأنيث يقوي هذه القراءة التي بالياء ، ثم توعد عز وجل وأخبر أن { من يعص الله ورسوله فقد ضل } ، وهذا العصيان يعم الكفر فما دونه ، وكل عاص يأخذ من الضلال بقدر معصيته .


[9515]:من الآية(60) من سورة (النمل).
[9516]:من الآية(51) من سورة (الشورى).
[9517]:أخرج الخبر عن ابن عباس رضي الله عنهما ابن جرير، وابن مردويه، وأخرجه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني عن قتادة رضي الله عنه، وأخرجه عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه.(الدر المنثور).
[9518]:أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه.(الدر المنثور). ورواه الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم،وقال الحافظ بن حجر في"تخريج الكشاف":"رواه الثعلبي بغير سند".
[9519]:من الآية(68) من سورة(القصص).