المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

8- إنا جعلنا المصرين على الكفر كمن وضعت في أعناقهم السلاسل ، فهي تصل إلى أذقانهم ، وتشد أيديهم برؤوسهم وترفعها مع غض أبصارهم ، فلا يستطيعون أن يحركوا الرءوس ليروا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

ثم صور - سبحانه - انكبابهم على الكفر ، وإصرارهم عليه ، تصويرا بليغا فقال : { إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الأذقان فَهُم مُّقْمَحُونَ } .

والأغلال : جمع غل - بضم الغين ، وهو القيد الذى تشد به اليد إلى العنق بقصد التعذيب والأذقان : جمع ذقن - بفتح الذال - وهو أسفل الفم .

ومقمحون : من الإِقماح ، وهو رفع الرأس مع غض البصر . يقال : قمح البعير قموحا إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب . والفاء فى قوله { فهى } وفى قوله { فهم } : للتقريع .

أى : إنا جعلنا فى أعناق هؤلاء الجاحدين قيودا عظيمة ، فهى - أى هذه القيود - واصلة إلى أذقانهم ، فهم بسبب ذلك مرفوعة رءوسهم ، مع غض أبصارهم ، بحيث لا يستطيعون أن يخفضوها ، لان القيود التى وصلت إلى أذقانهم منعتهم من خفض رءوسهم .

فقد شبه - سبحانه - فى هذه الآية ، حال أولئك الكافرين ، المصرين على جحودهم وعنادهم ، بحال من وضعت الأغلال فى عنقه ووصلت إلى ذقنه ، ووجه الشبه أن كليهما لا يستطيع الانفكاك عما هو فيه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

يقول تعالى : إنا جعلنا هؤلاء المحتوم عليهم بالشقاء نسبتهم إلى الوصول إلى الهدى كنسبة من جُعل في عنقه غل ، فجَمَع يديه مع عنقه تحت ذقنه ، فارتفع رأسُه ، فصار مقمَحا ؛ ولهذا قال : { فَهُمْ مُقْمَحُونَ } والمقمح : هو الرافع رأسه ، كما قالت أم زَرْع في كلامها : " وأشرب فأتقمَّح " أي : أشرب فأروى ، وأرفع رأسي تهنيئا وتَرَوّيا . واكتفى بذكر الغل في العنق عن ذكر اليدين ، وإن كانتا مرادتين ، كما قال الشاعر{[24665]} :

فَمَا أدْري إذَا يَمَّمْتُ أرْضًا *** أريد الخَيْرَ أيّهما يَليني

أالْخَيْرُ الذي أنَا أبْتَغيه *** أم الشَّرّ الذي لا يَأتَليني

فاكتفى بذكر الخير عن ذكر الشر لَمّا دل السياق والكلام عليه ، {[24666]} وكذا هذا ، لما كان الغُلّ إنما يعرف فيما جَمَع اليدين مع العنق ، اكتفى بذكر العنق عن اليدين .

قال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ } قال : هو كقول الله{[24667]} تعالى : { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } [ الإسراء : 29 ] يعني بذلك : أن أيديهم موثقة{[24668]} إلى أعناقهم ، لا يستطيعون أن يبسطوها بخير .

وقال مجاهد : { فَهُمْ مُقْمَحُونَ } قال : رافعو{[24669]} رؤوسهم ، وأيديهم موضوعة على أفواههم ، فهم مغلولون عن كل خير .


[24665]:- البيت في تفسير الطبري (22/98).
[24666]:- في ت : "لما دل عليه السياق".
[24667]:- في ت : "كقوله".
[24668]:- في ت : "موثوقة".
[24669]:- في ت، س : "رافعى".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّا جَعَلْنَا فِيَ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُم مّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : إنا جعلنا أيمان هؤلاء الكفار مغلولة إلى أعناقِهم بالأغلال ، فلا تُبْسط بشيء من الخيرات وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر : «إنّا جَعَلْنا فِي أيمَانِهِمْ أغْلالاً فَهِيَ إلى الأَذْقانِ » . وقوله : إلى الأَذْقانِ يعني : فأَيمانهم مجموعة بالأغلال في أعناقهم ، فكُنّي عن الأيمان ، ولم يجر لها ذكر لمعرفة السامعين بمعنى الكلام ، وأن الأغلال إذا كانت في الأعناق لم تكن إلاّ وأيدي المغلولين مجموعة بها إليها فاستغنى بذكر كون الأغلال في الأعناق من ذكر الأيمان ، كما قال الشاعر :

وَما أَدْرِي إذَا يَمّمْتُ وَجْها *** أُرِيدُ الخَيْرَ أيّهُما يَلِينِي

أألْخَيْرُ الّذِي أنا أبْتَغِيهِ *** أمِ الشّرّ الّذِي لا يَأْتَلِينِي

فكنى عن الشرّ ، وإنما ذكر الخير وحده لعلم سامع ذلك بمعنيّ قائله ، إذ كان الشرّ مع الخير يُذكر . والأذقان : جمع ذَقَن ، والذّقَن : مجمع اللّحْيَين .

وقوله : فَهُمْ مُقْمَحُونَ والمُقْمَح : هو المقنع ، وهو أن يحدر الذقن حتى يصير في الصدر ، ثم يرفع رأسه في قول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة . وفي قول بعض الكوفيين : هو الغاضّ بصره ، بعد رفع رأسه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنّا جَعَلْنا فِي أعْناقِهِمْ أغْلاَلاً فَهِيَ إلى الأَذْقان فَهُمْ مُقْمَحُونَ قال : هو كقول الله : وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ يعني بذلك أن أيديهم موثقة إلى أعناقهم ، لا يستطيعون أن يبسُطوها بخير .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : فَهُمْ مُقْمَحُونَ قال : رافعو رؤوسهم ، وأيديهم موضوعة على أفواههم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّا جَعَلْنا فِي أعْناقِهِمْ أغْلالاً فَهِيَ إلى الأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ : أي فهم مغلولون عن كلّ خير .