المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

7- ما رده الله على رسوله من أموال أهل القرى بغير إيجاف خيل أو ركوب ، فهو لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ؛ كيلا تكون الأموال متداولة بين الأغنياء منكم خاصة ، وما جاءكم به الرسول من الأحكام فتمسكوا به ، وما نهاكم عنه فاتركوه ، واجعلوا لكم وقاية من غضب الله . إن الله شديد العقاب .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

وقوله - تعالى - : { مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى . . } يرى كثير من العلماء أنه وارد على سبيل الاستئناف الابتدائى ، وأنه سيق لبيان حكم شرعى جديد ، يختلف عن الحمك الذى أوردته الآية السابقة على هذه الآية . . .

إذ أن الاية السابقة ، واردة فى حكم أحوال بنى النضير بصفة خاصة ، وهذه فى حكم الفىء بعد ذلك بصفة عامة .

وعليه يكون المعنى : لقد بينت لكم - أيها المؤمنون - حكم أموال بنى النضير ، وهى أنها لرسولنا - صلى الله عليه وسلم - يضعها حيث شاء .

أما ما أفاءه الله - تعالى - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أموال أهل القرى الأخرى ، كقريظة وفدك وغيرهما فحكم هذا الفىء أنه يقسم إلى خمسة أقسام :

قسم للرسول - صلى الله عليه وسلم - ينفق منه على نفسه وأهله وما تبقى منه يكون فى مصالح المسلمين .

وقسم لأقاربه - صلى الله عليه وسلم - وهم : بنو هاشم وبنو المطلب .

وقسم لليتامى : وهم أطفال المسلمين الذين مات آباؤهم عنهم قبل أن يبلغوا .

وقسم للمساكين : وهم الذين ليس لهم مال يكفيهم ضررويات الحياة .

وقسم لأبناء السبيل : وهم المسافرون المنقطعون عن مالهم فى سفرهم ، ولو كانوا أغنياء فى بلدهم .

وقد رجح الإمام ابن جرير هذا الرأى ، فقال بعد استعراضه للأقوال : والصواب من القول فى ذلك عندى أن هذه الآية حكمها غير حكم الآية التى قبلها وذلك أن الآية التى قبلها ، مال جعله الله - عز وجل - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - خاصة دون غيره . لم يجعل فيه لأحد نصيبا .

فإذا كانت هذه الآية التى قبلها مضت ، وذكر المال الذى خص الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم يجعل لأحد منه شيئا ، وكانت هذه الآية خبرا عن المال الذى جعله الله لأصناف شتى ، كان معلوما بذلك أن المال الذى جعله لأصناف من خلقه .

غير المال الذى جعله للنبى - صلى الله عليه وسلم - .

وقال الآلوسى عند تفسيره لهذه الآية ما مخلصه : قوله - تعالى - : { مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى . . } بيان لحكم ما أفاءه الله على رسوله من قرى الكفار على العموم ، بعد بيان حكم ما أفاءه من بنى النضير .

فالجملة جواب سؤال مقدر ناشىء مما فهم من الكلام السابق ، فكأن قائلا يقول : قد علمنا حكم ما أفاءه الله - تعالى - من بنى النضير ، فما حكم ما أفاء الله - عز وجل - من غيرهم ؟

فقيل : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى . . . ولذا لم يعطف على ما تقدم ، ولم يذكر فى الآية قيد الإيجاف ولا عدمه . . .

وسهمه - سبحانه - وسهم رسوله واحد ، وذكره - تعالى - : افتتاح كلام للتيمن والتبرك . فإن لله ما فى السموات وما فى الأرض ، وفيه تعظيم لشأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

وأهل القرى المذكورون فى الآية هم : أهل الصفراء ، وينبع ، ووادى القرى ، وما هنالك من قرى العرب ، التى تسمى قرى عرينة ، وحكمها مخالف لحكم أموال بنى النضير .

ومن العلماء من يرى أن الآية التى معنا ، بمنزلة البيان والتفسير للآية التى قبلها ، لأن الآية الأولى لم تبين المستحقين للفىء الذى أفاءه الله - تعالى - على رسوله من أموال بنى النضير ، فجاءت الآية الثانية وبينت المستحقين له .

وعلى رأس المفسرين الذين قالوا بهذا الرأى صاحب الكشاف ، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : لم يدخل - سبحانه - العاطف على هذه الجملة - وهى قوله : { مَّآ أَفَآءَ . . . } - لأنها بيان للأولى ، فهى منها غير أجنبية عنها . بين لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يصنع بما أفاءه الله عليه ، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم ، مقسوما على الأقسام الخمسة .

وقال الإمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى } : أى جميع البلدان التى تفتح هكذا ، فحكمها حكم أموال بنى النضير ، ولهذا قال : { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } . فهذه مصارف أموال الفىء ووجوهه .

ومن هذا نرى أن أصحاب الرأى الأول ، يقولون : إن الآيتين فى حكمين مختلفين ، لأن الآية الأولى فى بيان حكم أموال بنى النضير ، وأن الله - تعالى - قد جعلها للرسول - صلى الله عليه وسلم - يضعها حيث يشاء ، وأما الآية الثانية فهى فى حكم أموال القرى الأخرى التى أفاءها الله - تعالى - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن الله - تعالى - قد حدد له وجوه صرفها ، فقال : { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى .

. . } .

وأما أصحاب الرأى الثانى فيرون أن الآية الثانية مفصلة لما أجملته الآية الأولى ، وأن كل فىء يقسم بالطريقة التى بينتها الآية الثانية .

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأن الثابت فى السنة الصحيحة : أن أموال بنى النضير ، لم يخمسها - صلى الله عليه وسلم - بل كانت له خاصة ، يوزعها كما يشاء ، وقد آثر بها المهاجرين ، وقسمها عليهم : ولم يعط الأنصار منها شيئا سوى ثلاثة رجال منهم ، كانت بهم حاجة فأعطاهم ، وبذلك نرى أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتقيد فى التوزيع لهذه الأموال ، بمن ورد ذكرهم فى الآية الثانية .

وما دام الأمر كذلك ، فلا حاجة إلى القول بأن الآية الثانية ، ببيان وتفصيل للآية الأولى .

هذا وهناك أقوال أخرى فى معنى هذه الآية ، مبسوطة فى كتب الفقه والتفسير ، فليرجع إليها من شاء المزيد من الأحكام الفقهية .

وقوله - سبحانه - : { كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنيآء مِنكُمْ . . } بيان لحكمة هذا التشريع الذى شرعه - سبحانه - بالنسبة للأموال التى أتت عن طريق الفىء . . . والضمير المستتر فى قوله : { يَكُونَ } للفىء .

و " الدُّولة " بضم الدال المشددة اسم لما يتداوله الناس فيما بينهم من أموال ، فيكون فى يد هذا تارة ، وفى يد ذاك تارة أخرى .

والدَّولة - بفتح الدال المشددة - اسم للنوبة من الظفر والنصر فى الحرب وغيرها .

يقال : لفلان على فلان دولة ، أى : غلبة ونصر .

وبعضهم يرى أن الدولة - بالضم والفتح - بمعنى واحد ، وهو ما يدور ويدول للإنسان من الغنى والنصر .

والمعنى : شرعنا لكم هذه الأحكام المتعلقة بتقسيم الفىء ، كى لا يكون المال الناجم عنه ، متداولا بين أيدى أغنيائكم دون فقرائكم .

والمقصود بهذه الجملة الكريمة ، إبطال ما كان شائعا فى الجاهلية ، من استئثار قواد الجيوش ، ورؤساء القبائل ، بالكثير من الغنائم دون غيرهم ممن اشترك معهم فى الحروب ، كما قال أحد الشعراء ، لأحد الرؤساء أو القادة :

لك المِربَاع منها والصفايا . . . وحُكْمُك والنَّشيِطةُ والفُضُول

أى : لك - أيها القائد وحدك - من الغنيمة ربعها ، والصفايا أى : والنفيس منها ، ولك - أيضا ما تحكم به على العدو ، ولك النشيطة ، وهى ما يصيبه الجيش من العدو قبل الحرب ، ولك - كذلك - الفضول ، أى : ما يبقى بعد قسمة الغنائم .

وقد أبطل الإسلام كل ذلك ، حيث جعل مصارف الفىء ، تعود إلى المسلمين جميعا ، بطريقة عادلة ، بينها - سبحانه - فى هذه الآية وفى غيرها . .

قال بعض العلماء : والجدير بالذكر هنا : أن دعاة المذاهب الاقتصادية الفاسدة ، يحتجون بهذه الآية على مذهبهم الفاسد ، ويقولون : ويجوز للدولة أن تستولى على مصادر الإنتاج ورءوس الأموال ، لتعطيها أو تشرك فيها الفقراء ، وما يسمونهم طبقة العمال ، وهذا على ما فيه من كساد اقتصادى ، وفساد اجتماعى ، قد ثبت خطؤه وظهر بطلانه مجانبا لحقيقة الاستدلال .

لأن هذا المال ترك لمرافق المسلمين العامة ، من الإنفاق على المجاهدين ، وتأمين الغزاة فى الحدود والثغور ، وليس يعطى للأفراد كما يقولون ، ثم - هو أساسا - مال جاء غنيمة للمسملين ، وليس نتيجة كدح الفرد وكسبه الحلال .

ولما كان مال الغنيمة ليس ملكا لشخص ، ولا هو - أيضا - كسب لشخص معين ، تحقق فيه العموم فى مصدره ، وهو الغنيمة ، والعموم فى مصرفه و عموم مصالح الأمة ، ولا دخل ولا وجود للفرد فيه ، فشتان بين هذا الأصل فى التشريع ، وهذا الفرع فى التضليل .

ثم أمر - سبحانه - المسلمين أن يمتثلوا أمر رسولهم - صلى الله عليه وسلم - امتثالا تاما ، فقال : { وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب } .

وقوله : { آتَاكُمُ } من الإتيان ، والمقصود به هنا ما جاءهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من هدايات وتشريعات ، وآداب . ويدخل فى ذلك دخولا أوليا قسمته لفىء بنى النضير بين المهاجرين ، دون الأنصار .

أى : ما أمركم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفعله - أيها المؤمنون - فافعلوه ، وما نهاكم عن فعله فاجتنبوه ، واتقوا الله فى كل أحوالكم ، فإنه - سبحانه - شديد العقاب لمن خالف أمره . ومنهم من جعل { آتَاكُمُ } هنا بمعنى أعطاكم من الفىء ، وجعل { نَهَاكُمْ } بمعنى نهاكم عن الأخذ منه ، وكأن صاحب هذا الرأى يستعين على ما ذهب إليه بفحوى المقام .

قال صاحب الكشاف : قوله : { وَمَآ آتَاكُمُ الرسول } من قسمة غنيمة أو فىء فخذوه وما نهاكم عنه ، أى : عن أخذه منه { فانتهوا } عنه .

والأجود أن يكون - الأمر والنهى - عاما فى كل ما آتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونهى عنه ، أمر الفىء داخل فى عمومه .

وقال الإمام ابن كثير : وقوله - تعالى - : { وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا } ؟ قالت : بلى .

قال : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه . قالت : إنى لأظن أهلك يفعلونه ! !

قال : اذهبى فانظرى ، فذهبت فلم تر من حاجتها شيئا . فجاءت فقالت : ما رأيت شيئا . قال : لو كان كذا لم تجامعنا .

وقال بعض العلماء وفى الآية دليل على وجوب الآخذ بالسنن الصحيحة فى كل الأمور .

وعن أبى رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى ! ! ما وجدنا فى كتاب الله اتبعناه . . " .

وهذا الحديث من أعلام النبوة ، فقد وقع ذلك بعدُ من الجاهلين بكتاب الله ، وبمنصب الرسالة ، ومن الزنادقة الصادين عن سبيل الله . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

6

( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل . . كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم . وما آتاكم الرسول فخذوه . وما نهاكم عنه فانتهوا . واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) . .

وتبين هذه الآية الحكم الذي أسلفنا تفصيلا . ثم تعلل هذه القسمة فتضع قاعدة كبرى من قواعد التنظيم الاقتصادي والإجتماعي في المجتمع الإسلامي : ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) . . كما تضع قاعدة كبرى في التشريع الدستوري للمجتمع الإسلامي : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) . . ولو أن هاتين القاعدتين جاءتا بمناسبة هذا الفيء وتوزيعه ، إلا أنهما تتجاوزان هذا الحادث الواقع إلى آماد كثيرة في أسس النظام الاجتماعي الإسلامي .

والقاعدة الأولى ، قاعدة التنظيم الاقتصادي ، تمثل جانبا كبيرا من أسس النظرية الاقتصادية في الإسلام . فالملكية الفردية معترف بها في هذا النظرية . ولكنها محددة بهذه القاعدة . قاعدة ألا يكون المال دولة بين الأغنياء ، ممنوعا من التداول بين الفقراء . فكل وضع ينتهي إلى أن يكون المال دولة بين الإغنياء وحدهم هو وضع يخالف النظرية الاقتصادية الإسلامية كما يخالف هدفا من أهداف التنظيم الاجتماعي كله . وجميع الارتباطات والمعاملات في المجتمع الإسلامي يجب أن تنظم بحيث لا تخلق مثل هذا الوضع أو تبقي عليه إن وجد .

ولقد أقام الإسلام بالفعل نظامه على أساس هذه القاعدة . ففرض الزكاة . وجعل حصيلتها في العام اثنين ونصفا في المئة من أصل رؤوس الأموال النقدية ، وعشرة أو خمسة في المئة من جميع الحاصلات . وما يعادل ذلك في الأنعام . وجعل الحصيلة في الركاز وهو كنوز الأرض مثلها في المال النقدي . وهي نسب كبيرة . ثم جعل أربعة أخماس الغنيمة للمجاهدين فقراء وأغنياء بينما جعل الفيء كله للفقراء . وجعل نظامه المختار في إيجار الأرض هو المزارعة - أي المشاركة في المحصول الناتج بين صاحب الأرض وزارعها . وجعل للإمام الحق في أن يأخذ فضول أموال الأغنياء فيردها على الفقراء . وأن يوظف في أموال الأغنياء عند خلو بيت المال . وحرم الاحتكار . وحظر الربا . وهما الوسيلتان الرئيسيتان لجعل المال دولة بين الأغنياء .

وعلى الجملة أقام نظامه الاقتصادي كله بحيث يحقق تلك القاعدة الكبرى التي تعد قيدا أصيلا على حق الملكية الفردية بجانب القيود الأخرى .

ومن ثم فالنظام الإسلامي نظام يبيح الملكية الفردية ، ولكنه ليس هو النظام الرأسمالي ، كما أن النظام الرأسمالي ليس منقولا عنه ، فما يقوم النظام الرأسمالي إطلاقا بدون ربا وبدون احتكار ، إنما هو نظام خاص من لدن حكيم خبير . نشأ وحده . وسار وحده ، وبقي حتى اليوم وحده . نظاما فريدا متوازن الجوانب ، متعادل الحقوق والواجبات ، متناسقا تناسق الكون كله . مذ كان صدوره عن خالق الكون . والكون متناسق موزون !

فأما القاعدة الثانية - قاعدة تلقي الشريعة من مصدر واحد : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) . . فهي كذلك تمثل النظرية الدستورية الإسلامية . فسلطان القانون في الإسلام مستمد من أن هذا التشريع جاء به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] قرآنا أو سنة . والأمة كلها والإمام معها لا تملك أن تخالف عما جاء به الرسول . فإذا شرعت ما يخالفه لم يكن لتشريعها هذا سلطان ، لأنه فقد السند الأول الذي يستمد منه السلطان . . وهذه النظرية تخالف جميع النظريات البشرية الوضعية ، بما فيها تلك التي تجعل الأمة مصدر السلطات ، بمعنى أن للأمة أن تشرع لنفسها ما تشاء ، وكل ما تشرعه فهو ذو سلطان . فمصدر السلطات في الإسلام هو شرع الله الذي جاء به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والأمة تقوم على هذه الشريعة وتحرسها وتنفذها - والإمام نائب عن الأمة في هذا - وفي هذا تنحصر حقوق الأمة . فليس لها أن تخالف عما آتاها الرسول في أي تشريع .

فأما حين لا توجد نصوص فيما جاء به الرسول بخصوص أمر يعرض للأمة فسبيلها أن تشرع له بما لا يخالف أصلا من أصول ما جاء به الرسول . وهذا لا ينقض تلك النظرية ، إنما هو فرع عنها . فالمرجع في أي تشريع هو أن يتبع ما جاء به الرسول إن كان هناك نص . وألا يخالف أصلا من أصوله فيما لا نص فيه . وتنحصر سلطة الأمة - والإمام النائب عنها - في هذه الحدود . وهو نظام فريد لا يماثله نظام آخر مما عرفته البشرية من نظم وضعية . وهو نظام يربط التشريع للناس بناموس الكون كله . وينسق بين ناموس الكون الذي وضعه الله له والقانون الذي يحكم البشر وهو من الله . كي لا يصطدم قانون البشر بناموس الكون ، فيشقى الإنسان أو يتحطم أو تذهب جهوده أدراج الرياح !

وتربط الآية هاتين القاعدتين في قلوب المؤمنين بمصدرهما الأول . . وهو الله . . فتدعوهم إلى التقوى وتخوفهم عقاب الله : ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) . . وهذا هو الضمان الأكبر الذي لا احتيال عليه ، ولا هروب منه . فقد علم المؤمنون أن الله مطلع على السرائر ، خبير بالأعمال ، وإليه المرجع والمآب . وعلموا أنه شديد العقاب . وعلموا أنهم مكلفون ألا يكون المال دولة بينهم ، وأن يأخذوا ما آتاهم الرسول عن رضى وطاعة ، وأن ينتهوا عما نهاهم عنه في غير ترخص ولا تساهل وأمامهم يوم عصيب . .

ولقد كان توزيع ذلك الفيء - فيء بني النضير - على المهاجرين وحدهم عدا رجلين من الأنصار إجراء خاصا بهذا الفيء ، تحقيقا لقاعدة : ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) . . فأما الحكم العام ، فهو أن يكون للفقراء عامة . من المهاجرين ومن الأنصار وممن يأتي بعدهم من الأجيال . وهذا ما تضمنته الآيات التالية في السياق .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

ثم قال : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } أي : جميع البلدان التي تُفتَح هكذا ، فحكمها حكم أموال بني النضير ؛ ولهذا قال :{ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ } إلى آخرها والتي بعدها . فهذه مصارفُ أموال الفيء ووجوهه .

قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عمرو ومَعْمَر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان ، عن عمر ، رضي الله عنه ، قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله إلى رسوله مما لم يُوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة{[28539]} فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته{[28540]} - وقال مَرّة : قوت{[28541]} سنته - وما بقي جعله في الكُرَاع والسلاح في سبيل الله ، عز وجل ، هكذا أخرجه أحمد هاهنا مختصرًا ، وقد أخرجه الجماعة في كتبهم - إلا ابن ماجة - من حديث سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن الزهري ، به{[28542]} وقد رويناه مطولا فقال أبو داود ، رحمه الله :

حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس - المعنى واحد - قالا حدثنا بشرِ بن عُمَر الزهراني ، حدثني مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن مالك بن أوس قال : أرسل إلىَّ عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، حين تعالى النهار ، فجئته فوجدته جالسًا على سرير مُفضيًا إلى رُماله ، فقال حين دخلت عليه : يا مال ، إنه قد دَفّ أهل أبيات{[28543]} من قومك ، وقد أمرت فيهم بشيء ، فاقسم فيهم . قلت : لو أمرتَ غيري بذلك ؟ فقال : خذه ، فجاءه {[28544]} يرفأ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هل لك في عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ؟ فقال : نعم . فأذن لهم فدخلوا ، ثم جاءه يرفا فقال : يا أمير المؤمنين ، هل لك في العباس وعلي ؟ قال : نعم . فأذن لهم فدخلوا ، فقال العباس : يا أمير المؤمنين ، اقض بيني وبين هذا - يعني : عليًا - فقال بعضهم : أجل يا أمير المؤمنين ، اقض بينهما وأرحهما . قال مالك بن أوس : خُيّل إليَّ أنهما قَدّما أولئك النفر لذلك . فقال عمر ، رضي الله عنه : اتئدا ، ثم أقبل على أولئك الرهط فقال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا نُورَث ، ما تركنا صدقة ) . قالوا : نعم ، ثم أقبل على عليّ والعباس فقال : أنشدُكُما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا نورث ، ما تركنا صدقة ) ، فقالا نعم . فقال : فإن الله خص رسوله بخاصة لم يخص بها أحدًا من الناس ، فقال :{ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فكان الله أفاء إلى رسوله أموال بني النضير ، فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أحرزها دونكم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقة سنة - أو : نفقته ونفقة أهله سنة - ويجعل ما بقي أسوة المال . ثم أقبل على أولئك الرهط فقال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض : هل تعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم . ثم أقبل على عليٍّ والعباس فقال : أنشدُكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض : هل تعلمان ذلك ؟ قالا نعم . فلما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر : ( أنا وليّ رسول الله ) ، فجئت أنتَ وهذا إلى أبي بكر ، تطلب أنت ميراثك عن ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ، فقال أبو بكر ، رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا نورث ، ما تركنا صدقة ) ، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق . فوليها أبو بكر ، فلما توفي قلتُ : أنا وَلِيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ووليّ أبي بكر ، فَوليتها ما شاء الله أن أليها ، فجئت أنت وهذا ، وأنتما جَميع وأمركما واحد ، فسألتمانيها ، فقلت : إن شئتما فأنا أدفعها إليكما على أنّ عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يليها ، فأخذتماها مني على ذلك ، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك . والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عَجَزتُما عنها فَرُدّاها إلي .

أخرجوه من حديث الزهري ، به{[28545]} . وقال الإمام أحمد :

حدثنا عارم وعفان قالا حدثنا معتمر ، سمعت أبي يقول : حدثنا أنس بن مالك ، عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات ، أو كما شاء الله ، حتى فُتحَت عليه قريظة والنضير . قال : فجعل يَرُدّ بعد ذلك ، قال : وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه ، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أمّ أيمن ، أو كما شاء الله ، قال : فسألتُ النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيهن ، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوبَ في عنقي وجعلت تقول : كلا والله الذي لا إله إلا هو لا يُعطيكَهُنّ وقد أعطانيهن ، أو كما قالت ، فقال نبي الله : " لك كذا وكذا " . قال : وتقول :

كلا والله ، قال ويقول : " لك كذا وكذا " . قال : وتقول : كلا والله . قال : " ويقول : لك كذا وكذا " . قال : حتى أعطاها ، حسبت أنه قال : عشرة أمثال أو قال قريبًا من عشرة أمثاله ، أو كما قال . رواه البخاري ومسلم من طُرُق عن معتمر ، به{[28546]} .

وهذه المصارف المذكورة في هذه الآية هي المصارف المذكورة في خُمس الغَنيمة . وقد قدمنا الكلام عليها في سورة " الأنفال " بما أغنى عن إعادته هاهنا ، ولله الحمد{[28547]} .

وقوله : { كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ } أي : جعلنا هذه المصارف لمال الفيء لئلا يبقى مأكلة يتغلب عليها الأغنياء ويتصرفون فيها ، بمحض الشهوات والآراء ، ولا يصرفون منه شيئًا إلى الفقراء .

وقوله : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } أي : مهما أمركم به فافعلوه ، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه ، فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن العوفي ، عن يحيى بن الجزار ، عن مسروق قال : جاءت امرأة إلى ابن مسعود فقالت : بلغني أنك تنهى عن الواشمة والواصلة ، أشيء وجدته في كتاب الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بلى ، شيء وجدته في كتاب الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه الذي تقول ! . قال : فما وجدت فيه : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ؟ قالت : بلى . قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الواصلة والواشمة والنامصة . قالت : فلعله في بعض أهلك . قال : فادخلي فانظري . فدخلت فَنَظرت ثم خرجَت ، قالت : ما رأيتُ بأسا ، فقال لها : أما حفظت وصية العبد الصالح : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، [ عن إبراهيم ]{[28548]} عن علقمة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات ، والمُتفَلجات للحُسْن ، المغيرات خلق الله ، عز وجل . قال : فبلغ امرأة في البيت يقال لها : " أم يعقوب " ، فجاءت إليه فقالت : بلغني أنك قلت كيتَ وكيتَ . قال : ما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وفي كتاب الله . فقالت : إني لأقرأ ما بين لوحيه فما وجدته . فقال : إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه . أما قرأت : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ؟ قالت : بلى . قال : فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه . قالت : [ إني ]{[28549]} لأظن أهلك يفعلونه . قال : اذهبي فانظري .

فذهَبت فلم تر من حاجتها شيئا ، فجاءت فقالت : ما رأيتُ شيئًا . قال : لو كانت كذلك لم تُجَامعنا . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث سفيان الثوري{[28550]} .

وقد ثبت في الصحيحين أيضًا عن أبي هُرَيرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " . {[28551]} .

وقال النسائي : أخبرنا أحمد بن سعيد ، حدثنا يزيد ، حدثنا منصور بن حيان ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عُمَر وابن عباس : أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن الدُّباء والحَنْتَم والنَّقير والمزَفَّت ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } {[28552]} .

وقوله : { وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } أي : اتقوه في امتثال أوامره وترك زواجره ؛ فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه ، وارتكب ما عنه زجره ونهاه .


[28539]:- (3) في م: "خاصة".
[28540]:- (4) في م: "سنة".
[28541]:- (5) في أ: "مسيرة".
[28542]:- (6) المسند (1/25) وصحيح البخاري برقم (4885) وصحيح مسلم برقم (1757) وسنن أبي داود برقم (2965) وسنن الترمذي برقم (1719) وسنن النسائي الكبرى برقم (11575).
[28543]:- (7) في أ: "أهل بنات".
[28544]:- (8) في م: "فجاء".
[28545]:- (1) سنن أبي داود برقم (2963) وصحيح البخاري برقم (3094) وصحيح مسلم برقم (1757) وسنن النسائي (7/136) وسنن الترمذي برقم (1610).
[28546]:- (1) المسند (3/219) وصحيح البخاري برقم (3128، 4030، 4120) وصحيح مسلم برقم (1771).
[28547]:- (2) في أ: "ولله الحمد والمنة".
[28548]:-(3) زيادة من مسند الإمام أحمد والبخاري ومسلم.
[28549]:- (4) زيادة من م، أ، والمسند.
[28550]:- (1) المسند (1/433) وصحيح البخاري برقم (4887) وصحيح مسلم برقم (2125).
[28551]:- (2) صحيح البخاري برقم (7288) وصحيح مسلم برقم (1337).
[28552]:-(3) سنن النسائي الكبرى برقم (11578).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

{ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى }بيان للأول ولذلك لم يعطف عليه { فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل }اختلف في قسم الفيء فقيل يسدس لظاهر الآية ويصرف سهم الله في عمارة الكعبة وسائر المساجد وقيل يخمس لأن ذكر الله للتعظيم ويصرف الآن سهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإمام على قول وإلى العساكر والثغور على قول وإلى مصالح المسلمين على قول وقيل يخمس خمسه كالغنيمة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم الخمس كذلك ويصرف الأخماس الأربعة كما يشاء والآن على الخلاف المذكور ، { كيلا يكون }ي الفيء الذي حقه أن يكون للفقراء وقرأ هشام في رواية بالتاء { دولة بين الأغنياء منكم } ، الدولة ما يتداوله الأغنياء ويدور بينهم كما كان في الجاهلية وقرىء دولة بمعنى كيلا يكون الفيء ذا تداول بينهم أو أخذه غلبة تكون بينهم وقرأ هشام دولة بالرفع على كان التامة أي كيلا يقع دولة جاهلية . { وما آتاكم الرسول }وما أعطاكم من الفيء أو من الأمر { فخذوه }لأنه حلال لكم أو فتمسكوا به لأنه واجب الطاعة ، { وما نهاكم عنه }عن أخذه منه أو عن إتيانه { فانتهوا }عنه { واتقوا الله }في مخالفة رسوله { إن الله شديد العقاب }لمن خالفه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

{ أهل القرى } المذكورون في هذه الآية هم أهل الصفراء والينبوع ووادي القرى ، وما هنالك من قرى العرب التي تسمى قرى عربية ، وحكمها مخالف لبني النضير ، ولم يحبس من هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه شيئاً بل أمضاها لغيره ، وذلك أنها في ذلك الوقت فتحت ، واختلف الناس في صفة فتحها فقيل : عن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعث بعثاً إلى كل مكان فطاع وأعطاه أهله فكان مما لم يوجف عليه ، وكان حكمه حكم خمس الغنائم ، وليس في الآية نسخ على هذا التأويل ، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع ذلك للمهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئاً . وقال قتادة وزيد بن رومان : كانت هذه القرى قد أوجف عليها ، ولكن هذا حكم ما يوجف عليه ، ثم نسخ الله تعالى هذا الحكم بآية الأنفال فجعل فيها الخمس لهذه الأصناف وبقيت الأربعة الأخماس للمقاتلة ، وآية هذه السورة لم يكن فيها للمقاتلة شيء ، وهذا القول يضعف ، لأن آية الأنفال نزلت إثر بدر وقبل بني النضير وقبل أمر هذه القرى بسنة ونيف . و { القربى } في هذه الآية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم منعوا الصدقة وعوضوا من الفيء .

وقوله تعالى : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } مخاطبة للأنصار لأنه لم يكن في المهاجرين في ذلك الوقت غني ، وقرأ جمهور الناس «يكون » بالياء ، وقرأ أبو جعفر وابن مسعود وهشام عن ابن عامر : بالتاء وهي كان التامة . وقرأ جمهور الناس : «دُولةً » بضم الدال ونصب الهاء . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : «دَولةً » بفتح الدال ونصب الهاء . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وهشام عن ابن عامر : «دُولةٌ » بضم الدال والهاء . وقال عيسى بن عمر هما بمعنى واحد . وقال الكسائي وحذاق النظرة الفتح في المُلك : بضم الميم لأنها الفعلة في الدهر والضم في المِلك بكسر الميم . والمعنى أنها كالعواري فيتداول ذلك المال الأغنياء بتصرفاتهم ويبقى المساكين بلا شيء ولا حظ في شيء من هذه الأموال ليتيم غني ولا لابن سبيل حاضر المال ، وقد مضى القول في الغنائم في سورة الأنفال ، وروي : أن قوماً من الأنصار تكلموا في هذه القرى المفتتحة وقالوا : لنا منها سهمنا فنزل قوله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه } الآية ، مؤدباً في ذلك وزاجراً ثم اطرد بعد معنى الآية في أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ونواهيه حتى قال قوم إن الخمر محرمة في كتاب الله بهذه الآية ، وانتزع منها ابن مسعود : لعنة الواشمة والمستوشمة الحديث{[11023]} . ورأى محرماً في ثيابه المخيطة . فقال له : اطرح هذا عنك ، فقال له الرجل : أتقرأ علي بذلك آية من كتاب الله تعالى فقال ابن مسعود : نعم ، وتلا هذه الآية .


[11023]:حديث الواشمة والمستوشمة أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، وأحمد في مسنده، عن علقمة، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال:(لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله). فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت!فقال: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟ فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول:فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت:{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}؟ قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه، قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه، قال: فاذهبي فانظري، فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئا، فقال: لو كانت كذلك ما جامعتها. واللفظ للبخاري، والوشم: غرز الإبرة في البدن وذر النيلج عليه حتى يزرقّ أثره أو يخضر، والتنمص: نتف شعر الوجه بالخيط. والتفليج: أن تفرق المرأة بين أسنانها طلبا للزينة.