المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

25 - أهل مكة هم الذين كفروا ومنعوكم من دخول المسجد الحرام ، ومنعوا الهدى الذي سقتموه محبوسا معكم على التقرب به من بلوغ مكانه الذي ينحر فيه ، ولولا كراهة أن تُصيبوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات بين الكفار بمكة أخفوا إيمانهم فلم تعلموهم فتقتلوهم بغير علم بهم ، فيلحقكم بقتلهم عار وخزي ، ولهذا كان منع القتال في هذا اليوم حتى يحفظ الله من كانوا مستخفين بإسلامهم بين كفار مكة . لو تميز المؤمنون لعاقبنا الذين أصروا على الكفر منهم عقابا بالغ الألم ، حين جعل الذين كفروا في قلوبهم الأنفة أنفة الجاهلية ، فأنزل الله طمأنينته على رسوله وعلى المؤمنين ، وألزمهم كلمة الوقاية من الشرك والعذاب ، وكانوا أحق بها وأهلاً لها . وكان علم الله محيطا بكل شيء .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

ثم بين - سبحانه - ما كان عليه المشركون من جهالات وحماقات استولت على نفوسهم فقال : { إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الحمية حَمِيَّةَ الجاهلية } .

والظرف { إِذْ } منصوب بفعل مقدر . والحمية : الأنفة والتكبر والغرور والتعالى بغير حق . يقال : حَمِىَ أنفه من الشئ - كرضى - إذا غضب منه ، وأعرض عنه .

أى : واذكر - أيها العاقل - وقت أن تمسك الكافرون وقيدوا أنفسهم بالحمية الباطلة ، التى هى حمية المِلّة الجاهلية ، حيث منعوا المسلمين من دخول مكة ، ومن الطواف بالمسجد الحرام ، وحيث منعوا الهدى من أن يبلغ محله ، وحيث أبوا أن يكتب فى الصحيفة التى عقدت بينهم وبين المسلمين ، بسم الله الرحمن الرحيم ، أو محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا كله من حميتهم الجاهلية التى لا أساس لها من علم أو خلق أو دين .

.

وقوله : { فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى . . . } معطوف على ما قبله ، للمقابلة بين حال الفريقين ، مقابلة تتجلى فيها رعايته - سبحانه - للمؤمنين ، وغضبه على الكافرين . أى : هذا هو حال الكافرين ، رسخت الجهالات فى قلوبهم حتى صرفتهم عن سبيل الرشد ، أما حال المؤمنين فأنهم قابلوا تصرفات هؤلاء الكافرين بالاحتقار والازدراء ومبايعة رسولهم - صلى الله عليه وسلم - على الموت إذا لزم الأمر ذلك .

فأنزل الله - تعالى - طمأنينته وسكينته على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى قلوب أصحابه ، حيث لم يجعلهم يقابلون سفاهات المشركين بسفاهات مثلها . .

{ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى } أى : وجعلهم ملتزمين بما تقتضيه كلمة التقوى ، وهى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوا الله ، من أناة وسكون وثبات ووقار وخلق كريم وإخلاص فى الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله .

{ وكانوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } أى : وكان المؤمنين أحق بهذه الكلمة من الكفار ، وكانوا أهلا لها دون الكفار ، لأن المؤمنين استجابوا للحق . أما الكافرون فقد أنفوا منه ، وتطاولوا عليه ، بمقضتى حميتهم الجاهلية . . { وَكَانَ } - سبحانه - وما زال { بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } لا يخفى عليه أمر ، ولا يغيب عن علمه شئ ، والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يرى ألوانا من المقابلات التى تدل على مدح الله - تعالى - للمؤمنين ، وعلى احتقاره للكافرين .

فقد عبر - سبحانه - فى جانب الكافرين بكلمة جعل التى تشعر بأن الكافرين كأنهم قد ألقوا هذه الحمية الجاهلية فى قلوبهم إلقاء بدون تعقل أو تبدر ، بينما عبر فى جانب المؤمنين بكلمة أنزل التى تشعر كأن السكينة كانت فى خزائنه - تعالى - ثم أنزلها بعد ذلك على قلب رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى قلوب المؤمنين ، ليزدادوا إيمانا على إيمانهم . .

ونرى الفاعل لجعل هو الذين كفروا ، بينما الفاعل لأنزل هو الله - عز وجل - .

ونرى المفعول لجعل هو الحمية ، وهى كلمة مشتعلة منفرة ، وقد كررها - سبحانه - ليزداد العقلاء نفورا منها . . ونرى المفعول لأنزل هو السكينة وهى كلمة فيها ما فيها من الوقار والسكون والثبات والطمأنينة .

ونرى الحمية قد أضيفت إلى الجاهلية ، بينما السكينة أضيفت إلى الله - تعالى - .

ونرى أن الله - تعالى - قد أضاف كل ذلك مدحا عظيما لعباده المؤمنين حيث ألزمهم كلمة التقوى ، وجعلهم بها وأهلا لها دون أعدائهم الذين آثروا الغى على الرشد ، والباطل على الحق . . وفى ذلك ما فيه من الثناء على المؤمنين والتحقير للكافرين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

18

ويمضي في وصف الذين كفروا . وصف نفوسهم من الداخل . بعد تسجيل صفتهم وعملهم الظاهر :

( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ) . .

حمية لا لعقيدة ولا لمنهج . إنما هي حمية الكبر والفخر والبطر والتعنت . الحمية التي جعلتهم يقفون في وجه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه ، يمنعونهم من المسجد الحرام ، ويحبسون الهدي الذي ساقوه ، أن يبلغ محله الذي ينحر فيه . مخالفين بذلك عن كل عرف وعن كل عقيدة . كي لا تقول العرب ، إنه دخلها عليهم عنوة . ففي سبيل هذه النعرة الجاهلية يرتكبون هذه الكبيرة الكريهة في كل عرف ودين ؛ وينتهكون حرمة البيت الحرام الذي يعيشون على حساب قداسته ؛ وينتهكون حرمة الأشهر الحرم التي لم تنتهك في جاهلية ولا إسلام ! وهي الحمية التي بدت في تجبيههم لكل من أشار عليهم - أول الأمر - بخطة مسالمة ، وعاب عليهم صد محمد ومن معه عن بيت الله الحرام . وهي كذلك التي تبدت في رد سهيل بن عمرو لاسم الرحمن الرحيم ، ولصفة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في أثناء الكتابة . وهي كلها تنبع من تلك الجاهلية المتعجرفة المتعنتة بغير حق .

وقد جعل الله الحمية في نفوسهم على هذا النحو الجاهلي ، لما يعلمه في نفوسهم من جفوة عن الحق والخضوع له . فأما المؤمنون فحماهم من هذه الحمية . وأحل محلها السكينة ، والتقوى :

( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . وألزمهم كلمة التقوى . وكانوا أحق بها وأهلها ) . .

والسكينة الوقورة الهادئة ، كالتقوى المتحرجة المتواضعة كلتاهما تليق بالقلب المؤمن الموصول بربه ، الساكن بهذه الصلة . المطمئن بما فيه من ثقة . المراقب لربه في كل خالجة وكل حركة ، فلا يتبطر ولا يطغى ؛ ولا يغضب لذاته ، إنما يغضب لربه ودينه . فإذا أمر أن يسكن ويهدأ خشع وأطاع . في رضى وطمأنينة .

ومن ثم كان المؤمنون أحق بكلمة التقوى ، وكانوا أهلها . وهذا ثناء آخر من ربهم عليهم . إلى جانب الامتنان عليهم بما أنزل على قلوبهم من سكينة ، وما أودع فيها من تقوى . فهم قد استحقوها في ميزان الله ، وبشهادته ؛ وهو تكريم بعد تكريم ، صادر عن علم وتقدير :

( وكان الله بكل شيء عليما ) . .