60- لا تُصرف الزكاة المفروضة إلا للذين لا يجدون ما يكفيهم ، والمرضى الذين لا يستطيعون كسباً ولا مال لهم ، والذين يجمعونها ويعملون فيها ، والذين تؤلف قلوبهم ، لأنهم يرجى منهم الإسلام والانتفاع بهم في خدمته ونصرته ، والذين يدعون إلى الإسلام ويبشرون به ، وفي عتق رقاب الأرقاء والأسرى من ربقة العبودية وذل الأسر ، وفي قضاء الديون عن المدينين العاجزين عن الأداء ، إذا لم تكن ناشئة عن إثم أو ظلم أو سفه ، وفي إمداد الغزاة بما يعينهم على الجهاد في سبيل الله ، وما يتصل بذلك من طريق الخير ووجوه البر ، وفي عون المسافرين إذا انقطعت أسباب اتصالهم بأموالهم وأهليهم . شرع الله ذلك فريضة منه لمصلحة عباده ، والله سبحانه عليم بمصالح خلقه ، حكيم فيما يشرع{[84]} .
قال الإِمام ابن كثير . لما ذكر الله - تعالى - اعتراض المنافقين الجهلة على النبى - صلى الله عليه وسلم - ولمزهم إياه في قسم الصدقات . بين - سبحانه - أنه هو الذي قسمها ، وبين حكمها ، وتولى أمرها بنفسه ، ولم يكل قسمها إلى أحد غيره فجزأها لهؤلاء المذكورين ، كما رواه أبو داود في سنته عن زيادة بن الحارث الصدائى قال . أتين النبى - صلى الله عليه وسلم - فبايعته .
فأتى رجل فقال . أعطنى من الصدقة فقال له . " إن الله لم يرض بحكم نبى ولا غيره . في الصدقات حتى حكم فيها هو ، فجزأها ثمانية أصناف ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك .
والمراد بالصدقات هنا - عند كثير من العلماء - الزكاة المفروضة .
ولفظ الصدقات . مبتدأ . والخبر محذوف ، والتقدير : إنما الصدقات مصروفة للفقراء والمساكين . . إلخ .
والفقراء . جمع فقير ، وهو من له أدنى شئ من المال . أو هو من لا يملك المال الذي يقوم بحاجاته الضرورية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن .
يقال فقر الرجل - من باب تعب - إذا قل ماله .
قالوا : وأصل الفقير في اللغة : الشخص الذي كسر فقار ظهره ، ثم استعمل فيمن قل ماله لانكساره بسبب احتياجه إلى غيره .
أو هو من الفقرة بمعنى الحفرة ، ثم استعمل فيما ذكر لكونه أدنى حالا من اكثر الناس ، كما أن الحفرة أدنى من مستوى سطح الأرض المستوية .
والمساكين : جمع مسكين ، وهو من لا شئ له ، فيحتاج إلى سؤال الناس لسد حاجاته ومطالب حياته .
وهو مأخوذ من السكون الذي هو ضد الحركة ، لأن احتياجه إلى غيره أسكنه وأذله .
وقيل : المسكين هو الذي مال أو كسب ولكنه لا يكفيه ، وعلى هذا يكون قريب الشبه بالفقير .
وقوله : { والعاملين عَلَيْهَا } بيان للصنف الثالث من الأصناف الذين تجب لهم الزكاة .
والمارد بهم . من كلفهم الإِمام بجمع الزكاة وتحصيلها ممن يملكون نصابها .
ويدخل فيهم العريف ، والحاسب ، والكاتب ، وحافظ المال ، وكل من كلفه الإِمام أو نائبه بعمل يتعلق بجمع الزكاة او حفظها ، أو توزيعها .
وقوله . { والمؤلفة قُلُوبُهُمْ } بيان للصنف الرابع .
والمراد بهم الأشخاص الذين يرى الإِمام دفع شئ من الزكاة إليهم تأليفاً لقلوبهم ، واستمالة لنفوسهم نحو الإِسلام ، لكف شرهم ، أو لرجاء نفعهم ، وهم أنواع :
منهم قوم من الكفار ، كصفوان بن أمية ، فقد أعطاه النبى - صلى الله عليه وسلم - من غنائم حنين ، وكان صفوان يومئذ كافراً ، ثم أسلم وقال : والله لقد أعطانى النبى - صلى الله عليه وسلم - وكان أبغض الناس إلى ، فما زال يعطينى . حتى أسلمت وإنه لأحب الناس إلى .
ومنهم قوم كانوا حديثى عهد بالإِسلام وكانوا من ذوى الشرف في أقوامهم فكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم ، ليثبت إيمانهم ، وليدخل معهم في الإِسلام أتباعهم .
ومن أمثلة ذلك ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن ، والزبرقان بن بدر ، فقد أعطاهم - صلى الله عليه وسلم - لمكانتهم في عشيرتهم ، ولشرفهم في أقوامهم . وليدخل معهم في الإِسلام غيرهم .
ومن أمثلة هذا الصنف العباس من مرداس السملى ، فقد أعطاه النبى - صلى الله عليه وسلم - تأليفاً لقلبه ، وتثبيتاً لإِيمانه .
والخلاصة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يتألف قلوب بعض الناس بالعطاء ، دفعاً لشرهم ، أو أملا في نفعهم ، أو رجاء هدايتهم .
وقوله : { وَفِي الرقاب } بيان لنوع خامس من مصارف الزكاة . وفى الكلام مجاز بالحذف ، والتقدير : وتصرف الصدقات أيضا في فك الرقاب بأن يعان المكاتبون بشئ منها علىأداء بدل الكتابة ؛ لكن يصروا أحراً . أو بأن يشترى بجز منها عدداً من العبيد لكى يعتقوا من الرق .
وذلك لأن الإِسلام يجب أتباعه في عتق الرقاب ، وفى مساعدة الأرقاء على أن يصيروا أحراراً .
وقوله : { والغارمين } من الغرم بمعنى الملازمة للشئ ومنه قوله . تعالى : { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } أى : عذاب جهنم كان ملازماً لأهلها من الكافرين .
والمراد بالغارمين : من لزمتهم الديون في غير مصعية لله ، ولا يجدون المال الذي يدفعونه لدائنيهم ، فيعطون من الزكاة ما يعينهم على سداد ديونهم .
وقوله : { وَفِي سَبِيلِ الله } بيان لنوع سابع من مصارف الزكاة .
والسبيل : الطريق الذي فيه سهولة ، وجمعه سبل . وأضيف إلى الله تعالى للإِشارة إلى أنه هو السبيل الحق الذي لا يحرم حوله باطل ، وهو الذي يوصل السائر فيه إلى مرضاة الله ومثوبته .
أى : وتصرف الصدقات في سبيل الله ، يدفع جزء منها لمساعدة المجاهدين والغزاة والفقراء الذين خرجوا لإِعلاء كلمة الله .
قال بعض العلماء ما ملخصه : قال أبو حنيفة ومالك والشافعى . يصرف سهم سبيل الله المذكور في الآية الكريمة إلى الغزاة . . لأن المفهوم في الاستعمال المتبادر إلى الأفهام أن سبيل الله هو الغزو ، وأكثر ما جاء في القرآن الكريم كذلك .
وقال الإِمام أحمد : يجوز صرف سبيل الله إلى مريد الحج .
وقال بعضهم : يجوز صرف سبيل الله إلى طلبة العلم .
وفسره بعضهم بجميع القربات . فيخل فيه جميع الخير ، مثل تكفين الموتى ، وبناء القناطر ، والحصون ، وعمارة المساجد { وَفِي سَبِيلِ الله } عام في الكل . .
وقوله : { وابن السبيل } بيان للصنف الثامن والأخير من الأصناف الذين هم مصارف الزكاة .
والمراد بابن السبيل : المسافر المنقطع عن ماله في سفره . ولو كان غنياً في بلده ، فيعطى من الزكاة ما يساعده على بلوغ موطنه .
وقد اشترط العلماء لابن السبيل الذي يعطى من الصدقة ، أن يكون سفره في غير معصية الله . فإن كان في معصية لم يعط : لأن إعطاءه يعتبر إعانة له على المصعية ، وهذا لا يجوز .
وقد ألحقوا بابن السبيلن كل من غاب من ماله ، ولو كان في بلده .
وقوله . فريضة من الله ، منصوب بفعل مقر أى : فرض الله لهم هذه الصدقات فريضة ، فلا يصح لكم أن تبخلوا بها عنهم ، أو تتكاسلوا في إعطائها لمستحقيها .
فالجملة الكريمة زجر للمخاطبين عن مخالفة أحكامه . سبحانه .
وقوله : { والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } تذييل قصد به بيان الحكمة من فرضية الزكاة .
اى : والله - تعالى - عليم بأحوال عباده ، ولا تخفى عليه خافية من تصرفاتهم ، حكيم في كل أوامره ونواهيه ، فعليكم . أيها المؤمنون أن تأتمروا بأوامره ، وأن تنتهوا عن نواهيه لتنالوا رضاه .
هذا ، من الأحكام والآداب التي أخذها العماء من هذه الآية ما يأتى :
1- أن المراد بالصدقات هنا ما يتناول الزكاة المفروضة وغيرها من الصدقات المندوبة ، وذلك لأن اللفظ عام فيشمل كل صدقة سواء أكانت واجبة أم مندوبة ، ولأن لفظ الصدقة في عرف الشرع وفى صدر الإِسلام ، كان يشمل الزكاة المفروضة ، والصدقة المندوبة ، ويؤيده قوله - تعالى - : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } ومن العلماء من يرى أن المراد بالصدقات في الآية : الزكاة المفروضة ، لأن ( أل ) في الصدقات للعهد الذكرى والمعهود هو الصدقات الواجبة التي أشار إليها القرآن . بقوله قبيل هذه الآية . { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات } ولأن الصدقات المندوبة يجوز صرفها في غير الأصناف الثمانية كبناء المساجد والمدارس .
ويبدو لنا أن لفظ الصدقات في الآية عام بحيث يتناول كل صدقة ، إلا أن الزكاة المفروضة تدخل فيه دخولا أوليا .
2- قال بعض العلماء : ظاهر الآية يقضى بالقسمة بين الثمانية الأصناف ، ويؤيد هذا وجهان .
الأول . ما يقتضيه اللفظ اللغوى ، إن قلنا . الواو للجمع والتشريك .
والثانى : ما رواه أبو داود في سنته من قوله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله لم يرض بحكم نبى ولا غيره في الصدقات ، حتى حكم فيها ، فجزأ ثمانية أجزاء " .
وقد ذهب إلى هذا الشافعى وعكرمة والزهرى ، إلا إن استغنى أحدهما فتدفع إلى الآخرين بلا خلاف .
وذهبت طوائف إلى جواز الصرف في صنف واحد . منهم عمر وابن عباس وعطاء وابن جبير ومالك وأبو حنيفة .
قال في التهذيب : وخرجوا عن الظاهر في دلالة الآية المذكورة والخبر بوجوه :
الأول : أن الله - تعالى - قال في سورة البقرة : { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقرآء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } فدل على أن ذكر العدد هنا لبيان جنس من يستحقها .
الثانى : الخبر ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ : " أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم " .
الثالث : حديث سلمة بن صخر . فإنه - صلى الله عليه وسلم - جعل له صدقة بنى زريق .
الرابع : أنه لم يظهر في ذلك خلاف من جهة الصحابة فجرى كالمجمع عليه .
3- يرى جمهور العلماء أن الفقراء والمساكين صنفان من مصارف الزكاة لأن الله . - تعالى - قد ذكر كل صنف منهما على حدة ، إلا أنهم اختلفوا في أيهما أسوأ حالا من الآخر . فالشافعية يرون أن الفقير أسوأ حلالا من المسكين .
ومن أدلتهم على ذلك ، أن الله . تعالى . بدأت في الآية بالفقراء ، وهذا البدء ، يشير إلى أنهم أشد حاجة من غيرهم ، لأن الظاهر تقديم الأهم على المهم .
ولأن لفظ الفقير أصله في اللغة المفقور الذي نزعت فقرة من فقار ظهره : فلا يستطيع التكسب ، ومعلوم أنه لا حال في الاقلال والبؤس آكد من هذه الحال .
ولأن الله . تعالى . وصف بالمسكنة من كانت له سفينة من سفن البحر فقال : { أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البحر } أما الأحناف والمالكية فيرون أن المسكين أسوأ حالا من الفقير .
ومن أدلتهم على ذلك : أن علماء اللغة عرفوا المسكين بأنه أسوأ حالا من الفقير ، وإلى هذا ذهب يعقوب بن السكيت ، والقتبى ، ويونس بن حيبيب .
ولأن الله - تعالى - وصف المسكين وصفا يدل على البؤس وصفاً يدل على البؤس والفاقة فقال : { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } أى : مسكيناً ذا حاجة شديدة ، حتى لكأنه قد لصق بالتارب من شدة الفاقة ، ولم يصف الفقير بذلك . .
قال بعض العلماء : وأنت إذا تأملت أدلة الطرفين وجدت أنها متعارضة ومحل نظر ، وأياما كان فقد اتفق الرأيان على أن الفقراء والمساكين صنفان .
وروى عن ابى يوسف ومحمد أنهما صنف واحد واختاره الجبائى ، ويكون العطف بينهما لاختلاف المفهوم . وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أوصى لفلان وللفقراء والمساكين ؛ فمن قال إنهما صنف واحد جعل لفلان نصف الموصى به ، ومن قال إنهما صنفان جعل له الثلث من ذلك .
4- ظاهر الآية يدل على أن الزكاة يتجوز دفعها لكل من يشكله اسم الفقير والمسكين ، إلا أن هذا الظاهر غير مراد ؛ لأن الأحاديث الصحيحة قد قيدت هذا الإِطلاق .
قال القرطبى : اعلم أن قوله - تعالى - : { لِلْفُقَرَآءِ } مطلق ليس فيه شرط وتقييد ، بل فيه دلالة على جواز الصرف إلى جملة الفقراء ، سواء أكانوا من بنى هاشم أو من غيرهم ، إلاأن السنة وردت باعتبار شروط ، منها : ألا يكونوا من بنى هاشم ، وألا يكونوا ممن تلزم المتصدق نفقته ، وهذا لا خلاف فيه .
وشرط ثالث ألا يكن قوياً على الاكتساب ؛ لأنه - سبحانه - قال : " لا تحل الصدقة لغنى ، ولا لذى مرة سوى " .
ولا خلاف بين علماء المسلمين في أن الصدقة المفروضة لا تحل للنبى - صلى الله عليه وسلم - ولا لنبى هاشم ولا لمواليهم . .
وكذلك لا يصح أن تعطى لغير المسلمين ، ففى الصحيحين عن ابن عباس - رضى الله عنهما -
" أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال معاذ حين بعثه إلى ايمن : " أعلمهم أنعليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم " فاقتضى ذلك أن الصدقة مقصورة على فقراء المسلمين .
إلا أنه نقل عن أبى حنيفة جواز دفع صدقة الفطر إلى الذمى .
5- أخذ بعض العلماء من قوله - تعالى { والعاملين عَلَيْهَا } أنه يجب على الإِمام أن يرسل من يراه أهلا لجمع الزكاة ممن تجب عليهم .
وقد تأكد هذا الوجوب بفعل النبى - صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في أحاديث متعددة أنه أرسل بعض الصحابة لجمع الزكاة .
روى البخارى عن أبى حميد الساعدى قال : استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا على صدقات بنى سليم يدعى ابن اللتبية ، فلما جاء حاسبه .
6- أخذ بعض العلماء - أيضاً - من قوله - تعالى - { والمؤلفة قُلُوبُهُمْ } أن حكمهم باق ، لأنهم قد ذكروا من بين مصارف الزكاة ، ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أعطاهم ، فيعطون عند الحاجة .
قال الإِمام القرطبى ما ملخصه : واختلف العلماء في بقاء المؤلفة قلوبهم .
فقال عمر والحسن والشعبى وغيرهم : انقطع هذا الصنف بعز الإِسلام وظهوره .
وهذا مشهور من مذهب مالك وأصحاب الرأى .
قال بعض علماء الحنفية . لما أعز الإِسلام وأهله ، أجمع الصحابة في خلافة أبى بكر على سقوط سهمهم .
وقال جماعة من العلماء : هم باقون لأن الإِمام ربما احتاج أن يستألف على الإِسلام وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين .
وقال ابن العربى . الذي عندى أنه إن قوى الإِسلام زالوا ، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم ، فإن في الصحيح " بدأ الإِسلام غريباً وسيعود كما بدأ " .
والذى يبدو لنا أن ما قاله ابن العربى أقرب الأقوال إلى الصواب لأن مسألة إعطاء المؤلفة قلوبهم تختلف باختلاف الأحوال ؛ فإن كان الإِمام يرى أن من مصلحة الإِسلام إعطاءهم ، وإن كانت المصحلة في غير ذلك لم يعطهم .
7- دلت الآية الكريمة على أن الزكاة ركن من أركان الاسلام ، لقوله تعالى { فَرِيضَةً مِّنَ الله } .
قال بعض العلماء ما ملخصه ، تلك هي فريضة الزكاة . ليست أمر الرسول وإنما هي أمر الله وفريضته وقسمته وما الرسول فيها إلا منفذ للفريضة المقسومة من رب العالمين . وهذه الزكاة تؤخذ من الأغنياء على أنها فريضة من الله ، وترد على الفقراء على أنها فريضة من الله ، وهى محصورة في طوائف من الناس عينهم القرآن وليست متروكة لاختيار أحد حتى ولا اختيار الرسول نفسه .
وبذلك تأخذ الزكاة مكانها في شريعة ، ومكانها في النظام الإِسلامي ، لا تطوعاً ولا تفضلا ممن فرضت عليهم ، فهى فريضة محتمة ، ولا منحة ولا جزافا من القاسم الموزع فهى فريضة معلومة .
إنها إحدى فرائض الإِسلام تجمعها الدولة المسلمة بنظام معين لتؤدى بها خدمة اجتماعية محددة . وهى . ليست إحساناً من المعطى ، وليست شحاذرة من الآخذ ، كلا فما قام النظام الاجتماعى في الإِسلام على التسول ولن يقوم .
إن قوم الحياة في النظام الإِسلامى هو العمل - بلك صنوفه وألوانه - على الدولة المسلمة أن توفر العمل لكل قادر عليه .
والزكاة ضريبة تكافل اجتماعى بين القادرين والعاجزين ، تنظمها الدولة وتتولاها في الجمع والتوزيع ، متى قام المجمع على أساس الإِسلام الصحيح ، منفذاً شريعة الله لا يبتغى له شرعاً ولا منهجاً سواه .
إن فريضة الزكاة تؤدى في صورة عبادة إسلامية ، ليطهر الله بها القلوب من الشح ، وليجعلها شرعة تراحم وتضمن بين أفراد الأمة المسلمة .
إنها فريضة من الله ، الذي يعلم ما يصلح لهذه البشرية ، ويدير أمرها بالحكمة { والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
وبعد بيان هذا الأدب اللائق في حق اللّه وحق رسوله ، تطوعاً ورضا وإسلاماً ، يقرر أن الأمر -مع ذلك - ليس أمر الرسول ؛ إنما هو أمر اللّه وفريضته وقسمته ، وما الرسول فيها إلا منفذ للفريضة المقسومة من رب العالمين . فهذه الصدقات - أي الزكاة - تؤخذ من الأغنياء فريضة من اللّه ، وترد على الفقراء فريضة من اللّه . وهي محصورة في طوائف من الناس يعينهم القرآن ، وليست متروكة لاختيار أحد ، حتى ولا اختيار الرسول :
( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السبيل . فريضة من اللّه واللّه عليم حكيم ) . .
وبذلك تأخذ الزكاة مكانها في شريعة اللّه ، ومكانها في النظام الإسلامي ، لا تطوعاً ولا تفضلا ممن فرضت عليهم . فهي فريضة محتمة . ولا منحة ولا جزافاً من القاسم الموزع . فهي فريضة معلومة . إنها إحدى فرائض الإسلام تجمعها الدولة المسلمة بنظام معين لتؤدي بها خدمة اجتماعية محددة . وهي ليست إحساناً من المعطي وليست شحاذة من الآخذ . . كلا فما قام النظام الاجتماعي في الإسلام على التسول ، ولن يقوم !
إن قوام الحياة في النظام الإسلامي هو العمل - بكل صنوفه وألوانه - وعلى الدولة المسلمة أن توفر العمل لكل قادر عليه ، وأن تمكنه منه بالإعداد له ، وبتوفير وسائله ، وبضمان الجزاء الأوفى عليه ، وليس للقادرين على العمل من حق في الزكاة ، فالزكاة ضريبة تكافل اجتماعي بين القادرين والعاجزين ، تنظمها الدولة وتتولاها في الجمع والتوزيع ؛ متى قام المجتمع على أساس الإسلام الصحيح ، منفذاً شريعة اللّه ، لا يبتغي له شرعاً ولا منهجاً سواه .
عن ابن عمر - رضي اللّه عنهما - قال : قال رسول اللّه - [ ص ] - : " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي " .
وعن عبداللّه بن عدي بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي - [ ص ] - يسألانه من الصدقة ، فقلب فيهما البصر ، فرآهما جلدين ، فقال : " إن شئتما أعطيتكما . ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " .
إن الزكاة فرع من فروع نظام التكافل الاجتماعي في الإسلام . وهذا النظام أشمل وأوسع كثيراً من الزكاة ؛ لأنه يتمثل في عدة خطوط تشمل فروع الحياة كلها ، ونواحي الارتباطات البشرية بأكملها ، والزكاة خط أساسي من هذه الخطوط :
والزكاة تجمع بنسبة العشر ونصف العشر وربع العشر من أصل المال حسب أنواع الأموال . وهي تجمع من كل من يملك حوالي عشرين جنيهاً فائضة عن حاجته يحول عليها الحول . وبذلك يشترك في حصيلتها معظم أفراد الأمة . ثم تنفق في المصارف التي بينتها الآية هنا ، وأول المستحق لها هم الفقراء والمساكين . والفقراء هم الذين يجدون دون الكفاية ، والمساكين مثلهم ولكنهم هم الذين يتجملون فلا يبدون حاجتهم ولا يسألون .
وإن كثيراً ممن يؤدون الزكاة في عام ، قد يكونون في العام التالي مستحقين للزكاة . بنقص ما في أيديهم عن الوفاء بحاجاتهم . فهي من هذه الناحية تأمين اجتماعي . وبعضهم يكون لم يؤد شيئا في حصيلة الزكاة ولكنه يستحقها . فهي من هذه الناحية ضمان اجتماعي . . وهي قبل هذا وذاك فريضة من اللّه ، تزكو النفس بأدائها وهي إنما تعبد بها اللّه ، وتخلص من الشح وتستعلي عليه في هذا الأداء .
( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) . . وقد سبق بيانهما .
( والعاملين عليها ) . . أي الذين يقومون على تحصيلها .
( والمؤلفة قلوبهم ) . . وهم طوائف ، منهم الذين دخلوا حديثاً في الإسلام ويراد تثبيتهم عليه . ومنهم الذين يرجى أن تتألف قلوبهم فيسلموا . ومنهم الذين أسلموا وثبتوا ويرجى تأليف قلوب أمثالهم في قومهم ليثوبوا إلى الإسلام حين يرون إخوانهم يرزقون ويزادون . . وهناك خلاف فقهي حول سقوط سهم هؤلاء المؤلفة قلوبهم بعد غلبة الإسلام . . ولكن المنهج الحركي لهذا الدين سيظل يواجه في مراحله المتعددة كثيراً من الحالات ، تحتاج إلى إعطاء جماعة من الناس على هذا الوجه ؛ إما إعانة لهم على الثبات على الإسلام إن كانوا يحاربون في أرزاقهم لإسلامهم ، وإما تقريباً لهم من الإسلام كبعض الشخصيات غير المسلمة التي يرجى أن تنفع الإسلام بالدعوة له والذب عنه هنا وهناك . ندرك هذه الحقيقة ، فنرى مظهراً لكمال حكمة اللّه في تدبيره لأمر المسلمين على اختلاف الظروف والأحوال .
( وفي الرقاب ) . . ذلك حين كان الرق نظاماً عالمياً ، تجري المعاملة فيه على المثل في استرقاق الأسرى بين المسلمين وأعدائهم . ولم يكن للإسلام بد من المعاملة بالمثل حتى يتعارف العالم على نظام آخر غير الاسترقاق . . وهذا السهم كان يستخدم في إعانة من يكاتب سيده على الحرية في نظير مبلغ يؤديه له ، ليحصل على حريتهبمساعدة قسطه من الزكاة . أو بشراء رقيق وإعتاقهم بمعرفة الدولة من هذا المال .
( والغارمين ) . . وهم المدينون في غير معصية . يعطون من الزكاة ليوفوا ديونهم ، بدلاً من إعلان إفلاسهم كما تصنع الحضارة المادية بالمدينين من التجار مهما تكن الأسباب ! فالإسلام نظام تكافلي ، لا يسقط فيه الشريف ، ولا يضيع فيه الأمين ، ولا يأكل الناس بعضهم بعضاً في صورة قوانين نظامية ، كما يقع في شرائع الأرض أو شرائع الغاب !
( وفي سبيل اللّه ) . . وذلك باب واسع يشمل كل مصلحة للجماعة ، تحقق كلمة اللّه .
( وابن السبيل ) . . وهو المسافر المنقطع عن ماله ، ولو كان غنياً في بلده .
هذه هي الزكاة التي يتقول عليها المتقولون في هذا الزمان ، ويلمزونها بأنها نظام تسول وإحسان . . هذه هي فريضة اجتماعية ، تؤدى في صورة عبادة إسلامية . ذلك ليطهر اللّه بها القلوب من الشح ؛ وليجعلها وشيجة تراحم وتضامن بين أفراد الأمة المسلمة ، تندّي جو الحياة الإنسانية ، وتمسح على جراح البشرية ؛ وتحقق في الوقت ذاته التأمين الاجتماعي والضمان الاجتماعي في أوسع الحدود . وتبقى لها صفة العبادة التي تربط بين القلب البشري وخالقه ، كما تربط بينه وبين الناس :
( فريضة من اللّه ) الذي يعلم ما يصلح لهذه البشرية ، ويدبر أمرها بالحكمة :