التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{۞إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (60)

قوله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم }

قال البخاري : حدثنا معاذ بن فضالة ، حدثنا هشام ، عن يحيى ، عن هلال بن أبي ميمونة ، حدثنا عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال : ( إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ) . فقال رجل : يا رسول الله ، أو يأتي الخير بالشر ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم . فقيل له : ما شأنكم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك ؟ فرأينا أنه ينزل عليه . قال : فمسح عنه الرحضاء فقال : ( أين السائل ؟ ) – وكأنه حمده – فقال : ( إنه لا يأتي الخير بالشر ، وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم ، إلا آكلة الخضراء ، أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ورتعت . وإن هذا المال خضرة حلوة ، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل – أو كما قال النبي ( وإنه من يأخذه بغير حق كالذي يأكل ولا يشبع ، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة ) .

[ الصحيح 3/383 – 384 – ح 1465 – ك الزكاة ، ب الصدقة على اليتامى ] ، أخرجه مسلم في [ الصحيح 2/728 – 729 ح 1052 – ك الزكاة ، ب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا ] .

قال أبو داود : حدثنا عباد بن موسى الأنباري الختلي ، ثنا إبراهيم – يعني ابن سعد – قال : أخبرني أبي ، عن ريحان بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوي ) .

[ السنن 118/2 ح 1634 – ك الزكاة ، ب من يعطي من الصدقة ؟ . . . ] ، وأخرجه الترمذي [ السنن 3/33 ح 652 – ك الزكاة ، ب ما جاء من لا تحل له الصدقة ] من طريق : أبي داود الطيالسي وعبد الرزاق . وأحمد [ المسند ح 2036 ] من طريق وكيع ، كلهم عن سفيان الثوري ، عن سعد بن إبراهيم ، عن ريحان بن يزيد به . قال الترمذي : حديث حسن ، وأخرجه الحاكم من طريق إبراهيم بن سعد

به وسكت عليه هو والذهبي [ المستدرك 1/407 ] وقال الألباني : صحيح [ صحيح الترمذي ح 527 – وصحيح الجامع ح 7128 ] ، وصححه أيضا محقق المسند .

قال أبو داود : حدثنا مسدد ، ثنا عيسى بن يونس ، ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، قال : أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة ، فسألاه منها ، فرفع فينا البصر وخفضه ، فرآنا جلدين ، فقال : ( إن شئتما أعطيتكما ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ) .

[ السنن 2/118 ح 1633 – ك الزكاة ، ب من يعطى من الصدقة ؟ . . ] ، وأخرجه النسائي [ السنن 5/99 – 100 – ك الزكاة ، ب مسألة القوي المكتسب ] ، وأحمد [ المسند 4/224 ] كلاهما من طريق يحيى بن سعيد ، عن هشام بن عروة به . قال ابن كثير : إسناد جيد قوي [ التفسير 4/106 ] . قال ابن عبد الهادي في التنقيح [ 2/1522 ] وهو حديث إٍسناده صحيح ، ورواته ثقات ، قال الإمام أحمد : ما أجوده من حديث ، هو أحسنها إسنادا وصححه الألباني أيضا في [ الإرواء 3/381 ح 876 ] .

انظر حديث مسلم عن أبي هريرة المتقدم عند الآية ( 273 ) من سورة البقرة .

قال الطبري بعد أن ساق عدة أقوال في المسكين : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال : " الفقير " هو ذو الفقر والحاجة ، ومع حاجته يتعفف عن مسألة الناس والتذلل لهم ، في هذا الموضع و " المسكين " هو المحتاج المتذلل للناس بمسألتهم .

قال مسلم : حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي ، حدثنا جويرية ، عن مالك ، عن الزهري ؛ أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال : اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا : والله لو بعثنا هذين الغلامين ( قالا لي وللفضل بن عباس ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه ، فأمرهما على هذه الصدقات ، فأديا ما يؤدي الناس ، وأصابا مما يصيب الناس . قال : فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب ، فوقف عليهما ، فذكرا له ذلك . فقال علي بن أبي طالب : لا تفعلا . فوالله ما هو بفاعل . فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال : والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا ، فو الله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك . قال علي : أرسلوهما ، فانطلقا . واضطجع علي . قال : فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة ، فقمنا عندها ، حتى جاء فأخذ بآذاننا ، ثم قال : ( أخرجا ما تصرران ) ثم دخل ودخلنا عليه ، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال : فتواكلنا الكلام ، ثم تكلم أحدنا فقال : يا رسول الله أنت أبر الناس ، وأوصل الناس ، وقد بلغنا النكاح ، فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات ، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ، ونصيب كما يصيبون . قال : فسكت طويلا حتى أردنا إليك نكلمه ، قال : وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه . قال : ثم قال : ( الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس ، ادعوا لي محمية " وكان على الخمس " ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب ) . قال : فجاءاه . فقال لمحمية : ( أنكح هذا الغلام ابنتك ) " للفضل بن عباس " فأنكحه . وقال لنوفل بن الحارث : ( أنكح هذا الغلام ابنتك ) " لي " فأنكحني . وقال لمحمية : ( أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا ) .

قال الزهري : ولم يسمه لي .

[ الصحيح 2/752 – 753 ح 1072 – ك الزكاة ، ب استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة ] .

أخرج عبد الرزاق عن معمر ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لعامل عليها ، أو رجل اشتراها بماله ، أو غارم ، أو غاز في سبيل الله ، أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني ) .

[ المصنف : 4/109 ، ح 7151 ] ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد في مسنده [ 3/56 ] ، وأبو داود [ ك الزكاة ، ب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني ، ح 3636 ] ، وابن ماجة [ ك الزكاة ، ب من تحل له الصدقة ، ح 1841 ] ، وابن الجارود في [ المنتقى ح 365 ] ، وابن خزيمة في [ صحيحه ح 2374 ] ، والحاكم في المستدرك [ 1/407 – 408 ] ، وغيرهم ، وقال الحاكم : [ هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه لإرسال مالك بن أنس إياه عن زيد بن أسلم ] ، وأقره الذهبي على تصحيحه على شرطهما . قال الحافظ : وصححه جماعة [ التلخيص الحبير 3/111 ] ، وصححه الألباني في إرواء الغليل [ 3/377 ، رقم 870 ] .

قال أبو داود : حدثنا محمد بن إبراهيم الأسباطي ، ثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن رافع ابن خديج ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته ) .

[ السنن 3/132 ح 2936 – ك الخراج والإمارة والفيء ، ب في السعاية على الصدقة ] ، وأخرجه الترمذي [ السنن 3/28 ح 645 – ك الزكاة ، ب ما جاء في العامل على الصدقة بالحق ] ، من طريق أحمد بن خالد . وابن ماجة [ السنن 1/578 ح 1809 – ك الزكاة ، ب ما جاء في عمال الصدقة ] من طريق : عبدة بن سليمان ، ومحمد بن فضيل ، ويونس بن بكير ، وأحمد [ المسند 4/143 ] من طريق يعقوب عن أبيه ، كلهم عن ابن إسحاق به . قال الترمذي : حسن صحيح ، وصرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد وأخرجه ابن خزيمة [ 4/51 ح 2334 ] والحاكم في المستدرك [ 1/406 ] كلاهما من طريق أحمد بن خالد الوهبي به ، وقال حديث صحيح على شرط مسلم ، وأقره الذهبي . وقال الألباني : صحيح [ صحيح ابن ماجة ح 3996 ] .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة : { والعاملين عليها } قال : جباتها ، الذين يجمعونها ويسعون فيها .

قال البخاري : حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني أعطي قريشا أتألفهم ، لأنهم حديث عهد بجاهلية ) .

[ الصحيح 6/288 ح 3146 – ك فرض الخمس ، ب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم ] . وأخرجه مسلم في [ الصحيح 2/735 ح 133 [ 1059 ] – ك الزكاة ، ب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام ] .

قال البخاري : حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا سفيان ، عن أبيه ، عن أبي نعم ، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشيء ، فقسمه بين أربعة وقال : ( أتألفهم ) . فقال رجل : ما عدلت ، فقال : ( يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين ) .

[ الصحيح 8/181 ح 4667 – ك التفسير – سورة التوبة ، ب الآية ] ، وأخرجه مسلم مطولا من طريق عبد الرحمن بن أبي أنعم عن أبي سعيد [ السعيد 2/7410 ح 1064 – ك الزكاة ، ب ذكر الخوارج وصفاتهم ] .

قال مسلم : وحدثني أبو الطاهر ، أحمد بن عمرو بن سرح ، أخبرنا عبد الله ابن وهب ، أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح ، فتح مكة ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين ، فاقتتلوا بحني ، فنصر الله دينه والمسلمين ، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم ، ثم مائة ، ثم مائة .

قال ابن شهاب : حدثني سعيد بن المسيب ؛ أن صفوان قال : والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني ، وإنه لأبغض الناس إلي ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي .

[ الصحيح 4/1806 ح 2313 – ك الفضائل ، ب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال : لا ] .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة : وأما { المؤلفة قلوبهم } فأناس من الأعراب ومن غيرهم ، كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم بالعطية كيما يؤمنوا .

انظر حديث الترمذي عن أبي هريرة الآتي عند الآية ( 32 ) من سورة النور .

قال الطبري : حدثني أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا معقل ابن عبيد الله قال ، سألت الزهري عن قوله : { وفي الرقاب } قال : المكاتبون .

وانظر سورة البقرة آية ( 177 ) لبيان الرقاب .

قوله تعالى : { والغارمين }

قال مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد ، كلاهما عن حماد بن زيد ، قال يحيى ، أخبرنا حماد بن زيد عن هارون بن رياب ، حدثني كنانة بن نعيم العدوي عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال : تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها ، فقال : ( أقم حتى تأتينا الصدقة ، فنأمر لك بها ) . قال : ثم قال : ( يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ( أو قال سداد من عيش ) ، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه : لقد أصابت فلانا فاقة ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ( أو قال سدادا من عيش ) فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا ) .

[ الصحيح 2/722 ح 109 ] ك الزكاة ، ب من تحل له المسألة ] .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة : أما { الغارمون } فقوم غرقتهم الديون في غير إملاق ، ولا تبذير ولا فساد .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة : { وابن السبيل } الضيف ، جعل له فيها حق .

وانظر سورة البقرة آية ( 177 ) لبيان ابن السبيل .