الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (60)

أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر قال « جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله وهو يقسم قسماً ، فأعرض عنه وجعل يقسم قال : أتعطي رعاء الشاء ؟ والله ما عدلت . فقال : ويحك . . . ! من يعدل إذا أنا لم أعدل ؟ فأنزل الله هذه الآية { إنما الصدقات للفقراء . . . } الآية » .

وأخرج أبو داود والبغوي في معجمه والطبراني والدارقطني وضعفه عن زياد بن الحارث الصدائي قال : قال رجل «يا رسول الله أعطني من الصدقة . فقال : إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم هو فيها ، فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك » .

وأخرج ابن سعد عن زياد بن الحرث الصدائي قال : بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء قوم يشكون عاملهم ، ثم قالوا : يا رسول الله آخذنا بشيء كان بيننا وبينه في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا خير للمؤمن في الإِمارة ، ثم قام رجل فقال : يا رسول الله أعطني من الصدقة . فقال : إن الله لم يكِل قسمها إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى أجزأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت جزأ منها أعطيتك وإن كنت غنياً عنها فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن » .

وأخرج سعيد بن منصور والطبراني وابن مردويه عن موسى بن يزيد الكندي قال : كان ابن مسعود يقرىء رجلاً ، فقرأ { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } مرسلة ، فقال ابن مسعود : ما هكذا أقرأنيها النبي صلى الله عليه وسلم . فقال : وكيف أقرأكها ؟ قال : أقرأنيها { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } فمدها .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نسخت هذه الآية كل صدقة في القرآن قوله { وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل } [ الإِسراء : 26 ] وقوله { إن تبدوا الصدقات } [ البقرة : 271 ] وقوله { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } [ الذاريات : 19 ] .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إنما الصدقات للفقراء والمساكين . . . } الآية . قال : إنما هذا شيء أعلمه الله إياه لهم ، فأيما أعطيت صنفاً منها أجزاك .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ عن حذيفة في قوله { إنما الصدقات للفقراء . . . } الآية . قال : إن شئت جعلتها في صنف واحد من الأصناف الثمانية الذين سمى الله أو صنفين أو ثلاثة .

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي العالية قال : لا بأس أن تجعلها في صنف واحد مما قال الله .

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن الحسن وعطاء وإبراهيم وسعيد بن جبير . مثله .

وأخرج ابن المنذر والنحاس عن ابن عباس قال : الفقراء فقراء المسلمين ، والمساكين الطوّافون .

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ عن قتادة قال : الفقير الذي به زمانة ، والمسكين المحتاج الذي ليس به زمانة .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب . أنه مرَّ برجل من أهل الكتاب مطروح على باب فقال : استكدوني وأخذوا مني الجزية حتى كف بصري ، فليس أحد يعود عليَّ بشيء . فقال عمر : ما أنصفنا إذاً ، ثم قال : هذا من الذين قال الله { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } ثم أمر له أن يرزق ويجري عليه .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر في قوله { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } قال : هم زَمْنى أهل الكتاب .

وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال : لا يعطي المشركون من الزكاة ولا من شيء من الكفارات .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : ليس بفقير من جمع الدرهم إلى الدرهم ولا التمرة إلى التمرة ، إنما الفقير من أنقى ثوبه ونفسه لا يقدر على غنى { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } [ البقرة : 273 ] .

وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر بن زيد قال : الفقراء المتعففون ، والمساكين الذين يسألون .

وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري . أنه سئل عن هذه الآية فقال : الفقراء الذين في بيوتهم ولا يسألون ، والمساكين الذي يخرجون فيسألون .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : الفقير ، الرجل يكون فقيراً وهو بين ظهري قومه وعشيرته وذوي قرابته وليس له مال ، والمسكين الذي لا عشيرة له ولا قرابة ولا رحم وليس له مال .

وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في الآية قال : الفقراء الذين هاجروا ، والمساكين الذين لم يهاجروا .

وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : يعطي من الزكاة من له الدار والخادم والفرس .

وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم رضي الله عنه قال : كانوا لا يمنعون الزكاة من له البيت والخادم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { والعاملين عليها } قال : السعاة أصحاب الصدقة .

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه قال : يعطي كل عامل بقدر عمله .

وأخرج ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج رضي الله عنه « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : العامل على الصدقة بالحق كالغازي حتى يرجع إلى بيته » .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { والمؤلفة قلوبهم } قال : هم قوم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسلموا ، وكان يرضخ لهم من الصدقات ، فإذا أعطاهم من الصدقة فأصابوا منها خيراً قالوا : هذا دين صالح ، وإن كان غير ذلك ، عابوه وتركوه .

وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال « بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه من اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة فيها تربتها ، فقسمها بين أربعة من المؤلفة : الأقرع بن حايس الحنظلي ، وعلقمة بن علاثة العامري ، وعينية بن بدر الفزاري ، وزيد الخيل الطائي . فقالت قريش والأنصار : أيقسم بين صناديد أهل نجد ويدعنا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما أتالفهم » .

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قال « المؤلفة قلوبهم : من بني هاشم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ومن بني أمية أبو سفيان بن حرب ، ومن بني مخزوم الحارث بن هشام وعبد الرحمن بن يربوع ، ومن بني أسد حكيم بن حزام ، ومن بني عامر سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي ، ومن بني جمح صفوان بن أمية ، ومن بني سهم عدي بن قيس ، ومن ثقيف العلاء بن حارثة أو حارثة ، ومن بني فزارة عينية بن حصن ، ومن بني تميم الأقرع بن حابس ، ومن بني نصر مالك بن عوف ، ومن بني سليم العباس بن مرداس . أعطى النبي صلى الله عليه وسلم كل رجل منهم مائة ناقة مائة ناقة إلا عبد الرحمن بن يربوع وحويطب بن عبد العزى ، فإنه أعطى كل واحد منهما خمسين » .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال : المؤلفة قلوبهم الذين يدخلون في الإِسلام إلى يوم القيامة .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال : المؤلفة قلوبهم قوم من وجوه العرب ، يقدمون عليه فينفق عليهم منها ما داموا حتى يسلموا أو يرجعوا .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن جبير قال : ليس اليوم مؤلفة قلوبهم .

وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي رضي الله عنه قال : ليست اليوم مؤلفة قلوبهم ، إنما كان رجال يتألفهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أن كان أبو بكر رضي الله عنه قطع الرشا في الإِسلام .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني قال : جاء عينية بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر فقالا : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عندنا أرضاً سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة ، فإن رأيت أن تعطيناها لعلنا نحرثها ونزرعها ولعل الله أن ينفع بها . فاقطعهما إياها وكتب لهما بذلك كتاباً واشهد لهما ، فانطلقا إلى عمر ليشهداه على ما فيه ، فلما قرآ على عمر ما في الكتاب تناوله من أيديهما فتفل فيه فمجاه ، فتذمرا وقالا له مقالة سيئة ، فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألفهما والإِسلام يومئذ قليل ، وإن الله قد أعز الإِسلام فاذهبا فاجهدا جهدكما لا أرعى الله عليكما إن أرعيتما .

وأخرج ابن سعد عن أبي وائل . أنه قيل له : ما أصنع بنصيب المؤلفة ؟ قال : زده على الآخرين .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله { وفي الرقاب } قال : هم المكاتبون .

وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم النخعي قال : لا يعتق من الزكاة رقبة تامة ويعطى في رقبة ، ولا بأس بأن يعين به مكاتباً .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز قال : سهم الرقاب نصفان ، نصف لكل مكاتب ممن يدَّعي الإِسلام ، والنصف الباقي يشتري به رقاب ممن صلى وصام وقدم إسلامه من ذكر أو أنثى يعتقون لله .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس . أنه كان لا يرى بأساً أن يعطي الرجل من زكاته في الحج ، وأن يعتق منها رقبة .

وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أعتق من زكاة مالك .

وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن الحسن : أنه كان لا يرى بأساً أن يشتري الرجل من زكاة ماله نسمة فيعتقها .

وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر عن إبراهيم النخعي قال : يعان فيها الرقبة ولا يعتق منها .

وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لا تعتق من زكاة مالك فإنه يجر الولاء . قال أبو عبيد : قول ابن عباس أعلى ما جاءنا في هذا الباب ، وهو أولى بالإتباع وأعلم بالتأويل ، وقد وافقه عليه كثير من أهل العلم .

وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري . أنه سئل عن الغارمين . قال : أصحاب الدين ، وابن السبيل وإن كان غنياً .

وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { والغارمين } قال : من احترق بيته ، وذهب السيل بماله ، وادّان على عياله .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي جعفر في قوله { والغارمين } قال : المستدينين في غير فساد { وابن السبيل } قال : المجتاز من أرض إلى أرض .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله { والغارمين } قال : هو الذي يسأل في دم أو جائحة تصيبه { وفي سبيل الله } قال : هم المجاهدون { وابن السبيل } قال : المنقطع به يعطي قدر ما يبلغه .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله { وفي سبيل الله } قال : الغازي في سبيل الله { وابن السبيل } قال : المسافر .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ابن السبيل هو قال : الغازي في سبيل الله { وابن السبيل } قال : المسافر .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ابن السبيل هو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين .

وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في رجل سافر وهو غني ، فنفد ما معه في سفره فاحتاج قال : يعطى من الصدقة في سفره لأنه ابن سبيل .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وفي سبيل الله } قال : حمل الرجل في سبيل الله من الصدقة { وابن السبيل } قال : هو الضيف والمسافر إذا قطع به وليس له شيء { فريضة من الله والله عليم حكيم } قال : ثمانية أسهم فرضهن الله وأعلمهن .

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لعامل عليها ، أو رجل اشتراها بماله ، أو غارم ، أو غاز في سبيل الله ، أو مسكين تصدق عليه فأهدى منها الغني » .

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة والنحاس في ناسخه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشاً أو كدوحاً . قالوا : يا رسول الله وماذا يغنيه ؟ قال : خمسون درهماً ، أو قيمتها من الذهب » .

وأخرج أبو الشيخ عن عبدالله بن عمر . أنه سئل عن مال الصدقة فقال : شر مال ، إنما هو مال الكسحان والعرجان والعميان وكل منقطع به . قيل : فإن للعاملين عليها حقاً ، وللمجاهدين في سبيل الله . قال : أما العاملون فلهم بقدر عمالتهم ، وأما المجاهدون في سبيل الله فقوم أحل لهم أن الصدقة لا تحل لغني ، ولا لذي مرة سوى .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة في ثمانية أسهم . ففرض في الذهب ، والورق ، والإِبل ، والبقر ، والغنم ، والزرع ، والكرم ، والنخل ، ثم توضع في ثمانية أسهم . في أهل هذه الآية { إنما الصدقات للفقراء . . . } الآية كلها » .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « خففوا على المسلمين في خرصكم فإن فيه العرايا ، وفيه الوصايا ، فأما العرايا فالنخلة والثلاث والأربع وأقل من ذلك وأكثر ، يمنحها الرجل أخاه ثمرتها فيأكلها هو وعياله ، وأما الوصايا فثمانية أسهم { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } إلى قوله { والله عليم حكيم } » .

وأخرج أحمد عن رجل من بني هلال قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لا تحل الصدقة لغني ، ولا ذي مرة سوى » .

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوى » .

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال : « أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة ، فسألاه منها . فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين ، فقال : إن شئتما أعطيتكما ولا حظَّ فيها لغني ، ولا لقوي مكتسب » .