بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (60)

ثم بيَّن لهم موضع الصدقات ، فقال :

{ إِنَّمَا الصدقات } ، يعني : ليست الصدقات للذين يلمزونك في الصدّقات ؛ وإنّما الصدقات { لِلْفُقَرَاء والمساكين } . قال بعضهم : الفقراء الضعفاء الأحوال الذين لهم بلغة من العيش بدليل قول الشاعر :

أَمَّا الفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُه . . . وَفْقَ العِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَهَدُ

والمسكين الذي لا شيء له ، بدليل قول الله تعالى : { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } [ البلد : 16 ] يعني : الذي لم يكن بينه وبين التراب شيء يقيه منه ؛ وقال بعضهم : الفقير الذي لا شيء له ، والمسكين الذي له أدنى شيء . كما قال الله تعالى : { أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لمساكين يَعْمَلُونَ فِى البحر فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [ الكهف : 79 ] سماهم مساكين ، وإن لهم سفينة ، وقال بعضهم : الفقير الذي لا يسأل الناس إلحافاً ، كما قال الله تعالى : { لِلْفُقَرَاء الذين أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ الله } إلى قوله { لاَ يَسْألون الناس إلحاقا } [ البقرة : 273 ] والمسكين الذي يسأل الناس . وقال بعضهم : الفقير الذي يسأل الناس والمسكين الذي لا يسأل الناس ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى أبْوَابِكُمْ فَتَرُدُّونَهُ بِاللُّقْمَةِ وَاللُّقْمَتَيْنِ ؛ وإنَّمَا المِسْكِينُ المُتَعَفِّفُ الَّذِي لا يَسْألُ النَّاسَ وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ » . وقال قتادة : الفقير الذي به زمانة ، والمسكين الصحيح المحتاج وقال بعضهم : الفقير الذي يكون عليه زي الفقر ولا تعرف حاجته ، والمسكين الذي يكون عليه زي الفقر وتكون حاجته ظاهرة .

ثم قال : { والعاملين عَلَيْهَا } ، وهم السعاة الذين يجبون الصدقات ، فيعطون على قدر حاجتهم ، { والمؤلفة قُلُوبُهُمْ } ؛ وهم قوم كان يعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتألفهم بالصدقات على الإسلام ؛ وكانوا رؤساء في كل قبيلة ، منهم أبو سفيان بن حرب ، والأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن الفزاري ، وعباس بن مرداس السلمي ، وصفوان بن أمية وغيرهم ؛ فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاؤوا إلى أبي بكر وطلبوا منه ، فكتب لهم كتاباً فجاؤوا بالكتاب إلى عمر بن الخطاب ليشهدوه ، فقال : أي شيء هذا ؟ فقالوا : سهمنا . فأخذ عمر الكتاب ومزقه وقال : إنما كان يعطيكم النبي عليه السلام يتألفكم على الإسلام ؛ فأما اليوم فقد أعزّ الله الإسلام فإن ثبتم على الإسلام ، وإلا فبيننا وبينكم السيف ، فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا : أنت الخليفة أم هو ؟ قال : هو إن شاء فبطل سهمهم .

ثم قال : { وَفِي الرقاب } ، أي وفي فك الرقاب ، وهم المكاتبون . ثم قال { والغارمين } ، يعني : أصحاب الديون الذين استدانوا في غير فساد ولا تبذير ؛ وقال مجاهد : ثلاثة من الغارمين : رجل ذهب السيل بماله ، ورجل أصابه حريق فهلك ماله ، ورجل ليس له مال وله عيال فهو يستدين وينفق على عياله .

{ وَفِى سَبِيلِ الله } ، وهم الذين يخرجون إلى الجهاد ، { وابن االسبيل } ، يعني : المسافر المنقطع من ماله .

قال بعضهم : وجب أن تقسم الصدقات على ثمانية أصناف ، وهو قول الشافعي ؛ كما بيَّن في هذه الآية . وقال أصحابنا : إذا صرف الصدقات إلى صنف من هذه الأصناف جاز . وروي عن حذيفة بن اليمان أنه قال : إذا أعطى الرجل الصدقة صنفاً واحداً من الأصناف الثمانية جاز . وعن عبد الله بن عباس أنه قال : إذا وضعتها في صنف واحد فحسبك ؛ إنّما قال : { إنّما الصدقات للفقراء } ، لأن لا تجعلها في غير هذه الأصناف . وعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه أتي بصدقة فبعث بها إلى أهل بيت واحد .

ثم قال تعالى : { نَفْعاً فَرِيضَةً مّنَ الله } يعني : وضع الصدقات في هذه المواضع فريضة من الله ، وهو مما أمر الله تعالى . { والله عَلِيمٌ } بأهلها ، { حَكِيمٌ } حكم قسمتها وبيّنها لأهلها .