ثم بيَّن لهم موضع الصدقات ، فقال :
{ إِنَّمَا الصدقات } ، يعني : ليست الصدقات للذين يلمزونك في الصدّقات ؛ وإنّما الصدقات { لِلْفُقَرَاء والمساكين } . قال بعضهم : الفقراء الضعفاء الأحوال الذين لهم بلغة من العيش بدليل قول الشاعر :
أَمَّا الفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُه . . . وَفْقَ العِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَهَدُ
والمسكين الذي لا شيء له ، بدليل قول الله تعالى : { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } [ البلد : 16 ] يعني : الذي لم يكن بينه وبين التراب شيء يقيه منه ؛ وقال بعضهم : الفقير الذي لا شيء له ، والمسكين الذي له أدنى شيء . كما قال الله تعالى : { أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لمساكين يَعْمَلُونَ فِى البحر فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [ الكهف : 79 ] سماهم مساكين ، وإن لهم سفينة ، وقال بعضهم : الفقير الذي لا يسأل الناس إلحافاً ، كما قال الله تعالى : { لِلْفُقَرَاء الذين أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ الله } إلى قوله { لاَ يَسْألون الناس إلحاقا } [ البقرة : 273 ] والمسكين الذي يسأل الناس . وقال بعضهم : الفقير الذي يسأل الناس والمسكين الذي لا يسأل الناس ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى أبْوَابِكُمْ فَتَرُدُّونَهُ بِاللُّقْمَةِ وَاللُّقْمَتَيْنِ ؛ وإنَّمَا المِسْكِينُ المُتَعَفِّفُ الَّذِي لا يَسْألُ النَّاسَ وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ » . وقال قتادة : الفقير الذي به زمانة ، والمسكين الصحيح المحتاج وقال بعضهم : الفقير الذي يكون عليه زي الفقر ولا تعرف حاجته ، والمسكين الذي يكون عليه زي الفقر وتكون حاجته ظاهرة .
ثم قال : { والعاملين عَلَيْهَا } ، وهم السعاة الذين يجبون الصدقات ، فيعطون على قدر حاجتهم ، { والمؤلفة قُلُوبُهُمْ } ؛ وهم قوم كان يعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتألفهم بالصدقات على الإسلام ؛ وكانوا رؤساء في كل قبيلة ، منهم أبو سفيان بن حرب ، والأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن الفزاري ، وعباس بن مرداس السلمي ، وصفوان بن أمية وغيرهم ؛ فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاؤوا إلى أبي بكر وطلبوا منه ، فكتب لهم كتاباً فجاؤوا بالكتاب إلى عمر بن الخطاب ليشهدوه ، فقال : أي شيء هذا ؟ فقالوا : سهمنا . فأخذ عمر الكتاب ومزقه وقال : إنما كان يعطيكم النبي عليه السلام يتألفكم على الإسلام ؛ فأما اليوم فقد أعزّ الله الإسلام فإن ثبتم على الإسلام ، وإلا فبيننا وبينكم السيف ، فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا : أنت الخليفة أم هو ؟ قال : هو إن شاء فبطل سهمهم .
ثم قال : { وَفِي الرقاب } ، أي وفي فك الرقاب ، وهم المكاتبون . ثم قال { والغارمين } ، يعني : أصحاب الديون الذين استدانوا في غير فساد ولا تبذير ؛ وقال مجاهد : ثلاثة من الغارمين : رجل ذهب السيل بماله ، ورجل أصابه حريق فهلك ماله ، ورجل ليس له مال وله عيال فهو يستدين وينفق على عياله .
{ وَفِى سَبِيلِ الله } ، وهم الذين يخرجون إلى الجهاد ، { وابن االسبيل } ، يعني : المسافر المنقطع من ماله .
قال بعضهم : وجب أن تقسم الصدقات على ثمانية أصناف ، وهو قول الشافعي ؛ كما بيَّن في هذه الآية . وقال أصحابنا : إذا صرف الصدقات إلى صنف من هذه الأصناف جاز . وروي عن حذيفة بن اليمان أنه قال : إذا أعطى الرجل الصدقة صنفاً واحداً من الأصناف الثمانية جاز . وعن عبد الله بن عباس أنه قال : إذا وضعتها في صنف واحد فحسبك ؛ إنّما قال : { إنّما الصدقات للفقراء } ، لأن لا تجعلها في غير هذه الأصناف . وعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه أتي بصدقة فبعث بها إلى أهل بيت واحد .
ثم قال تعالى : { نَفْعاً فَرِيضَةً مّنَ الله } يعني : وضع الصدقات في هذه المواضع فريضة من الله ، وهو مما أمر الله تعالى . { والله عَلِيمٌ } بأهلها ، { حَكِيمٌ } حكم قسمتها وبيّنها لأهلها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.