المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًاۖ إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِي بِهِۦ لَوۡلَآ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (10)

10- وصار قلب أم موسى خاليا من العقل لما دهمها من الجزع لوقوع ولدها في يد فرعون . إنها كادت تظهر أمره بأنه ولدها لولا أن ثَبَّت الله قلبها بالصبر لأعلنت أنه ولدها شفقة عليه ، ولتكون في ضمن المؤمنين المطمئنين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًاۖ إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِي بِهِۦ لَوۡلَآ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (10)

ثم صورت السورة الكريمة تصويرا بديعا مؤثرا ، ما كانت عليه أم موسى من لهفة وقلق ، بعد أن فارقها ابنها ، فقال - تعالى - : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغاً } أى : وبعد أن ألقت أم موسى به فى اليم ، والتقطه آل فرعون ، وعلمت بذلك أصبح قلبها وفؤادها خاليا من التفكير فى أى شىء فى هذه الحياة ، إلا فى شىء واحد وهو مصير ابنها موسى - عليه السلام - .

وفى هذا التعبير ما فيه من الدقة فى تصوير حالتها النفسية ، حتى لكأنها صارت فاقدة لكل شىء فى قلبها سوى أمر ابنها وفلذة كبدها .

قال ابن كثير : قوله - تعالى - : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغاً } من كل شىء من أمور الدنيا إلا من موسى . قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن البصرى ، وقتادة . . . وغيرهم .

و { إِن } فى قوله - تعالى - { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ } هى المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ، وتبدى بمعنى تظهر ، من بدا الشىء يبدو بدوا إذا ظهر ظهورا واضحا .

والضمير فى { بِهِ } يعود إلى موسى - عليه السلام - .

أى : وصار فؤاد أم موسى فارغا من كل شىء سوى التكفير فى مصيره ، وإنها كادت لتصرح للناس بأن الذى التقطه آل فرعون ، هو ابنها ، وذلك لشدة دهشتها وخوفها عليه من فرعون وجنده .

وجواب الشرط فى قوله - تعالى - { لولا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا } محذوف دل عليه ما قبله .

وأصل الربط : الشد والتقوية للشىء . ومنه قولهم فلان رابط الجأش ، أى : قوى القلب .

وقوله - تعالى - : { لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين } علة لتثبيت قلبها وتقويته ، فهو متعلق بقوله { رَّبَطْنَا } .

أى : ربطنا على قلبها لتكون من المصدقين بوعد الله - تعالى - ، وأنه سيرد إليها ابنها ، كى تقر عينها ولا تحزن .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًاۖ إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِي بِهِۦ لَوۡلَآ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَىَ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلآ أَن رّبَطْنَا عَلَىَ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } .

اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عَنَى الله أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فارغا ، فقال بعضهم : الذي عنى جلّ ثناؤه أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فارغا : كل شيء سوى ذكر ابنها موسى . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن العلاء ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد ، وحسان أبي الأشرس عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، في قوله : وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فرغ من كلّ شيء إلاّ من ذكر مُوسى .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن حسان ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فارغا من كلّ شيء إلاّ من ذكر موسى .

حدثنا محمد بن عُمارة ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن رجل ، عن ابن عباس وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فارغا من كلّ شيء إلاّ من همّ موسى .

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : يقول : لا تذكروا إلاّ موسى .

حدثنا محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فَارِغا قالَ : من كل شيء غير ذكر موسى .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فرغ من كل شيء إلاّ من ذكر موسى .

حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرمليّ ، قال : حدثنا ضَمْرة بن ربيعة ، عن ابن شَوذَب ، عن مطر ، في قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فارغا من كلّ شيء إلاّ من همّ موسى .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا : أي لاغيا من كلّ شيء ، إلاّ من ذكر موسى .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فرغ من كلّ شيء غير ذكر موسى .

وقال آخرون : بل عنى أن فؤادها أصبح فارغا من الوحي الذي كان الله أوحاه إليها ، إذ أمرها أن تلقيه في اليمّ فقال وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي ، إنّا رَادّوهُ إلَيْكِ ، وَجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ قال : فحزنت ونسيت عهد الله إليها ، فقال الله عزّ وجلّ وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا من وحينا الذي أوحيناه إليها . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فارغا من الوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر ، ولا تخاف ولا تحزن . قال : فجاءها الشيطان ، فقال : يا أمّ موسى ، كرهت أن يقتل فرعون موسى ، فيكون لك أجره وثوابه وتولّيت قتله ، فألقيتيه في البحر وغرقتيه ، فقال الله : وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا من الوحي الذي أوحاه إليها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، قال : ثني الحسن ، قال : أصبح فارغا من العهد الذي عهدنا إليها ، والوعد الذي وعدناها أن نردّ عليها ابنها ، فنسيت ذلك كله ، حتى كادت أن تُبْدِي به لولا أن ربطنا على قلبها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق : قد كانت أمّ موسى ترفع له حين قذفته في البحر ، هل تسمع له بذكر ، حتى أتاها الخبر بأن فرعون أصاب الغداة صبيا في النيل في التابوت ، فعرفت الصفة ، ورأت أنه وقع في يدي عدوّه الذي فرّت به منه ، وأصبح فؤادها فارغا من عهد الله إليها فيه قد أنساها عظيم البلاء ما كان من العهد عندها من الله فيه . وقال بعض أهل المعرفة بكلام العرب : معنى ذلك : وَأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا من الحزن ، لعلمها بأنه لم يغرق . قال : وهو من قولهم : دم فرغ : أي لا قود ولا دية وهذا قول لا معنى له لخلافه قول جميع أهل التأويل .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال : معناه : وَأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا من كلّ شيء إلاّ من همّ موسى .

وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب لدلالة قوله : إنْ كادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها ولو كان عَنَى بذلك : فراغ قلبها من الوحي لم يعقب بقوله : إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لأنها إن كانت قاربت أن تبدي الوحي ، فلم تكد أن تبديه إلا لكثرة ذكرها إياه ، وولوعها به ، ومحال أن تكون به ولعة إلا وهي ذاكرة . وإذا كان ذلك كذلك بطل القول بأنها كانت فارغة القلب مما أوحى إليها . وأخرى أن الله تعالى ذكره أخبر عنها أنها أصبحت فارغة القلب ، ولم يخصص فراغ قلبها من شيء دون شيء ، فذلك على العموم إلا ما قامت حجته أن قلبها لم يفرغ منه . وقد ذُكر عن فضالة بن عبيد أنه كان يقرؤه : «وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فازِعا » من الفزع .

وقوله : إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عادت عليه الهاء في قوله : بِهِ فقال بعضهم : هي من ذكر موسى ، وعليه عادت . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد وحسان أبي الأشرس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أن تقول : يا ابناه .

قال : ثني يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن حسان ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أن تقول : يا ابناه .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن حسان عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أن تقول : يا ابناه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي لتبدي به أنه ابنها من شدّة وجدها .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما جاءت أمه أخذ منها ، يعني الرضاع ، فكادت أن تقول : هو ابني ، فعصمها الله ، فذلك قول الله إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها .

وقال آخرون بِمَا أوْحَيْناهُ إلَيْها : أي تظفر .

والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين ذكرنا قولهم أنهم قالوا : إن كادت لتقول : يا بنياه ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك ، وأنه عقيب قوله : وأصْبَحَ فُؤادُ أُمّ مُوسَى فارِغا فلأن يكون لو لم يكن ممن ذكرنا في ذلك إجماع على ذلك من ذكر موسى ، لقربه منه ، أشبه من أن يكون من ذكر الوحي .

وقال بعضهم : بل معنى ذلك إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بموسى فتقول : هو ابني . قال : وذلك أن صدرها ضاق إذ نُسب إلى فرعون ، وقيل ابن فرعون . وعنى بقوله لِتُبْدِي بِهِ لتظهره وتخبر به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاكّ يقول ، في قوله : إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ : لتشعر به .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنْ كادَتْ لَتُبْدي بِهِ قال : لتُعلِنِ بأمره لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين .

وقوله : لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِهَا يقول : لولا أن عصمناها من ذلك بتثبيتناها وتوفيقناها للسكوت عنه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قال : قال الله لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها : أي بالإيمان لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : كادت تقول : هو ابني ، فعصمها الله ، فذلك قول الله : إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها .

وقوله : لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يقول تعالى ذكره : عصمناها من إظهار ذلك وقيله بلسانها ، وثبتناها للعهد الذي عهدنا إليها لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ بوعد الله ، الموقِنين به .