القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَىَ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلآ أَن رّبَطْنَا عَلَىَ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } .
اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عَنَى الله أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فارغا ، فقال بعضهم : الذي عنى جلّ ثناؤه أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فارغا : كل شيء سوى ذكر ابنها موسى . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن العلاء ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد ، وحسان أبي الأشرس عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، في قوله : وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فرغ من كلّ شيء إلاّ من ذكر مُوسى .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن حسان ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فارغا من كلّ شيء إلاّ من ذكر موسى .
حدثنا محمد بن عُمارة ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن رجل ، عن ابن عباس وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فارغا من كلّ شيء إلاّ من همّ موسى .
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : يقول : لا تذكروا إلاّ موسى .
حدثنا محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فَارِغا قالَ : من كل شيء غير ذكر موسى .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فرغ من كل شيء إلاّ من ذكر موسى .
حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرمليّ ، قال : حدثنا ضَمْرة بن ربيعة ، عن ابن شَوذَب ، عن مطر ، في قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فارغا من كلّ شيء إلاّ من همّ موسى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا : أي لاغيا من كلّ شيء ، إلاّ من ذكر موسى .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فرغ من كلّ شيء غير ذكر موسى .
وقال آخرون : بل عنى أن فؤادها أصبح فارغا من الوحي الذي كان الله أوحاه إليها ، إذ أمرها أن تلقيه في اليمّ فقال وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي ، إنّا رَادّوهُ إلَيْكِ ، وَجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ قال : فحزنت ونسيت عهد الله إليها ، فقال الله عزّ وجلّ وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا من وحينا الذي أوحيناه إليها . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا قال : فارغا من الوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر ، ولا تخاف ولا تحزن . قال : فجاءها الشيطان ، فقال : يا أمّ موسى ، كرهت أن يقتل فرعون موسى ، فيكون لك أجره وثوابه وتولّيت قتله ، فألقيتيه في البحر وغرقتيه ، فقال الله : وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا من الوحي الذي أوحاه إليها .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، قال : ثني الحسن ، قال : أصبح فارغا من العهد الذي عهدنا إليها ، والوعد الذي وعدناها أن نردّ عليها ابنها ، فنسيت ذلك كله ، حتى كادت أن تُبْدِي به لولا أن ربطنا على قلبها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق : قد كانت أمّ موسى ترفع له حين قذفته في البحر ، هل تسمع له بذكر ، حتى أتاها الخبر بأن فرعون أصاب الغداة صبيا في النيل في التابوت ، فعرفت الصفة ، ورأت أنه وقع في يدي عدوّه الذي فرّت به منه ، وأصبح فؤادها فارغا من عهد الله إليها فيه قد أنساها عظيم البلاء ما كان من العهد عندها من الله فيه . وقال بعض أهل المعرفة بكلام العرب : معنى ذلك : وَأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا من الحزن ، لعلمها بأنه لم يغرق . قال : وهو من قولهم : دم فرغ : أي لا قود ولا دية وهذا قول لا معنى له لخلافه قول جميع أهل التأويل .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال : معناه : وَأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فارِغا من كلّ شيء إلاّ من همّ موسى .
وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب لدلالة قوله : إنْ كادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها ولو كان عَنَى بذلك : فراغ قلبها من الوحي لم يعقب بقوله : إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لأنها إن كانت قاربت أن تبدي الوحي ، فلم تكد أن تبديه إلا لكثرة ذكرها إياه ، وولوعها به ، ومحال أن تكون به ولعة إلا وهي ذاكرة . وإذا كان ذلك كذلك بطل القول بأنها كانت فارغة القلب مما أوحى إليها . وأخرى أن الله تعالى ذكره أخبر عنها أنها أصبحت فارغة القلب ، ولم يخصص فراغ قلبها من شيء دون شيء ، فذلك على العموم إلا ما قامت حجته أن قلبها لم يفرغ منه . وقد ذُكر عن فضالة بن عبيد أنه كان يقرؤه : «وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فازِعا » من الفزع .
وقوله : إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عادت عليه الهاء في قوله : بِهِ فقال بعضهم : هي من ذكر موسى ، وعليه عادت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد وحسان أبي الأشرس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أن تقول : يا ابناه .
قال : ثني يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن حسان ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أن تقول : يا ابناه .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن حسان عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أن تقول : يا ابناه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي لتبدي به أنه ابنها من شدّة وجدها .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما جاءت أمه أخذ منها ، يعني الرضاع ، فكادت أن تقول : هو ابني ، فعصمها الله ، فذلك قول الله إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها .
وقال آخرون بِمَا أوْحَيْناهُ إلَيْها : أي تظفر .
والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين ذكرنا قولهم أنهم قالوا : إن كادت لتقول : يا بنياه ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك ، وأنه عقيب قوله : وأصْبَحَ فُؤادُ أُمّ مُوسَى فارِغا فلأن يكون لو لم يكن ممن ذكرنا في ذلك إجماع على ذلك من ذكر موسى ، لقربه منه ، أشبه من أن يكون من ذكر الوحي .
وقال بعضهم : بل معنى ذلك إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بموسى فتقول : هو ابني . قال : وذلك أن صدرها ضاق إذ نُسب إلى فرعون ، وقيل ابن فرعون . وعنى بقوله لِتُبْدِي بِهِ لتظهره وتخبر به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاكّ يقول ، في قوله : إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ : لتشعر به .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنْ كادَتْ لَتُبْدي بِهِ قال : لتُعلِنِ بأمره لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين .
وقوله : لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِهَا يقول : لولا أن عصمناها من ذلك بتثبيتناها وتوفيقناها للسكوت عنه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قال : قال الله لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها : أي بالإيمان لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : كادت تقول : هو ابني ، فعصمها الله ، فذلك قول الله : إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها .
وقوله : لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يقول تعالى ذكره : عصمناها من إظهار ذلك وقيله بلسانها ، وثبتناها للعهد الذي عهدنا إليها لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ بوعد الله ، الموقِنين به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.