الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًاۖ إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِي بِهِۦ لَوۡلَآ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (10)

{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً } أي خالياً لاهياً ساهياً من كلّ شيء إلاّ من ذكر موسى وهمه ، قاله أكثر المفسّرين ، وقال الحسن وابن إسحاق وابن زيد : يعني فارغاً من الوحي الذي أوحى الله سبحانه وتعالى إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر ولا تخاف ولا تحزن ، والعهد الذي عهدنا إليها أن نردّه إليها ونجعله من المرسلين ، فجاءها الشيطان ، فقال : يا أُمّ موسى كرهتِ أنْ يقتل فرعونُ موسى فتكون لك أجره وثوابه ، وتولّيتِ أنت قتله ، فألقيتِهِ في البحر وغرّقته .

ولمّا أتاها الخبر بأنّ فرعون أصابه في النيل قالت : إنّه وقع في يدي عدوه والذي فررت به منه ، فأنساها عظيم البلاء ما كان من عهد الله سبحانه إليها ، فقال الله تعالى : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً } من الوحي الذي أُوحي إليها ، وقال الكسائي : { فَارِغاً } أي ناسياً ، أبو عبيدة : { فَارِغاً } من الحزن لعلمها بأنّه لم يغرق ، وهو من قول العرب : دم فرغ إذا كان هدراً لا قِوَد فيه ولا دية .

وقال الشاعر :

فإن تك أذواد أصبن ونسوة *** فلن تذهبوا فرغاً بقتل حبال

العلاء بن زيد { فَارِغاً } : نافراً ، وقرأ ابن محيض وفضالة بن عبيد : ( فَزِعاً ) بالزاي والعين من غير ألف ، { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ } قال بعضهم : الهاء في قوله : { بِهِ } راجعة إلى موسى ومعنى الكلام : إنْ كادت لتبدي به أنّه ابنها من شدة وجدها .

أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان ، قال : أخبرنا مكي بن عبدان ، قال : حدّثنا عبد الرحمن ابن بشر ، قال : حدّثنا سفيان ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ } قال : كادت تقول : وابناه ، وقال مقاتل : لما رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر ، فخشيت عليه الغرق ، فكادت تصيح من شفقها عليه ، الكلبي : كادت تُظهر أنّه ابنها ، وذلك حين سمعت الناس وهم يقولون لموسى بعدما شبّ : موسى بن فرعون ، فشق عليها فكادت تقول : لا ، بل هو ابني ، وقال بعضهم : الهاء عائدة الى الوحي أي { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي } بالوحي الذي أوحينا إليها أن نردّه عليها .

{ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا } قوّينا قلبها فعصمناها وثبّتناها { لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } المصدّقين الموقنين بوعد الله عزّ وجل