فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًاۖ إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِي بِهِۦ لَوۡلَآ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (10)

{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ موسى فَارِغاً } قال المفسرون : معنى ذلك أنه فارغ من كل شيء إلاّ من أمر موسى كأنها لم تهتمّ بشيء سواه . قال أبو عبيدة : خالياً من ذكر كل شيء في الدنيا إلاّ من ذكر موسى ، وقال الحسن وابن إسحاق ، وابن زيد : فارغاً مما أوحي إليها من قوله { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي } ، وذلك لما سوّل الشيطان لها من غرقه وهلاكه . وقال الأخفش : فارغاً من الخوف والغمّ لعلمها أنه لم يغرق بسبب ما تقدّم من الوحي إليها ، وروى مثله عن أبي عبيدة أيضاً . وقال الكسائي : ناسياً ذاهلاً ، وقال العلاء بن زياد : نافراً . وقال سعيد بن جبير : والهاً كادت تقول : واإبناه من شدّة الجزع ، وقال مقاتل : كادت تصيح شفقة عليه من الغرق . وقيل المعنى : أنها لما سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع والدهش ، قال النحاس : وأصحّ هذه الأقوال الأوّل ، والذين قالوه أعلم بكتاب الله ، فإذا كان فارغاً من كل شيء إلاّ من ذكر موسى فهو فارغ من الوحي ، وقول من قال : فارغاً من الغمّ غلط قبيح ؛ لأن بعده { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا } وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري ومحمد ابن السميفع وأبو العالية وابن محيصن : { فزعا } بالفاء ، والزاي ، والعين المهملة من الفزع : أي خائفاً وجلاً ، وقرأ ابن عباس : " قرعا " بالقاف المفتوحة ، والراء المهملة المكسورة ، والعين المهملة من قرع رأسه : إذا انحسر شعره ، ومعنى { وَأَصْبَحَ } : وصار ، كما قال الشاعر :

مضى الخلفاء في أمر رشيد *** وأصبحت المدينة للوليد

{ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا } { إن } هي : المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف : أي إنها كادت لتظهر أمر موسى ، وأنه ابنها من فرط ما دهمها من الدهش والخوف والحزن ، من بدا يبدو : إذا ظهر ، وأبدى يبدي : إذا أظهر ، وقيل الضمير في { به } عائد إلى الوحي الذي أوحى إليها ، والأوّل أولى . وقال الفراء : إن كانت لتبدي باسمه لضيق صدرها لولا أن ربطنا على قلبها . قال الزجاج : ومعنى الربط على القلب : إلهام الصبر ، وتقويته ، وجواب لولا محذوف ، أي لولا أن ربطنا على قلبها لأبدت ، واللام في { ولِتَكُونَ مِنَ المؤمنين } متعلق ب { ربطنا } ، والمعنى : ربطنا على قلبها ؛ لتكون من المصدّقين بوعد الله ، وهو قوله { إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ } قيل والباء في { لَتُبْدِي بِهِ } زائدة للتأكيد ، والمعنى : لتبديه كما تقول : أخذت الحبل وبالحبل . وقيل المعنى : لتبدي القول به .

/خ13