السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًاۖ إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِي بِهِۦ لَوۡلَآ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (10)

قال الكلبي ولما أخبر الله تعالى عن حال من لقيه أخبر عن حال من فارقه بقوله تعالى : { وأصبح } أي : عقب الليلة التي حصل فيها فراقه { فؤاد أمّ موسى } أي : قلبها الذي زاد احتراقه شوقاً وخوفاً وحزناً وهذا يدل على أنها ألقته ليلاً ، واختلف في معنى قوله { فارغاً } فقال أكثر المفسرين : خالياً من كل همّ إلا من همّ موسى عليه السلام ، وقال الحسن : أي : ناسياً للوحي الذي أوحاه الله تعالى إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر ولا تخاف ولا تحزن والعهد الذي عهد أن يرده إليها ويجعله من المرسلين فجاءها الشيطان وقال : كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنت قتله فألقيتيه في البحر وأغرقتيه .

وقال الزمخشري : أي : صفراً من العقل والمعنى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها لما دهمها من فرط الجزع والدهش ونحوه قوله تعالى : { وأفئدتهم هواء } ( إبراهيم : 43 ) أي : جوف لا عقول فيها وذلك أنّ القلوب مراكز العقول ألا ترى إلى قوله تعالى : { فتكون لهم قلوب يعقلون بها } ( الحج : 46 ) .

وقوله تعالى : { إن } هي المخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي : إنها { كادت } أي : قاربت { لتبدي } أي : يقع منها الإظهار لكل ما كان من أمره مصرّحة { به } أي : بأمر موسى عليه السلام من أنه ولدها ، وقال عكرمة : عن ابن عباس كادت تقول وا إبناه ، وقال مقاتل لما رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شفقتها ، وقال الكلبي : كادت تظهر أنه ابنها حين سمعت الناس يقولون لموسى بعدما شب موسى بن فرعون فشق عليها فكادت تقول هو ابني ، وقيل إنّ الهاء عائدة إلى الوحي أي : كادت لتبدي بالوحي الذي أوحى الله تعالى إليها أن يردّه عليها وجواب . { لولا أن ربطنا } محذوف أي : لا بدت به كقوله تعالى : { وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه } ( يوسف : 24 ) والمعنى لولا أن ربطنا { على قلبها } بالعصمة والصبر والتثبت وقوله تعالى { لتكون من المؤمنين } متعلق بربطنا أي : من المصدقين بوعد الله تعالى وهو قوله تعالى : { إنا رادوه إليك } .