ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن الحقوق الواجبة على المسلم نحو خالقه - عز وجل - ونحو رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعن تأكيد إبطال عادة التبنى التى كانت منتشرة قبل نزول هذه السورة ، وعن بيان الحكمة لهذا الإِبطال ، وعن علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بغيره من أتباعه . . فقال - تعالى - : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ . . . بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } .
ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } روايات منها : " أنها نزلت فى زينب بنت جحش - رضى الله عنها - خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد ابن حارثة فاستنكفت ، وقالت : أنا خير منه حسبا ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية .
وفى رواية أنها قالت : يا رسول الله ، لست بنكاحته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل فانكحيه " فقالت : يا رسول الله ، أؤامر فى نفسى ؟ فبينما هما يتحادثان ، أنزل الله - تعالى هذه الآية . فقالت : يا رسول الله ، قد رضيته لى زوجا ؟ قال : نعم قالت : إذا لا أعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجته نفسى " .
وذكر بعضهم أنها نزلت فى أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط ، وكانت أول من هاجر من النساء . . يعنى بعد صلح الحديبية ، فهوهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وسلم ، فزوجها من مولاه زيد بن حارثة ، بعد فراقه لزينب فسخطت هى وأخوها وقالا : إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا عبده ، فنزلت الآية بسبب ذلك ، فأجابا إلى تزويج زيد .
قال ابن كثير : هذه الاية عامة فى جميع الأمور . وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشئ ، فليس لأحد مخالفته ، ولا اختيار لأحد هاهنا ولا رأى ولا قول ، كما قال - تعالى - : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } وفى الحديث الشريف : " والذى نفسى بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " .
والمعنى : لا يصح ولا يحل لأى مؤمن ولا لأية مؤمنة { إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ } أى : إذا أراد الله ورسوله أمرا . من الأمور .
وقال - سبحانه - : { إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً } للإِشعار ، بأن ما يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يفعله بأمرا لله - تعالى - لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى .
وقوله : { أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ } أى : لا يصح لمؤمن أو مؤمنة إذا أراد الله ورسوله أمرا ، أن يختاروا ما يخالف ذلك ، بل يجب عليهم أن يذعنوا لأمره صلى الله عليه وسلم وأن يجعلوا رأيهم تابعا لرأيه فى كل شئ .
وكلمة الخِيرة : مصدر من تخيَّر ، كالطِّيرَة مصدر من تَطَيَّر . وقوله : { مِنْ أَمْرِهِمْ } متعلق بها ، أو بمحذوف وقع حالا منها .
وجاء الضمير فى قوله { لَهُمُ } وفى قوله { مِنْ أَمْرِهِمْ } بصيغة الجمع : رعاية للمعنى إذ أن لفظى مؤمن ومؤمنة وقعا فى سياق النفى ، فيعمان كل مؤمن وكل مؤمنة .
وقوله - سبحانه - : { وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً } بيان لسوء عاقبة واضحا بينا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.